19-يوليو-2017

أجدادنا لم تكن أعصابهم تحترق في انتظار نزول راتب، أو سدّ قسط شهريّ أو في ترقُّب صعود دولار أو مؤشر بورصة، أو متابعة أخبار. بقيت أبصارهم قوية؛ فقد كانت مشاهد الأفق والأشجار تُريحها، لم يحدّقوا لساعات طوال في شاشة تلفاز أو حاسوب أو جوال.

 لماذا ظلّت أبدانهم سليمة وأجسادهم قوية، بينما أصابتنا الأمراض والعلل ونحن في عِزّ شبابنا؟! 

أسنانهم ظلّت قوية بيضاء رغم أنهم لم يجربوا "سجنل 2" أو "جولجيت" ولا "سنسوداين". كانوا "ينكشونها" بعود يلتقطونه عن الأرض، لم يُجرّبوا خيطًا طبيًّا أو غسول فم، لم يعرفوا غير حليب البقر والغنم، ولم توضع رضاعات "النيدو" ولا "السيريلاك" و"الكورنفلكس" في أفواههم.

دجاجهم كان بلديًا يأكل من خشاش الأرض، لم يكن صناعيًا يكبر في 40 يومًا، خضرواتهم كانت مما تجود به أرضهم، ولم تمسها يد إنسان، ولم يؤذها بهرموناته ومبيداته. سمادها كان من روث حيواناته المنزلية، ولم يحرقها سماد كيماوي صناعيّ. وحبّات قمحهم وعدسهم وحمصهم كانت من خيرات أرضهم، ولم تكن معدّلة مشوّهة، لم يعرفوا المُعلّبات ولا المُجمّدات، لم يعرفوا الـ"المايكرويف" المسرطن.

كان أجدادنا "يُملّسون" شعورهم بزيت الزيتون، ولم يعرفوا "الجِل وغيره من مثبّتات الشعر. أمّا جدّاتنا الطيّبات فكُنّ يصبغن شعورهن بالحنّاء الطبيعيّ، ويزيّنَ عيونهن بالكحلة، وكُنّ يطرين أيديهن بالزيت، لم يضعن صبغة ولا كريمات صناعية مسرطنة، لم يجهدن أرجلهن بكعب عالٍ مؤذٍ طمعًا بطول زائد.

زيت الزيتون، والسمن البلديّ هما الطريقة الوحيدة للقلي، بالطبع لم يعرفوا "عبّاد الشمش" ولا زيت الذرة ذو "الكوليسترول" المرتفع. لم يعرفوا غير الجبنة المحليّة البيضاء، المُصفّاة فوق قطعة قماش، ولم يسمعوا بـ "اللافاش كيري"، ولا "الكيري" ولا "البوك".

باكرًا كانوا ينامون، وباكرًا، مع صياح ديكة الفجر، كانوا يشقّون طريقهم نحو الأرض، ظلّت ظهورهم صلبة لنومهم على الأرض، ولم يتعبوها "بفرشات زمبركية أو مضغوطة"، أو انحناء لساعات خلف مكتب أو شاشة.

كانوا يحرقون من دهون أجسامهم مشيًا وهرولة وحركة، عناية بالأرض، حرثًا وبذرًا وحصدًا، فلم تكن عندهم سيارات ولا مصاعد ولا أدراج كهربائية، كانوا يشربون من نبعة الماء والحاووز والجرّة، لم يعرفوا المياه المعدنية المعالَجة.

عصيرهم الكركديه والتمر هندي، لا كوكالا كولا ولا XL، وشرابهم الساخن البابونج واليانسون والزهورات، ولم يكن النسكافية وقهوة اسبريسو. أمّا حلويّاتهم فكانت القُطّين والزبيب والرز بحليب، ولم تكن "الشيز كيك" أو مشتقات الجاتو والكريما.. كانوا يتنفسون هواءً نقيًا ممزوجًا برائحة الشومر والزعتر البرّي.

الحطب والكانون كانا مصدر دفئهم، لم يعرفوا "مُكيّفًا" ولم يجرّبوا "حِرامًا كهربائيًا". لم يصابوا بلفحة هواء ولا فالج، . أزاهرهم كانت طبيعية، لا صناعيّة كاذبة.

أفراحهم، أعراسهم، ضحكاتهم، وزياراتهم الاجتماعية كانت كذلك، على سجيتها بسيطة دون تزلفٍ أو نفاقٍ أو طمعٍ في حاجة أو مقابل، لم يفلعوا ذلك طمعًا بـ "لايك" على "فيسبوك" أو بحثًا عن ثناء في عالم وهميّ.

لأجل هذا وغيره عَمَّر أجدادُنا وبلغوا من الكبر عتيّا، وظلّت أبدانهم سليمة وأجسادهم قوية، فيما أصابتنا الأمراض والعلل ونحن في عِزّ شبابنا.


اقرأ/ي أيضًا:

"أبو قاسم وحريمه" في الموروث الشعبي!

غزال الجبل الفلسطيني: ارحموني

"أبو المواسم".. فرحة الفلاحين