19-أكتوبر-2015

علم الجزائر في مواجهات مع جنود الاحتلال في الضفة الغربية (Getty)

كنت سأتحمّل المسؤولية كاملة، في الإجابة على السؤال المنشور على صفحة "ألترا صوت" في فيسبوك: لماذا يحبّ الجزائريون الفلسطينيين كل هذا الحبّ، ويرفعون علمهم الوطني في محافلهم المختلفة، فلم يخلُ ملعب جزائري من العلم الفلسطيني، ومن عبارة "فلسطين الشهداء" يرددها شباب لا علاقة لهم بالسياسة والنضال، وهي العبارة التي يُجمع عليها أنصار الفريقين المتنافسين، بالإضافة إلى النشيد الوطني الجزائري؟

في الجزائر، إذا كنتَ محاصرًا بحاجةٍ ما، فما عليك إلا أن تقول إنك فلسطيني وسوف يُصدّقونك فورًا

كنت سأجيب، بلا حرج، لو كان السؤال من هذه الزاوية، لأنني خرّيج اللحظة الجزائرية، وقابض على سياقاتها المختلفة، أما أن أجيب على سؤال: لماذا يحب الفلسطينيون الجزائريين، ويتدثرون بعلمهم الوطني، وهم يواجهون رصاص الاحتلال بصدور عارية؟ فالأمر يحتاج إلى كثير من الحذر، لأنه حديث على لسان طرف آخر، وقد يقع صاحبه في التعسف، إضافة أو نقصانًا، أو يقع في الغرور الوطني الزائد الذي يُخلّ بمصداقية ما يكتب أو يقول.

في الجزائر، إذا كنتَ محاصرًا بحاجةٍ تريد أن تقضيها، فما عليك إلا أن تقول إنك فلسطيني، ولن تجد نفسك مطالبًا بأن تضبط لسانك على اللهجة الفلسطينية حتى يصدّقوك، فسوف يُصدّقونك فورًا، وأراني، حتى أتفادى هذا الحرج، سألجأ إلى هذه الحيلة: أنا فلسطيني، وسأخبركم عن أسباب رفعي للعلم الجزائري، هذه الأيام، في انتفاضتي الجديدة التي تختلف كثيرًا عن الانتفاضات السابقة.

قارنتُ بين طبيعة الاحتلال الذي يتعرّض له شعبي ووطني، وطبيعة الاحتلالات التي تعرّضت لها الشعوب الأخرى، ولاحظت أن أشبهَها به، كان الاحتلالَ الفرنسي للجزائر، كلاهما ادعيا جدارتهما بملكية الأرض، وعملا على طمس هويتها، وتغيير ملامحها، وبرمجتها على هويتيهما، بالنار والحديد، ووظفا في تكريس هذه الحقيقة المغشوشة العلومَ والفنونَ والكتبَ المقدسة، واقعَيْنِ في كذب صريح، يتناقض مع زعمهما الانتماءَ إلى حضارة العلم التي لا تكذب، ألا تتصدّر الجامعات الإسرائيلية اليوم قوائم الجامعات المتفوقة، تمامًا كما كانت تتصدّر الجامعات الفرنسية، خلال احتلال فرنسا للجزائر؟

رغم هذا، فقد عمل الشعب الجزائري بكل شرائحه، على دحر هذه الحقيقة/ الأكذوبة، بثورة دفع فيها ثلث أفراده، وأرغم الفرنسيين على العودة من حيث أتوا، بعد أن صرّح رئيسهم شارل ديغول: "الآن فهمت".

إنني، أنا الفلسطيني، حين أتدثر بالعلم الجزائري، الذي هو ثمرة استقلال أثمرته تلك الثورة/ الإرادة، إنما أتفاءل به، في طريق مسعاي إلى الاستقلال، هل هناك ثائر في الدنيا، ينتصر من غير تفاؤل؟

 "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، هل هناك دليل مادي واحد على أن الجزائر خانت مقولتها هذه يومًا؟

أصلًا.. بادر أبو عمّار ورفاقه، منتصف ستينيات القرن العشرين، إلى تأسيس حركتهم التحررية، تأثرًا/ تفاؤلًا بالثورة الجزائرية. ثم إن لمسعاي التحرري محطاتٍ تشكّل معالمَ/ ذاكرة لا تنسى، وضعته على السكة، ومعظمها كان بمرافقة جزائرية، منها حضور فلسطين اجتماعَ جمعية الأمم المتحدة لأول مرة، منتصف السبعينيات، وإلقاء ياسر عرفات لخطبته الشهيرة على المنصة التي كانت تترأسها الجزائر، ومنها أيضًا احتضان الجزائر لإعلان الدولة الفلسطينية نهاية الثمانينيات، تجسيدًا لمقولتها: "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، هل هناك دليل مادي واحد على أن الجزائر خانت مقولتها هذه يومًا؟

فرض العربُ، من خلال جامعتهم، أموالًا تدفع للخزينة الفلسطينية، ولم تتأخر الجزائر يومًا عن دفع حصتها، وتفاوتوا في تعاملهم مع الكيان الإسرائيلي، حتى أن بعضهم تبادل معه السفاراتِ والمكاتبَ التجارية، ونأت الجزائر بنفسها عن أي تعامل معه، مهما كان بسيطًا، حتى أن رياضييها، كانوا يخسرون مصالحهم مع فرقهم الأوربية التي تنتمي إلى دول تقيم علاقاتٍ مع تل أبيب، لأنهم رفضوا المشاركة في المقابلات التي تجمعهم بالفرق الإسرائيلية، بل إن هناك فنانين يهودًا ولدوا في الجزائر وكبروا فيها، مُنعوا من زيارتها، لأنهم يساندون مقولة الاحتلال.
ووقع الانقسام الفلسطيني، لأسبابٍ ليس هنا محل ذكرها، وانقسمت معه مواقف الدول والشعوب، بين مهلّل لرام الله، ومهلّل لغزة، بحسب مصالحه وميولاته، وبقيت الجزائر الرسمية والشعبية مهللة لفلسطين وعاصمتها القدس.

فلاش باك/ استرجاع

"وقدم أبو مدين شعيب الأندلسي الجزائري شيخ المتصوفة إلى فلسطين في موكب من الجزائريين، بعد أن ألبسه مولانا عبد القادر الجيلاني جبة الحكمة في جبل عرفة، فحارب مع الناصر صلاح الدين، حتى قطعت ذراعه، في الثاني من تشرين الأول / أكتوبر 1187 
ودفنت في بيت المقدس، وإليه ورفاقِه يعود حائط المغاربة وقفًا".

مخرج

هل هناك مزيد من الأعلام الجزائرية؟

 

اقرأ/ي للكاتب:

كنت فدائيًا في فلسطين