15-مايو-2018

صورة أرشيفية: أطفال يلعبون في أزقة القدس العتيقة - التاريخ غير معروف (Gettyimages)

70 سنة مرّت على خروج يوسف ظاهر من قرية برير المُهجّرة على الساحل الفلسطيني، كان حينها ابن 22 عامًا، وأبًا لثلاثة أولاد، لكنه لا ينسى حتى يومنا هذا ألعابًا كان يتسلى بها عندما كان طفلاً، قبل 8 عقود على الأقل. "عظامه راح" أكثر الألعاب حضورًا في ذاكرة ظاهر اليوم، لأنها أكثر الألعاب تسلية في ذلك الوقت، كما يقول.

يشرح ظاهر لـ الترا فلسطين أن هذه اللعبة كانت تحتاج إلى تشكيل أكثر من فريق، وخلالها يُلقي أحد الأطفال عظمة على طفل آخر، ويكون على بقية أعضاء الفريق اللحاق به حتى إمساكه، ثم ينتقل الدور إلى طفل آخر.

"عظامه راح" و"طبّة أم الشرايط" من ألعاب أطفال فلسطين قبل النكبة، أما "السيجا" فكانت من ألعاب الكبار

وإن كانت هذه اللعبة هي الأكثر تسلية لأطفال برير، وفق ظاهر، فإن "طُبة أم الشرايط" كانت اللعبة التي تحدد مهارة أولاد القرية - كما يقول - في تشكيلها المناسب ليستطيعوا اللعب بها. يقول: "كنا نحضر جميع قطع القماش البالية ونلفها حول بعضها حتى يصبح شكلها كرويًا، وبعدها نشكل فريقين ونبدأ باللعب. أتذكر أن صوتنا كان يعلو في القرية عندما يفوز فريق وآخر يخسر، ونستمر باللعب حتى يتساوى الفريقين بالعلامات حتى لا تنتهي بمشاكل".

اقرأ/ي أيضًا: صور | عن "الناس الطيبة" في فلسطين قبل النكبة

ولم تكن الألعاب حِكرًا على الأطفال قبل النكبة. يوضح إبراهيم الترتوري (91 عامًا) أن والده وأعمامه كانوا يلتقون بعد العصر، ويلعبون "السيجا"، وهي لعبة خاصة بالكبار، لكن الصغار كانوا يجلسون حولهم ويحاولون تقليدهم.

يشرح الترتوي اللعبة قائلاً إنها تُشبه الشطرنج وأدواتها بسيطة جدًا، إذ كانوا يرسمون خطوطًا على الرمل، ويلعبون بالحصى الصغير الملوّن - يُسمى "الجراوه" - ويحتاجون تركيزًا شديدًا وذكاءً في وضع الحصى أو الحجارة في الحُفر. يلعب "السيجا" شخصان أو ثلاثة، ويجب أن تنتهي بفوز أحدهم، ويُمكن أن تستمر ساعات طويلة، ويتخللها أحاديث كثيرة وقصص تجعل الأطفال لا يفارقون الجلسة.

ويستذكر الترتوري "لعبة الغمّيضة"، وكانت تُسمى أيضًا "أنا وين.. فتّح"، وهي لعبة الأطفال التي بقية حاضرة في بعض المناطق حتى الألفية الثالثة. وفي "الغمّيضة" يختار الأطفال أحدهم ليغمض عينيه ويدير وجهه إلى الحائط، ثم يعد من واحد إلى عشرة ليمنح بقية الأطفال فرصة الاختباء في أماكن مختلفة، ثم يبدأ البحث عنهم.

تُحسم اللعبة بنجاح الطفل في العثور على أحد المختبئين والإمساك به، فيما يحاول بقية الأطفال الوصول إلى الحائط والقول "أنا هان" ليخرجوا من إطار البحث. يعلق الترتوري: "لعبة بدها ذكاء لنختصر وقتها".

أما ألعاب الإناث، فكانت أشهرها "الحجلة"، وهي اللعبة التي رافقت أجيال الإناث في فلسطين حتى بعد 70 سنة على النكبة. تُحدثنا سعدة أبو أمونة (87 عامًا) عن الحجلة في يافا، قائلة إنها كانت تشاركها فيها أربع لاعبات أخريات، ويلعبنها حتى التعب. "كانت أيام حلوة ياريت ترجع" قالت سعدة.

كانت ابنة القرية قبل النكبة تشغل وقتها بالتطريز وصناعة الأثواب إلى حين يأتيها العريس

"الطبيبة" لُعبة أخرى من ألعاب قبل النكبة، وهي مجموعة من قطع القماش الملتفة حول بعضها لتشكل كرة صغيرة، ثم يضربونها على الأرض بشكل متكرر محاولين منع وقوعها منهم. لكن "الطُبّيبة" كان الذكور يشاركون فيها أيضًا، ولذلك فإن لعبة "العرائس" هي الأكثر قُربًا للإناث، وفق سعدة.

اقرأ/ي أيضًا: صور | كيف تجمّلت نساء فلسطين قبل النكبة؟

تُبين أنها وصديقاتها كُنّ يجتمعن في بيت إحداهن، ويحضرن أعوادًا من الخشب ثم يجمعنها على شكل صليب، ويكسينها بقطعة قماش. تُشبه سعدة لعبة "العرائس" بلعبة "ناس وناس" التي تلعبها البنات في هذه الأيام.

وكانت بنات القرى إذا كبُرن، أصبحن يشغلن وقتهن بالتطرير وصناعة الأثواب، وما إن يحين موعد زواج الفتاة حتى تكون قد جهّزت لنفسها أثوابًا متنوعة، من بينها "جنة ونار"، و"بلتاجي".

يقول المؤرخ خليل حسونة، إن ألعاب الفلسطينيين قبل النكبة جاءت نتيجة تراكمات خبرة الفلاحين في صياغة الحياة الترفيهية، بما تحتويه هذه الخبرة من إرث ثقافي وحضاري، وإرث حركي شائع. ويبين لـ الترا فلسطين أن أهم ميّزات الألعاب الشعبية سابقًا أنها كانت قليلة التكاليف في صناعتها، وتقوم على المشاركة والجماعية وليس الفردية.

ألعاب الفلسطينيين قبل النكبة كانت جماعية لا فردية، ومن ذلك لعبة "الشدّة" التي حرّمتها جماعات دينية لكنها بقيت حاضرة

وإلى جانب الألعاب المذكورة سابقًا، أشار حسونة إلى لعبة "حامي بارد"، ويلعبها الأطفال من الجنسين، إذ يخفون غرضًا ما، ويكون على أحدهم البحث عنه للفوز، وكلّما اقترب من مكان الغرض صاح بقية اللاعبين "حامي حامي"، ثم إذا ابتعد عنه صاحوا "بارد بارد".

ويقول إن لعبة "الشدّة" أيضًا كانت من ألعاب قبل النكبة، وقد ظهرت خلال الاحتلال البريطاني، ورغم أن جماعات دينية كانت تمنع لعبها إلا أنها بقيت لُعبة حاضرة بقوة في مناطق كثيرة.

وأشار حسونة إلى أن الرياضة أخذت حيّزًا هامًا من ألعاب الفلاحين، وقد كانت تلقى مشاركة عفوية وقوية على قاعدة أن المشاهدة بدون ممارسة تؤدي في إلى الانحلال البدني والجسمي.


اقرأ/ي أيضًا:

نظرة جديدة لفلسطين قبل النكبة: الاقتصاد والمجتمع

معركة جنين 48: العراقيون يفتدون فلسطين

هجّرتهن النكبة والتقين بعد 70 سنة