02-أبريل-2019

بادر مُعلمون وخريجو جامعات خلال السنوات القليلة الماضية إلى إدخال ما أصبح يُعرف بـ"التعليم التفاعلي التقني" لمدارس في الضفة الغربية، وهو نوعٌ من التعليم يقوم على توظيف التكنولوجيا المختلفة ومنها الوسائط المتعددة بأساليب تطبيقية تفاعلية، متعلقة بالمساقات المختلفة في المناهج الدراسية، إلا أن هذا النوع من التعليم وإن لقي اهتمامًا من وزارتي التربية والتعليم في قطاع غزة والضفة، لا يزال بعيدًا عن تحقيق آمال العاملين فيه والمبادرين له بأن يكون نظامًا معتمدًا بشكل أساسي وثابت ووفق استراتيجية واضحة في المدارس.

وفي التعليم العالي، كانت جامعة غزة سباقة لاعتماد درجة البكالوريوس في تخصص "إنتاج الكرتون والوسائط المتعددة". في حديثنا مع عميد كلية الحاسوب بالجامعة خلود البطش، أفادت بأن الجامعة تُدرس مساقًا اسمه "تصميم مواد تعليمية"، يتعلم خلاله الطالب معايير وأسسًا عملية لتوظيف الوسائط المتعددة في إنتاج مادة تعليمية، لينتج مشروعًا متكاملاً للمساق يقوم خلاله باختيار محتوى أو درسًا أو موضوعًا بالكامل، يوظف فيه جميع البرامج التي درسها خلال التخصص في إنتاج المشروع.

التعليم التفاعلي التقني في الضفة وغزة يقوم على مبادرات فردية لا تجد من يتبناها رسميًا

وأوضحت البطش، أن الطلاب قدموا عدة مشاريع تخرج متخصصة في حوسبة المناهج، "ولدى الجامعة تواصل مستمر مع دائرة التعليم الإلكتروني في وزارة التربية والتعليم في غزة، وقد وظّف هذا القسم خريجين من الجامعة لكن فترة مؤقتة".

اقرأ/ي أيضًا:

دانة اللبابيدي، واحدةٌ ممن عملوا في دائرة التعليم الإلكتروني بالوزارة قبل خمس سنوات، وكانت مدة عملها لعشرة شهور. تُبين اللبابيدي أنها كانت ضمن فريقٍ مكونٍ من 11 شخصًا، "وكانت البداية إيجابية، لكن مع مشاكل الوزارات وتبدل الحكومات وعدم استقرار الأوضاع، تغير نمط العمل وتم تقليص عدد الموظفين لأربعة، وكانت جهودهم حثيثة ومتواصلة نوعًا ما".

وتوضح اللبابيدي، أن مشكلة العمل الحكومي في هذه الحالات يتمثل في محدودية المصادر، وقلة الدعم المالي، وقلة عدد العاملين، والتأثر بالوضع السياسي القائم، مضيفة أن التعليم المحوسب التفاعلي يعمل على تقنين المنهاج وليس اختصاره، "بل هو تلخيص بعيد عن الحشو الموجود في المنهاج الدراسي، فتجربة وزارة التربية والتعليم كانت بحوسبة بعض الدروس بطريقة تفاعلية وليس المنهاج بشكل كامل".

وترى اللبابيدي -وهي محاضرة جامعية حاليًا- أنه لا يجب تحويل المناهج لتكون تفاعلية بشكل كامل، بل أن يكون التعليم التفاعلي مكملاً بوضع أمثلة مساعدة تفاعلية للإثراء، "فالمحوسب ليس بديلاً عن التقليدي، بل هو مساند، ولا نستطيع فصل أحدهما عن الآخر، لأن الإدراك مختلف بين الطلبة، سواء كان إدراكًا سمعيًا أو بصريًا وغيره. وبهذا لن نستطيع الاستغناء عن الكتاب، فالمحوسب وجد لتسهيل وصول المعلومة إلى الطلبة".

محاضرة جامعية: لا يجب تحويل المناهج لتكون تفاعلية بشكل كامل، فالمحوسب مساندٌ للتقليدي وليس بديلاً عنه

وأشارت إلى أن هناك شيئًا جديدًا في التقنيات "ليس كالذي تم تنفيذه في وزارة التربية والتعليم أو الجهات الأخرى، مثل الروبوت، والاختراعات، وهي تقنياتٌ أكثر تطورًا لأنها تخدم كل المجالات عن طريق التكنولوجيا".

اقرأ/ي أيضًا: جامعات قطاع غزة: تعليم أم تجارة؟

وبالعودة إلى جامعة غزة، تقول العميد البطش إن الجامعة نظمت أول معرض متخصص في مجال الوسائط المتعددة عامي 2013 و2014، وكان احتضان وزارة التربية والتعليم شيئًا أساسيًا في المعارض، إذ شارك التعليم الإلكتروني والنوادي التكنولوجية في المواد التعليمية المحوسبة، وهم شريك دائم لهم في جميع الأنشطة النوعية والمبادرات.

وتضيف، "مثلت الجامعة القطاع الأكاديمي في معرض اكسبوتك 2016، عندما تحدثنا عن دور تطبيقات الهواتف الذكية في العملية التعليمية، وأشرنا خلال تلك الجلسة لأهمية تفعيل دور التكنولوجيا في مختلف مراحل العملية التعليمية، وأن تكون استراتيجية الوزارة بهذا الاتجاه، وعلى الجميع تبني سياسات جديدة بهذا الموضوع".

كما شاركت الجامعة في معرض اكسبوتك 2017، وعرضت أول نموذج مصغر للمتحف التكنولوجي في فلسطين، وهو -كما وصفته البطش- "من أهم الوسائل وأكثرها نجاعة في إيصال الفكرة والمعلومة للطالب عن بداية كل جهاز تكنولوجي وكل قطعة إلكترونية وكيف تطورت حتى وصلت إلى يومنا هذا".

المهندسة فاطمة العديلي، منتجة وعاملة في مجال الوسائل التعليمية والتفاعلية في غزة ورام الله ونابلس، وهي ترى بعد تجربتها أن التعليم التفاعلي "لاقى اهتمامًا كبيرًا في السنوات الأخيرة على صعيد المدارس ورياض الأطفال من قبل المعلمين والعديد من المهتمين في الجانب التعليمي، وذلك بالتزامن مع تغيير وتحديث المنهج الفلسطيني واتباع نظم مختلفة عن السابق في تدريس المنهاج الجديد".

رياض أطفال ومدارس في الضفة اهتمت بالتعليم التفاعلي خلال السنوات الأخيرة

وأشارت العديلي إلى ظهور ما وصفتها "شركات ريادية" في الضفة وغزة، قامت على إنتاج محتوى تفاعلي في التعليم، مثل، وسائل، زدني، مدارك، مدرستي الإلكترونية، آيبال، تفاعل.

اقرأ/ي أيضًا: طلاب أجانب في غزة: هنا ما يستحق الحياة

وقالت، إن إدخال التكنولوجيا في التعليم يُعتبر خطوة فعالة لها أثرٌ إيجابيٌ كبيرٌ على الطالب والمعلم، "فمنها ما يعمل على تحويل المحتوى التعليمي إلى محتوى مرئي ومسموع باستخدام عناصر متحركة تفاعلية تحفز حواس الطفل ليبقى تركيزه مشغولاً بما يرى ويسمع ويلعب على شاشة الحاسوب، ما يساهم في سهولة وصول المعلومة إلى الطالب وتخفيف الجهد الواقع على ولي الأمر أو المعلم في شرح الدرس المطلوب" وفق رأيها.

معلمة اللغة العربية منال مطر من غزة، صاحبة تجربة في التعليم التفاعلي منذ صارت معلمة، وهي تؤيد ما قالته العديلي حول التعليم التفاعلي، وترى أنه "يشد انتباه الطلبة، ويساعدهم على تطبيق ما تعلموه داخل الحصة (..) وتهدف من خلاله إلى تأسيس الطالب وإكسابه المهارات الأساسية المطلوبة منه".

بدأت مطر تجربتها في هذا المجال قبل أن تنظم وزارة التربية والتعليم أي دوراتٍ أو أنشطة تحث على ذلك، ثم طوّرت نفسها من خلال البحث ومتابعة كل جديد في مجال التعليم، وسبق أن حصدت المركز الأول في مسابقة فلسطين - الدورة السادسة عن مبادرتها "طفل يلعب، طفل يبدع"، ثم أنشأت قناة خاصة بها على "يوتيوب" لنشر خبراتها للمعلمين، وعرض أنشطة الطلبة داخل الحصة كتعزيز معنوي لهم، وليُتابع الطلبة دروسهم معها في البيت.

المعلم عمر مصلح من رام الله، درّس مادة التكولوجيا في عدة مدارس بالضفة الغربية، حوّل قبل أربع سنوات كتاب مادته الدراسية إلى كتاب تفاعلي، يقول عن ذلك: "كانت البداية صعبة لأن الإنتاج يحتاج إلى فريق عمل، فضلاً عن تقبل الناس لذلك؛ لكن منذ عامين بدأنا فعلا بتحويل معظم الكتب الدراسية إلى تفاعلية باسم آيبال، ولا زالت الجهود مستمرة ضمن خطة مدتها ثلاث سنوات".

نصيب المعلمين من الحصص الدراسية كبير وليس لديهم وقتٌ لتجهيز أدواتهم للتعليم التفاعلي

وبيّن مصلح، أن "آيبال" هو موقعٌ إلكترونيٌ يجمع هذه الكتب ويسهل وصولها للطلبة والمعلمين تحت شركة تحمل ذات الاسم، مرخصة من وزارة التربية والتعليم العالي، مضيفًا أن هذا المنتج "تجاريٌ بسعر رمزي يناسب الجميع. ورغم صعوبة تقبل الناس له في مختلف محافظات الوطن، إلا أن هناك إقبالاً ملحوظًا بالتدريج".

المعلمة رؤي بكير، نفذت مبادرة بدأتها عام 2016 لطلابها بعنوان "القراءة فن"، توضح أنها تهدف من خلالها إلى "تحسين مهارة القراءة الجهرية لدى الطلبة وكسر حاجز الخجل لديهم، واستكشاف مواهبهم، خاصة عندما يتدرب الطالب على تغيير طبقات صوته، والتعايش مع جميع الأدوار".

وتُبين بكير، أن الفكرة بدأت عندما لاحظت "ضعفًا شديدًا" في قراءات الطلبة وشعرت "بالرتابة والملل"، فارتأت تنفيذ فكرتها التي وظفت التكنولوجيا فيها، وقامت بمونتاج الدروس ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، و"يوتيوب".

وأفادت بأن مبادرتها استهدفت مساعدة المعلم وتطوير الطالب، إذ وزّعت اسطواناتٍ على مدارس غزة لاستخدامها صوتيًا، أو عن طريق عرض الدرس على شاشة العرض عندما يشرحه المعلم، مضيفة، أن هذه الاسطوانات تتيح للطالب تلقي التدريب الصحيح على كيفية القراءة وتغيير نبرات الصوت وطبقاته.

سألنا أصحاب التجارب في هذا المجال عن مدى الأمل باعتماد هذا النوع من التعليم وتعميمه على المدارس ليصبح شاملاً وليس مخصصًا بمدارس محددة. أجابت البطش، بأن هذا يجب أن يحدث بعد "معالجة مشاكلنا الأساسية في ما يتعلق بطبيعة المناهج والبنية التحتية وجاهزية المعلم لمثل هذه التوجهات".

وأشارت إلى الجامعة تجد فرقًا شاسعًا بين الطلبة الذين يُسجلون لديها سنويًا، "فبعضهم كانت مدرسته تحتوي على مختبر حاسوب جيد، ومعلم متمكن ونشيط، فينهي الطالب الثانوية العامة ولديه مهارات الحاسوب العملية الأساسية، فيما يصل طالبٌ آخر الجامعة فاقدًا لجميع الأساسيات في الحاسوب، بسبب ضعف الإمكانيات والوسائل في مدرسته.

مختصون: نحتاج لتأهيل كوادر وتجهيز المدارس بالأدوات قبل اعتماد استراتيجية تعليم تفاعلي

وتعتقد البطش بوجوب تأهيل الكوادر وتجهيز المدارس أولاً قبل التفكير باستراتيجيات على مستوى "الدولة"، وكذلك دراسة إمكانية نقل هذه التجارب إلى واقعنا الضعيف، واختيار الخبراء الذين يمكن أن يعملوا على وضع هذه الخطط بعناية مع إشراك الجيل الجديد من الخبراء القادمين من الدول المتقدمة في هذه الاستراتيجيات.

المعلمة رؤى بكير تنصح العاملين في مجال التعليم التفاعلي بإلقاء الضوء على أصحاب المبادرات وإشراكهم معهم في العمل، وإنتاج برامج تعليمية فاعلة هادفة، وعمل أفكار جديدة دوما.

أما المعلمة منال مطر، فقد رأت أن الوصول لهذه المرحلة يحتاج إلى الوقت وتنظيم الأدوات، و"ليس الجميع باستطاعتهم ذلك. والمعلم في الغالب يفضل الأسلوب التقليدي لأنه الأسهل، إضافة إلى أن نصيب المعلم من الحصص التدريسية كبير، وبالتالي ليس لديه وقتٌ لتجهيز أدواته، فضلاً عن عدم كفاية الرواتب لذلك".

ولذلك، تدعو مطر، وزارة التربية والتعليم، إلى عقد دوراتٍ للتعليم التفاعلي لإكساب المعلمين المهارات اللازمة، وعمل زياراتٍ دائمةٍ للمدارس لمتابعة ذلك، مبينة أن غياب التواصل بين الوزارة في الضفة وغزة هو أحد العوائق لهذا الموضوع.

في حين ترى فاطمة العديلي، أن هناك عقباتٍ عديدةٍ تقف عائقًا أمام هذا النوع من التعليم، على رأسها تحدي عقبة الأساليب المعتمدة على التلقين لدى العديد من الأفراد سواءً المعلمين أو أولياء أمور، إضافة إلى عدم تقبل الفكرة من الناس، "فقلة الاهتمام بها يُقلل من قيمة استخدامها، وبالتالي لا نصل بالهدف إلى العدد المطلوب".

وأضافت، "عدم مساهمة الحكومة في دعم المشاريع الريادية التي تقدم أفكارًا وحلولاً تكنولوجية للتقدم بالتعليم، يجعل العمل أكثر صعوبة من ناحية الإنتاج والتسويق وبالتالي تكون التكلفة أعلى".

أما دانة اللبابيدي فتدعو لإنشاء إدارة مركزية تجمع جميع الأطراف ذات العلاقة بالتعليم التفاعلي سواءً من وزارتي التربية أو "الأونروا" أو الجهات الخاصة، من أجل الخروج من "النمط التقليدي"، والتغيير من طريقة التفكير.

ورأت أنه بالإمكان استخدام أمثلة كتقنية الواقع الافتراضي بدمج الطالب نفسه داخل البيئة التفاعلية، "وهي تحتاج لجهود كبيرة، لكن أسلوبها أبسط من الكم ويوجد جهود وكفاءات داخل الوطن لذلك".


اقرأ/ي أيضًا:

"الزهرات الست".. التطريز فن يُطعم خبزًا

صور | مهند حجي.. نقش في التاريخ

صور | المرفق يحتضن فنانين وفنانات صاعدين في "القطان"