30-يناير-2017

فجر يوم الخميس 26 كانون الثاني/يناير الجاري، اقتحمت قواتٌ كبيرةٌ من جيش الاحتلال مخيم جنين، ونفّذت اعتقالاتٍ وصادرت أسلحة، وخلال ذلك اندلعت مواجهاتٌ أصيب خلالها جنديٌ إسرائيليٌ بجروحٍ شديدة الخطورة نتيجة عبوة ناسفة ألقاها مقاوم فلسطيني، حسب ما ذكرت مصادر إعلاميةٌ فلسطينية.

وفي مقابل الرواية الفلسطينية، كان التكتُّم واجتناب الحديث عن ذلك الاقتحام برمته، صفةً عامةً لوسائل الإعلام الإسرائيلية، ليمر الحدث دون متابعةٍ لمصير الجندي، إن كان قد قتل أو تمكنت طواقم الإسعاف من إنقاذ حياته، ودون أي تفاصيل من الجانب الإسرائيلي.

هذا الحدث عاد إلى الواجهة مجددًا، يوم الأحد 29 كانون الثاني/يناير، عندما استيقظ الفلسطينيون على نبأ استشهاد الفتى محمد أبو خليفة في نفس اليوم الذي يصادف عيد ميلاده التاسع عشر، إضافة لإصابة خمسة شبانٍ برصاص الاحتلال؛ خلال مواجهاتٍ عنيفةٍ رافقت اقتحام جيش الاحتلال لمخيم جنين.

  يروي سكان مخيم جنين أن قوة خاصة من جيش الاحتلال اقتحمت المخيم بهدف تصفية محمد أبو خليفة، أو اعتقاله  

بعد استشهاد محمد، نعته مكبرات صوت مساجد مدينة جنين بأصواتٍ عرفت عن نفسها بـ "القوى الإسلامية والوطنية". وحسب شهاداتٍ عديدةٍ، فقد ذكر المنادون خلال نعيه أن الشهيد أبو خليفة "بطلٌ أوجع الاحتلال قبل أيامٍ خلال اقتحامهم للمخيم".

اقرأ/ي أيضًا: ابتسامة غير لائقة أمام جثة

يروي سكان المنطقة أن الشهيد هو ذاته الذي ألقى العبوة الناسفة وأصاب بها جنديًا قبل أيام، لذا اقتحم الاحتلالُ المخيمَ لغرض اغتياله أو اعتقاله، وأن الشهيد اكتشف الأمر و"اشتبك" مع جنود الاحتلال حتى استشهد.

ويعلق عضو إقليم حركة فتح في جنين عطا أبو رميلة، بأنه لا يمتلك أي معلومات عن ملابسات استشهاد الفتى أبو خليفة، غير أن الشهيد كان في مواجهة مع الاحتلال لحظة استشهاده.

جمعة أبو خليفة، عمُّ الشهيد، كشف لـ"ألترا فلسطين" عن أن قوات الاحتلال اقتحمت بيته قبل أسبوع، وهدده ضابط المخابرات حينها قائلا: "دير بالك على جماعتك خليهم يهدوا أو حضرلهم الكفن".

وأضاف أنّه فهم من تهديد الضابط أن المقصود هو محمد ابن شقيقه، لأنه وفق قوله، "الوحيد في العائلة الذي يشتهر بين أهل المنطقة بإسراعه لملاقاة قوات الاحتلال عند اقتحامهم مخيم جنين بالعبوات الناسفة والأكواع والزجاجات الحارقة".

وبيّن جمعة، أن والد الشهيد حاول منعه من الخروج عندما دخل جيش الاحتلال المخيم، خوفًا عليه، لكن محمد ظل "يتفلّت" من والده حتى أفلح بالخروج من البيت عند الساعة الثانية فجرًا، ولم يعد إلا شهيدًا.

وبينما ينفي جمعة أبو خليفة أن يكون على معرفةٍ بأي معلومةٍ تؤكد أو تفند أقاويل الناس بأن ابن أخيه هو من أصاب الجندي قبل أيام، فإنه يشدد على اعتقاده بأن قتل الاحتلال لمحمد جاء تنفيذًا لتهديدات ضابط الاحتلال قبل أسبوع، مستدلًا في ذلك بأن الجنود أصابوه بثلاث رصاصاتٍ في مقتل، مصرّين على إنهاء حياته، في حين أن الرصاص لم يكن في مواقع قاتلة لبقية الشبان، وفق قوله.

ولم يستبعد أن يكون "جواسيس الاحتلال" قد وشوا بأنّ محمد يقاوم الاقتحامات، "فالوشاية بذلك سهلة لأن صيت شجاعة محمد يجري على ألسن الناس"، حسب تعبيره.

محمد هو الثالث بين 10 أبناءٍ لمحمود أبو خليفة، يكبره في العمر أخت وأخ. يقول والده، إنه كان شابًا أديبًا وخلوقًا مع جيرانه وفي عمله".

ويوضح أبو خليفة، أن "الغالي محمد" كان يعمل معه في كراجٍ لتصليح السيارات، وقد ترك المدرسة قبل عامين عندما كان طالبًا في الصف الحادي عشر، وقد عارض بذلك إرادة العائلة كاملةً بأن يتابع دراسته.

ويبين الأب المكلوم أن محمد اتخذ قراره مدعيًا بأنّه لا يحب الدراسة، رغم أن تحصيله الدراسي كان "جيدًا جدًا"، قبل أن تعلم العائلة لاحقًا، بالصدفة، من أحد أصدقاء محمد أنه اتخذ قراره بسبب الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه العائلة.

محمد ترك دراسته لمساعدة والده في توفير مصاريف العائلة، رغم أن مستواه كان جيدًا جدًا في المدرسة، وأخفى سبب ترك الدراسة عن أهله

وحسب صديق محمد، فإنه اختار مبرر عدم حبه للدراسة "حتى لا يخدش عزة والده، ولأنه يعلم بأن والده سيصر حينها على رفض قراره بترك المدرسة".

ويشير أبو خليفة إلى أن العائلة اعتادت الاحتفال بعيد ميلاد محمد، الذي كان يولي المناسبة اهتمامًا ويستقبلها بمرح، مضيفًا، "كان يقول لأمه اعمليلنا كيكِة وإشي حلو، كل ما أجا عيد ميلاده".

وكان محمد دائم الحديث عن السيارات ويحلم بأخذ رخصة سياقةٍ ثم شراء سيارةٍ سريعةٍ ورياضيةٍ وجميلةٍ يتباهى بها، حسب والده، الذي أكد أنه كان يُدرك أن تحقيق حلمه بعيدٌ بسبب الحالة الاقتصادية المتواضعة للعائلة.

وتابع أبو خليفة، "ما كان محمد يتكبر على الأكل ويوكل من حواضر البيت، بس بفصل الربيع كان ينبسط كثير ويطلب من إمه أكلاتو المفضلة، مثل رز ولبن وأوزي ومسخن".

وشاركت جماهير غفيرة في تشييع جثمان الشهيد محمد أبو خليفة في مخيم جنين، بعد ساعاتٍ من استشهاده، وسط حالةٍ من الغضب بين أهالي المخيم الذين يصرون على أن محمد تمت تصفيته.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

إسرائيليون يفضحون جرائم جيشهم.. ماذا خلف ذلك؟

الطفل أحمد: كنت أحكي بوضوح وأكتب بسرعة!

كانون النار مؤنسًا لجلسات السمر في المخيم