09-أغسطس-2018

بدأت الحكاية من حادث سير "بسيط" تعرض له محمد عبد الإله جرار (17 عامًا) من مدينة جنين، أدى لإصابته بجروح طفيفة في الصدر والأطراف؛ أُدخل على إثرها إلى المستشفى، إلا أنه لم يخرج منها حتى اللحظة بسبب إصابته بحالة موت سريري عقب عملية جراحية خضع لها هناك.

الفتى جرار، أصيب بحادث سير نهاية شهر تموز/يوليو الماضي، أدى لإصابته برضوض وإصابات طفيفة، نقل إثرها إلى مستشفى " الرازي" الخاص، واحتاج عملية بسيطة لتقطيب الجرح الموجود في قدمه.

الفتى محمد جرار تعرض لحادث سير بسيط أدى لإصابته برضوض، وفي مستشفى الرازي في جنين أُخضع لعملية جراحية انتهت بموته سريريًا

تقول عائلة محمد إن ما حدث هو "خطأ طبي ناتج عن جرعة تخدير زائدة"، مضيفةً أن محمد كان قبل دخوله العملية بكامل وعيه ونشاطه ولم تظهر عليه أي مضاعفات من الحادث، "وهذا ما أكده الأطباء قبل العملية".

يخبرنا خاله عدنان القاروط أن العائلة شرحت للمستشفى وضع محمد الصحي السابق لحظة وقوع الحادث، إذ كان يتلقى العلاج في طفولته بسبب مشاكل خَلْقية في القلب، مؤكدًا أنه تم إجراء الفحوصات اللازمة له وتبين أن إصاباته في الحادث طفيفة، إلا أنه يحتاج لعملية تقطيب جرح عميق في قدمه. ولأنه كان يشعر بالتعب والدوار والخوف، قرر الأطباء تأجيل عمليته إلى اليوم التالي وإعطائه تخديرًا كاملاً بدلًا من التخدير الموضعي، رغم رفض العائلة ذلك.

"عندما أخبرَنا الدكتور أنه بخير وجروحه بسيطة ولا يعاني من نزيف أو كسور، من فرحتنا ولأن أمه كانت تشعر بالخوف عليه وزعنا الحلويات على المستشفى. لو أعلم ما كان سيحدث له لأعدته إلى المنزل، ولعالجت الجرح بنفسي" يقول خاله.

في اليوم التالي أُدخل محمد غرفة العمليات دون الحاجة لمساعدة أحد، كان يضحك ويمزح مع عائلته ويحادث أصحابه على "فيسبوك"، وقد حاول أهله مساعدته في المشي للوصول إلى دورة المياه، إلا أنه رفض وأصر على الذهاب وحده.

أُدخل محمد جرار إلى غرفة العمليات ضاحكًا، قبل ذلك بقليل كان يمازح عائلته ويُحادث أصدقاءه على "فيسبوك"

يقول القاروط: "المضاعفات حدثت بعد العملية، حيث أخبرنا الطبيب المشرف أنها تحتاج أقل من ساعة وعندما خرج قال لنا إن العملية ناجحة وأنه يحتاج ربع ساعة قبل أن يخرج إلينا".

ويضيف، أن ساعة وأكثر مرت دون أن يخرج محمد، فشعرت أمه بالقلق ودخلت غرفة العمليات لتجده بوضع سيء والدم يخرج من فمه وأنفه، وقد وُضع له جهاز "التبخيرة"، فأزالته أمه وبدأت بالصراخ طالبة نقله إلى غرفة العناية المشددة.

فيما بعد، اتضح للعائلة من مصادر من داخل المستشفى - كما قالت لـ الترا فلسطين - أن الطبيب المشرف على العملية لم ينقل وضع محمد الصحي السابق لطبيب التخدير، ولم يتم مراعاة وضعه الصحي السابق.

عقب الحادثة تعرض مستشفى الرازي لانتقادات واسعة واحتجاجات في جنين، دفعته لإصدار بيان رسمي حول وضع محمد الصحي، أشرف عليه أطباء من داخل المستشفى.

وفي البيان تقول إدارة المستشفى، إن المريض أُدخل كحالة حادث سير وتم تقرير عملية جراحية للجروح في الساق اليمنى تحت التخدير الكلي وذلك بسبب دوار ودوخان المريض ما منع تخديره موضعيًا، وأشارت إلى أن تأجيل العملية كان بسبب عدم صوم المريض وبسبب التاريخ المرضي له.

ونفت إدارة المستشفى ما يقال إن محمد تلقى جرعة تخدير زائدة، وأكدت "أن المضاعفات حدثت عند إزالة الأنبوب الرغامي حيث حدث هبوط في نسبة الأكسجين وتشنج قصبي نتج عنه صرير لمدة لا تزيد عن 10 دقائق، تم معالجته من قبل طبيب التخدير المختص حتى أصبحت نسبة الأكسجين طبيعية".

إدارة مستشفى الرازي تنفي تلقي محمد جرار جرعة تخدير زائدة، وتقول إن المضاعفات حدثت عند إزالة الأنبوب الرغامي

وتابعت في بيانها أن "محمد أُخرج إلى غرفة الإفاقة وبقي على الأكسجين مع نسبة أكسجين طبيعية مع حدوث تشنج حنجرة، وخلال نصف ساعة بدأ خروج إفرازات رغوية وردية من الفم والأنف وتم تشخيصة كوذمة رئوية. بعدها نقل المريض إلى قسم العناية المكثفة حيث توقـف القلب خـلال عملية إدخـال الأنبوب الرغامي، وقام فريق انعاش القلب والرئة بإنعاش قلبه لمدة 30 دقيقة، ثم إدخال أنابيب تروية صدرية من قبل جراح المستشفى وبدأ تنفس المريض بالتحسن".

وحسب البيان فإن المريض حاليًا يعانـي من نقـص حاد شديد في الأكسجين في الدماغ مع استسقاء.

رفضت العائلة البيان وطالبت بتشكيل لجنة تحقيق من وزارة الصحة، معتبرة أن البيان به الكثير من التأويل والأخطاء الطبية، وأن الخطأ بدأ منذ اللحظة الأولى عندما وُضعت لنجلها "التبخيرة" رغم تردي حالته الصحية بدلًا من إسعافه.

وتضيف العائلة أنها عرضت البيان على أطباء فقالوا إنه عندما يحدث تشنج بالحنجرة، أول ما يتم فعله هو إعادة الأنبوب الرغامي قبل حدوث انكماش في الحنجرة، وإلا لا يمكن إدخاله إلا بالعناية المركزة.

وتقول: "الكارثة الأكبر أن طاقم المستشفى ظل ثلاثة أيام يتعامل مع الحالة الصحية بأنها مشكلة في عمل الرئتين دون الانتباه إلى مشكلة الدماغ".

عائلة الفتى محمد جرار تتهم إدارة مستشفى الرازي بنقل تقرير خاطئ إلى مستشفى في الداخل المحتل عند نقل نجلها إليه

وما يزيد الاتهامات ضد المستشفى - وفق عائلة جرار - أنها نقلت صورة خاطئة حول وضع محمد الصحي في التقرير الذي أُرسل إلى مستشفى "إيخيلوف" في الداخل المحتل، إذ أكد الطبيب الذي أشرف على محمد عند نقله أن مستشفى "الرازي" أرسل تقارير بمعلومات صحية غير وافية، "ولو أنه أرسلت المعلومات الصحيحة لما تطلب الأمر نقله إلى مستشفى آخر لصعوبة وضعه وعدم وجود إمكانية لعلاجه، وهذا ما دفع العائلة لإعادته إلى مستشفى الرازي" وفق قول العائلة.

مدير مستشفى الرازي رفض التعاون مع الترا فلسطين وأغلق الهاتف عندما طلبنا ردّه على الاحتجاجات ضد المستشفى

توجهنا إلى مدير مستشفى الرازي في جنين فواز حماد لمتابعة هذه القضية، وعندما سألناه عن وضع محمد الصحي أجابنا أن وضعه "صعب"، وعندما طلبنا منه تفاصيل أكثر قال، "طبيًا، كصحفية ليس مهمتك تعرفي شو بالزبط التشخيص ولكن هو في وضع خطير ناشئ من نقص أكسجين على الدماغ".

وعندما طلبنا ردًا على احتجاجات العائلة ضد البيان الصادر، رفض حماد الإجابة وأنهى المكالمة قائلًا: "والله أنا شايف إنك مش صحافة ويبدو أنك من طرف العائلة".

توجهنا إلى وزارة الصحة لمعرفة أين وصلت قضية محمد، فأخبرنا الناطق باسم وزارة الصحة أسامة النجار أن وزير الصحة قرر أمس تشكيل لجنة تحقيق ستحتاج ما يقارب أسبوع حتى تنهي عملها، ومن ثم سيتم إعلان النتائج.


اقرأ/ي أيضًا:

ضحايا حرائق: نظرة الناس أشد عذابًا

سرطان الثدي قد يعني الطلاق في غزة

 غزة: ترميم الأثداء بين الكذب والحقيقة