17-فبراير-2021

صورة توضيحية - gettyimages

الترا فلسطين | فريق التحرير

"كيف تُرسَل نسخة من التعميم الصادر عن رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي بغزة، إلى دائرة الحدود والمعابر، دون أن يكون للأخيرة أي تعقيب؟" يتساءل المحامي والمستشار القانوني أحمد المصري، ثم يعقب بأسف: "يبدو أننا أمام سلطتين لا تعرفان حدود صلاحياتهما أصلاً".

تم التوافق على إعادة صياغة التعميم الصادر عن المجلس بشأن المنع من السفر، وتعديل المادتين الثالثة والرابعة منه

في التفاصيل: أصدر رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي بغزة حسن الجوجو، مساء أمس الأول، تعميمًا قضائيًا يحمل خمس مواد، اندرجت تحت مقدمةٍ جاء فيها نصًا: "بعد الاطلاع على قانون القضاء الشرعي رقم 13 لعام 2011، والاطلاع على المواد رقم 392، و393، و499 من قانون الأحوال الشخصية، وبناءً على اجتهاد المحكمة العليا الشرعية، بجلستها المنعقدة بتاريخ 14/2/2021، وبناء على الصلاحيات المخولة لنا قانونًا نصدر التعميم التالي: (التفاصيل كاملة في نص البيان أدناه)".

ورغم أن الجوجو، أعلن، الثلاثاء، خلال لقاءٍ نظمه مركز "مريم" للثقافة، وحضره الترا فلسطين، التوافق على إعادة صياغة التعميم الصادر عن المجلس بشأن المنع من السفر، وتعديل المادتين الثالثة والرابعة منه، لا سيما وأن المادتين الأولى والثانية لم تأتيا بجديد كونهما تُعدّان تكرارًا عن المواد 392 و393 من قانون الأحوال الشخصية، فيما يتعلق بحق الحضانة، إلا أنه كان لا بد من الوقوف مليًا عند المخالفات القانونية التي وردت ببساطة، في تعميم "كان يمكن أن يطبّق منتهكًا حقوقًا نص عليها القانون"، لولا اعتراض المؤسسات الحقوقية والنسوية وغيرها.

يوضح المصري لـ الترا فلسطين، أن "التعميمات القضائية التي تصدر عن رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي، ملزمة للقضاء الشرعي وحده، إلا في حال التنسيق مع الإدارات التنفيذية المختصة، بخصوص تنفيذ بعض القرارات المتعلقة بالمواطنين، لكن دون إلزام".

في ذيل التعميم، ومن بين النسخ المرسلة من التعميم للجهات المعنية، ورد اسم دائرة الحدود والمعابر، التي تتبع لوزارة الداخلية. هنا يؤكد المصري، حق الأخيرة في رفض التنفيذ، كونها تقع في إطار السلطة التنفيذية، بينما القضاء الشرعي يتبع للسلطة القضائية "وحسب القانون، هناك فصل بين السلطات إلا بحدود القانون، وطالما أن هناك تجاوز من قبل إحدى السلطات لحدود القانون، فمن حق السلطة التنفيذية رفض التطبيق، على اعتبار أنها سلطة مستقلة".

 البعض ربط التعميم  بالانتخابات الفلسطينية القادمة.. الجوجو: هو تعميم قضائي بحت

ما أثار جدل وحفيظة المؤسسات الحقوقية والنسوية ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، هو ما ورد في نصوص المادتين الثالثة والرابعة من التعميم، بل إن البعض ربطها بالانتخابات الفلسطينية القادمة، وصوّر على أساسها الأمر، كدعاية انتخابية "لدولةٍ ظلامية في غزة" وفقًا لما ورد في بعض التعليقات المعارضة.

اقرأ/ي أيضًا: مختصون: تعديلات قانون السلطة القضائية "تغول" للسلطة التنفيذية

نفى الجوجو، خلال جلسة النقاش في مؤسسة "مريم"، هذه الفرضية قائلاً: "هو تعميم قضائي بحت، ليس له علاقة بالانتخابات، ولا بحركة حماس أبدًا، إذ يمنع القاضي الشرعي حسب قانون القضاء الشرعي رقم 3 لعام 2011، من مزاولة العمل السياسي، ويحظر عليه الانتماء لأي حزب كان، ولو كان منتميًا قبل تعيينه، فعليه تقديم استقالته من الحزب فورًا".

ونصت المادة الثالثة على ما مفاده: "يجوز لأحد الأبوين، والجد لأب، منع الولد الذي تجاوز ثماني عشرة سنة ميلادية من السفر، إذا كان يترتب على سفره ضرر محض، بإقامة دعوى قضائية لدى المحكمة المختصة".

بالعودة إلى المحامي المصري، فهذه المادة، بالمجمل، مخالفة للقانون، بدايةً من القانون الأساسي، وانتهاء بقانون الطفل رقم (7) لسنة 2004. يقول: "القانون الأساسي معمول به، ومُقر، ومُعدل منذ العام 2003، وهو القانون الذي يحكم المجتمع الفلسطيني، وجميع السلطات فيه، بما فيه السلطة القضائية، وقانون الطفل  المقر من قبل المجلس التشريعي، المصادق عليه من قبل رئيس السلطة الفلسطينية في العام 2004، حدد سن الطفل لغاية 18 عامًا"، مقدمًا المزيد من التفصيل بقوله: "بمعنى أن سن الرشد يبدأ من 18 عامًا فما فوق، وهذا السن يعد سن أهلية الأداء".

المادة الثالثة من التعميم مخالفة للقانون، بدايةً من القانون الأساسي، وانتهاء بقانون الطفل رقم (7) لسنة 2004

ولمزيدٍ من التوضيح، فإن الأهلية في القانون نوعان: أهلية الوجوب، وأهلية الأداء. أما الأولى، فتبدأ مع الإنسان منذ وجوده في بطن أمه حتى بلوغه سن الرشد (18 عامًا)، لتتحول بعد ذلك إلى أهلية أداء.

اقرأ/ي أيضًا: ديوان المظالم: مشروع قرار بقانون "مكافحة الفساد" تتخلله مخالفات قانونية

ويقصد بأهلية الأداء "أداء جميع التصرفات، التي لا يقدح بها إلا عوارض الأهلية، كالجنون، والعته، والسفه، والغفلة".

هنا يتوقف المصري، ليصف ما ورد في المادة الثالثة داخل التعميم، بالقدح والمعارضة لهذه الأهلية، مضيفًا: "في قانون العقوبات، يبدأ سن المسؤولية الجزائية من 12 عامًا وفقًا لقانون المجرمين الأحداث الذي يعالج جرائم الأطفال ما دون سن الرشد، وبالتالي: كيف يُساءل طفل بعمر 12 سنة –عن طريق القانون- كشخص ذو أهلية للمساءلة، ثم نتحدث عن عدم وجود أهلية لدى الشباب فوق سن الثامنة عشرة للسفر؟".

ويعد السفر حقًا من الحقوق الشخصية، التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة، (الذي يعد جزءًا من المنظومة القانونية التي تأخذ بها السلطة الوطنية الفلسطينية، وفقًا لنص المادة 11 من القانون الأساسي الفلسطيني التي جاء فيها: أن السلطة الوطنية الفلسطينية، تنضم لجميع الإعلانات والمواثيق الدولية الصادرة عن الهئيات الدولية المعترف بها).

تعليق حق التنقل بموجب تعميم، يعدُّ مخالفًا للقانون الأساسي، وهو ما يُنعت لدى أهل القانون بصفة عدم الدستورية

"وبالتالي، فإن تعليق حق التنقل بموجب تعميم، يعدُّ مخالفًا للقانون الأساسي، وهو ما يُنعت لدى أهل القانون بصفة عدم الدستورية" يكمل المصري، منبهًا إلى أهمية ترتيب المصادر التشريعية، تبعًا لقوتها كالتالي: أولًا الدستور (القانون الأساسي)، وثانيًا: التشريع العادي، وثالثًا اللوائح التنفيذية، ثم رابعًا: العُرف، وخامسًا: آراء الفقهاء وقواعد العدالة.

اقرأ/ي أيضًا: علامات استفهام حول تعيين شخصية حزبية في رئاسة هيئة مكافحة الفساد

وهنا (والحديث له) فإن التعميم الذي يصدر عن رئيس مجلس القضاء الأعلى، لا يندرج إلا تحت مسمى اللوائح التنفيذية، ولا يجوز قانونًا للائحة تنفيذية أن تخالف القانون العادي، ولا يجوز للقانون العادي أن يخالف القانون الأساسي (الدستور)، وبهذا يعدُّ هذا التعميم مخالفًا للقانون العادي، والأساسي، وبالتالي فهو تعميم غير دستوري.

"كان الأجدر برئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي بغزة، قبل إصدار التعميم، التوجه إلى ديوان الفتوى والتشريع، أو للدائرة القانونية في المجلس التشريعي، أو حتى استشارة أصحاب الخبرة القانونية النظامية وليس الشرعية، لاختلاف القوانين بين الاثنتين" يردف المصري. ويضيف: "هذه مشكلة رأيناها في عدة تعميمات سابقة، صدرت عن المجلس الأعلى للقضاء، بما فيها تعميم وجوب الحصول على خلو ضريبي قبل الحصول على حجة حصر الإرث على سبيل المثال لا الحصر".

وورد في المادتين الثالثة والرابعة مصطلح (ضرر محض)، وهي العبارة التي وصفها المحامي المصري بالفضفاضة، كونها لا تحدد نوعية الضرر أو شكله، ولم يوضحه رئيس المجلس إلا عبر الإعلام، وهو ما لا يُعتد به قانونًا.

مصطلح (ضرر محض) عبارة فضفاضة، كونها لا تحدد نوعية الضرر أو شكله، وتوضيحها إعلاميًا لا يُعتد به قانونًا

وتنص المادة الرابعة، من التعميم المذكور على أنه "يُمنع سفر الأنثى غير المتزوجة، بكرًا كانت أو ثيبًا، دون الحصول على إذن وليها العاصب، ولوليها أن يمنعها من السفر، إذا كان في سفرها ضرر محض، أو وجدت دعوى قضائية بينهما تستلزم المنع من السفر، على أن تتبع الإجراءات المنصوص عليها في التعميم القضائي رقم 2020/01 الصادر بتاريخ، 30 يناير/كانون الثاني 2020".

اقرأ/ي أيضًا: ممالك الطوائف الفلسطينية

يعلق المصري: "كان يمكن أن يكون التعميم منطقيًا، في حال تم تحديد عمر الفتاة بأقل من 18 عامًا، كونه يعد سن طفولة، وللأهل حق الولاية على ابنهم أو ابنتهم فيه".

في اللقاء الذي عقده مركز "مريم"، عقّب نائب مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان جميل سرحان على هذه النقطة تحديدًا بقوله: "في المادة رقم 53 من القانون المدني، الأصل هو السماح، والقيود هي الاستثناء، وهذا يعني أن المنع، هو من اختصاص القاضي المدني وليس الشرعي"، منبهًا إلى نص قانوني صريح، يقول إن حرية الإقامة والحركة والتنقل، مكفولة للأفراد في حدود القانون وفق المعايير الدولية، وأن المنع لا بد أن يكون لمسوغات قانونية مقنعة، تتناسب مع المصلحة الفُضلى المرجوة من المنع، وليس بناءً على شكاوى من أفراد".

وكان الجوجو، خلال اللقاء، برر إصدار التعميم –وما ورد في المادتين الأخيرتين- بشكاوى عديدة وردته من مواطنين، حول محاولات سفر فتيات دون علم أهاليهن إلى دول أجنبية، أو محاولة سفر بعض الشباب بطريقة غير شرعية، وما ينجم عن ذلك من مخاطرة، أو ترك بعض الرجال المتزوجين أولادهم وزوجاتهم في أمانة عائلاتهم، والسفر لسنوات طويلة دون تحمل مسؤوليات الإنفاق أو التربية، وهذا ما فسّر به عبارة (الضرر المحض) الواردة في نصوص التعميم.

المحامي سرحان: في موضوع حرية الحركة والتنقل، ومن ناحية قانونية، لا يجوز التمييز أبدًا بين أي مواطن على خلفية الجنس

يعلق المحامي سرحان: "اتفقوا أو اختلفوا على موضوع المساواة بين الجنسين، في موضوع حرية الحركة والتنقل، ومن ناحية قانونية، لا يجوز التمييز أبدًا بين أي مواطن على خلفية الجنس".

الجوجو، تحدث عن أن التعميم، صدر استنادًا لما أسماه بالقوانين الموروثة، التي قصد بها، أولًا: قانون الأحوال الشخصية، الذي طُبق في زمن الدولة العثمانية، وثانيًا: قانون حقوق العائلة المصري لسنة 1954م، وهما المعمول بهما منذ كانت فلسطين تحت ولاية الدولتين، دون التنبه إلى التعديلات التي طرأت عليهما منذ ذلك الحين إلى وقتنا هذا.


اقرأ/ي أيضًا: 

قرار قضائيّ بالإفراج عن متهمين بتعذيب وقتل إسراء غريب

لجنة الانتخابات تتقدم بشكوى للنائب العام