29-مارس-2018

صورة أرشيفية: يُعاد الموتى لقطاع غزة بسيارات إسعاف - تصوير سعيد الخطيب (Getty)

لم يكن يعلم المواطن كمال رباح حلس (53 عامًا) من حي الشجاعية في مدينة غزة، حينما سافر مرافقًا لابنته المصابة بورمٍ في الرأس لعلاجها في المستشفيات المصرية؛ أنّ سفره سيكون السبب الذي يسرق روحه وجسده من وطنه للأبد، إذ لم يمضِ أسبوع على سفره من معبر رفح؛ حتى تدهورت صحته نتيجة عناء السفر، لتُفارق روحه الحياة في الحادي عشر من شباط/فبراير الماضي.

مكث حلس أكثر من أربعة أيام في ثلاجات الموتى بمستشفى مصري، بينما كانت عائلته تحاول إعادة جثمانه للوطن ودفنه في مسقط رأسه، لكن الاتصالات مع السفارة الفلسطينية والمصرية لم تُكلل بالنجاح، نظرًا لـ"الأوضاع الأمنية المعقدة" في سيناء، ليُضطر أبناؤه في النهاية إلى تقبل واقع رحيل والدهم، دون إلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه، كما يُبين نجله لــ الترا فلسطين.

الموت خارج قطاع غزة يعني في حالات كثيرة الدفن خارجه، فغالبًا لا يُفتح معبر رفح حتى لإعادة ميّت

هداية التتر من حي الشيخ رضوان في مدينة غزة، أخبرتها إدارة المستشفى بأن طفلها الصغير زين الدين قد توقف قلبه، ولم تكن تعلم أنّها ستعود فارغة القلب إلى إخوته محمد وماريّا في غزة، سوى من ذكرياتٍ تنهش قلبها وجعًا.

اقرأ/ي أيضًا: المحرّر عز الدين.. الموت أو الموت

ابتزاز الاحتلال الإسرائيلي لهداية أكثر من مرة مقابل السماح لها باستكمال رحلة علاج طفلها زين الدين سمور (4 أعوام) في مستشفى إسرائيلي، وهو مصاب بـ "تشوّه خلقي" في القلب، دفعها لتجرع طول الانتظار ثم السفر عبر معبر رفح، ليُتوفى سمور في مستشفى تركي خلال شهر شباط/فبراير لعام 2015.

قررت هداية إعادة صغيرها معها إلى وطنهما، لعلّها تجلس إلى جوار قبره حينما يجتاح الشوق قلبها، فتواصلت مع السفارة الفلسطينية، إلا أنّهم "لم يُبدوا أي تعاون معها، وأخبروها أنه في حال نجاح الأمر، فسيُكلّفها 50 ألف دولار، لتجد أنها خرجت بابنها حيًا ولم تستطع العوده به حتى ميّتًا" كما تقول لـ الترا فلسطين.

توفى الثلاثيني محمد موسى من مخيم المغازي وسط قطاع غزة بعد إتمام علاجه في تركيا، وعودته إلى مصر لاستكمال علاجه المناعي ضد مرض السرطان ، ليضطر أقاربه إلى دفنه في مصر نظرًا لصعوبة إجراءات إعادة جثمانه إلى قطاع غزة والتي قد تمتد لعدة أيام.

يقول شقيقه إيهاب لـ الترا فلسطين: "لا أستوعب حتى اليوم أنّ شقيقي قد توفى، لأننّي كُنتُ أُصبّر نفسي للقائه حين العودة، وها أنا لم أستطع لقياه حيًا ولا ميتًا".

الحالات التي يتم تحويلها للعلاج خارج قطاع غزة المحاصر، تشمل المصابين بأمراض السرطان، والتشوهات في القلب، وعمليات العيون المعقدة، والقلب المفتوح، وبعض الحالات الصعبة التي تشمل النزيف والسقوط من علو، أي التي يُستعصى علاجها دوائيًا أو تشخيصيًا أو جراحيًا في القطاع، وفق رفعت محيسن، مدير دائرة التنسيق في وزارة الصحة بغزة.

ويبين محيسن لــ الترا فلسطين، أن إصدار التحويلة يستغرق يومين في الحالات العاجلة، بينما تستغرق الحالات العادية شهرًا من أجل الحصول على الموافقة الإسرائيلية، وتتم من خلال عمل نموذج تحويلة من قِبل الطبيب المعالج، ومن ثم يتم عرضها على اللجنة الطبية بوزارة الصحة، لتقييمها والبدء في إجراءات التحويل.

إتمام إجراءات علاج مريض خارج غزة يحتاج إلى شهر، وعودته في حال وفاته تكلّف عائلته 50 ألف دولار تقريبًا

ولا تتجاوز نسبة الموافقات الإسرائيلية على الطلبات المُقدّمة 54%، وقد سُجلت العديد من حالات الوفاة داخل المستشفيات الإسرائيلية عام 2017، جميعها عادت لغزة عبر معبر بيت حانون " إيرز".

اقرأ/ي أيضًا: كيف يعيش أهالي غزة تحت أثقال الضغط النفسي؟

وينفي محيسن أي دور لدائرة التنسيق في الحالات التي تخرج للعلاج من خلال معبر رفح منذ 11 عامًا، إنما يقتصر دور الدائرة على الحالات الخارجة من معبر بيت حانون "إيرز" للعلاج داخل الخط الأخضر والضفة والقدس، وأحيانًا إلى المستشفيات الأردنية، لكنها أصبحت قليلة جدًا بسبب التراكمات المالية على السلطة.

عام 2017، كان الأسوأ من بين الأعوام الثلاثة الماضية في إغلاق معبر رفح، إذ تم فتحه 29 يومًا فقط؛ مقابل 269 يومًا من الإغلاق، وفق إحصائية وزارة الداخلية بغزة.

وفي العام ذاته، ووفق نشرة الشؤون الإنسانية التي أصدرتها الأمم المتحدة، لم يُسافر عبر معبر رفح سوى 1.222 مريضًا لأغراض العلاج الطبي، بينما كان المتوسط الشهري للأشخاص الذين يغادرون عبر المعبر لأسباب صحية؛ 4 آلاف شخص قبل عام 2014.

الجدير ذكره أن الحالات المرضية التي تسافر عبر معبر رفح لتلقي العلاج في المستشفيات العربية والأجنبية تكون ذات تغطية مالية ذاتية، باستثناء عدد قليل جدًا تتكفل بها جمعيات خيرية، ومؤسسات أجنبية.

يبيّن أشرف القدرة، الناطق باسم وزارة الصحة في غزة لـ الترا فلسطين، أن 54 حالة وفاة سُجلت في قطاع غزة بسبب منعها من السفر للعلاج في الخارج، بسبب إجراءات التقليص التي اتخذتها السلطة الفلسطينية مؤخرًا في ملف تحويلات المرضى للعلاج في الخارج.

يشرح غازي حمد، وكيل وزارة الخارجية، دور الوزارة في إعادة الموتى لقطاع غزة، مبينًا أنها في حال وفاة أي مواطن خارج الوطن، تتواصل مع بعض الدول والسفارات في الخارج من أجل معرفة إمكانية إعادته لقطاع غزة، إلا أنّه في أغلب المرات تكون الظروف صعبة، خاصة بسبب إغلاق معبر رفح.

ويضيف لـ الترا فلسطين، أن إعادة الجثامين في الوضع الطبيعي تحتاج لكثير من الإجراءات المعقدة، وتستلزم إصدار أوراق كثيرة، وموافقة مطارات، هذا عدا عن ارتفاع تكلفة الشحن، موضحًا أن السلطة الفلسطينية لا تتحمل التكلفة المالية لعمليات النقل، فيُترك الأمر لأهل المريض في إمكانية تحمل التكلفة العالية لعملية نقله أو دفنه في مكان الوفاة.

يلجأ معظم أهالي مرضى غزة المتوفين في الخارج إلى دفنهم حيث وافتهم المنيّة؛ لطول فترة المراسلات وعدم قدرتهم على الانتظار

ويلجأ معظم أهالي المرضى المتوفين في الخارج إلى دفنهم حيث وافتهم المنيّة؛ لطول فترة المراسلات وعدم قدرتهم على الانتظار، إلا أنّ أغلب الحالات الموجودة في مصر تمت إعادتها لغزة خلال بضعة أيام، أما التي لم تعد فكانت بسبب الظروف الأمنية الصعبة، وفق حمد.

تصنف حالات الوفاة للفلسطينيين خارج قطاع غزة؛ كحالات وفاة في الخارج فقط، ولا يوجد تصنيف بين حالة المتوفى إن كان مريضًا سافر لتلقي العلاج، أو مقيمًا في الدولة التي توفي فيها، كما يُبيّن وكيل مساعد المعلوماتية والتخطيط بوزارة الداخلية أسامة قاسم.

ويوضح قاسم لـ الترا فلسطين أن الحالات المرضية تُسافر من قطاع غزة عبر معبر رفح؛ من خلال تحويلات طبية على نفقة وزارة الصحة، أو على حسابها الخاص من غير تحويلات، وبالتالي لا يوجد أرقام دقيقة لأعداد المرضى المُسافرين للعلاج في الخارج، وهي فئة غير محصورة.

يشار إلى أن السنوات الخمس الماضية شهدت وفاة 934 مواطنًا من قطاع غزة أثناء وجودهم في الخارج، وقد سُجل في عام 2013 أعلى عدد وفيات بـ200 حالة وفاة، فيما سُجلت وفاة 185 مواطنًا من قطاع غزة في الخارج، خلال عام 2017.


اقرأ/ي أيضًا:

تقليصات "الأونروا".. القادم أعظم

الابتزاز الإلكتروني: "الشاباك" وباحثون عن الجنس والمال

ما وراء استنساخ إسرائيل لمعركة الموصل في غزة