23-أكتوبر-2017

لا يحرك جنود الاحتلال فوهات بنادقهم المصوبة باتجاه أبواب مساجد الخليل، ورؤوس المصلين الوافدين إليها، وهي السياسة التي تم تعزيزها منذ ارتكاب المستوطن باروخ غولدشتاين مجزرة المسجد الإبراهيمي، التي ذهب ضحيتها 29 شخصًا، فيما يواصل مستوطنون النهج التنكيلي ذاته بحماية الجيش، ولكن بأساليب أخرى لا تقل عنفًا بكثير عن إطلاق الرصاص.

المسجد الإبراهيمي، أقدم مساجد مدينة الخليل وأهمّها، ومنذ تقسيمه زمانيًا ومكانيًا أصبح مستباحًا لحفلات المستوطنين، واقتحامات الجنود بأحذيتهم للمكان الذي بُني ليكون حاميًا لما يُعتقد أنها قبور النبي إبراهيم، وزوجته سارة، وابنيه النبيين إسحاق ويعقوب.

إسرائيل تستهدف استياطنيًا وعسكريًا، فقتل روادها، وتغلق بعضها وتطوق أخرى بالأبواب الإلكترونية والحواجز والأحياء الاستيطانية

ويبدو أن إدراج "اليونسكو" لمدينة الخليل والمسجد الإبراهيمي على لائحة التراث العالمي، زاد من الأحقاد الإسرائيلية تجاه أهل المدينة وروّاد المسجد، بعد أن وصفة القرار بأنه "وصمة عار". فبعد أشهرٍ من إعلانه نشرت مواقع عبرية أنباء عن رفض بلدية الخليل ولجنة إعمار المدينة تولي ترميم المسجد، وطلبها من سلطات الاحتلال أن تقوم بذلك.

اقرأ/ي أيضًا: صور | "قطار القدس - يافا".. إسرائيل إنجازًا أكبر من عمرها

هذه الادعاءات، نفاها رئيس البلدية تيسير أبو سنينة في حديث لـ"ألترا فلسطين"، قائلًا إن سلطات الاحتلال لا تسمح بإدخال "كمشة مسامير" إلى المسجد؛ إلا بعد التنسيق من خلال الارتباط الفلسطيني والجهات التي تشرف على إعمار المسجد.

وتكرر سلطات الاحتلال إغلاق أبواب المسجد بشكل كامل في وجه المصلين، ومنع رفع الأذان فيه، عند الاحتفال بأي مناسبة يهودية، فيما يكون المسجد خلال ذلك مستباحًا للمستوطنين الذين يقيمون احتفالات صاخبة وراقصة.

وإن كان المسجد الإبراهيمي، ما يزال مفتوحًا جزئيًا وبشروط وقيود للمصلين، فإن مساجد أخرى في الخليل ذاتها أصبحت تحت سيطرة المستوطنين بشكل كامل، إذ حولوها إلى مرافق خاصة بهم، ووضعوا فيها صور حاخاماتهم، مثل مسجد الأقطاب الواقع في الحسبة القديمة، الذي تم الاستيلاء عليه بالكامل وتطويقه بالحي الاستيطاني "أبراهام أبينو"، فيما أدخل المستوطنون دوابهم إليه وأحرقوا المصاحف بداخله.

مسجد السنية في الخليل العتيقة، هو الآخر أحكمت سلطات الاحتلال قبضتها عليه، وبعد أن كان بباحاته الواسعة المزروعة بالعنب مركز تجمع لأهالي المدينة، أصبح فارغًا في أغلب أوقاته حتى المصلين، الذين إن حضروا فهم قلة قليلة، نتيجة إغلاق جيش الاحتلال الطرق المؤدية إليه باستثناء طريق واحد، أخضعه الجيش للرقابة والتضييق.

ولا يختلف الحال بالنسبة لمسجد الكيال، في البلدة القديمة أيضًا، الذي تحتاج للدخول إليه إلى تصريح خاص، لتكون نتيجة ذلك رؤيتك مكانًا مهترئًا طُمست ملامحه الإسلامية، وأُحلّت بدلاً منها مظاهر العنصرية اليهودية وصور الحاخامات معلقة على ما تبقى منه.

يعلق مستوطنون صور حاخاماتهم ويدخلون دوابهم إلى مساجد في الخليل، كما أحرقوا مصاحف كانت فيها

المقامات والزوايا الصوفية، السمة البارزة في الخليل، لم تسلم أيضًا من انتهاكات الاحتلال، ومنع الناس من الوصول إلى كثير منها، كما حدث في زاوية الأشراف عند باب المسجد الإبراهيمي، التي يزعم الاحتلال وجود قبر لرجل من بني إسرائيل عندها.

اقرأ/ي أيضًا: معاريف: "ساحة عمر بأيدينا".. انتهت قضية بترا وامبريال

وليس الحال في زاوية كنفوش أفضل منه في زاوية الأشراف، ولا في المساجد. فالزاوية الواقعة في بركة السلطان، وتُنسب إلى الشيخ علي كنفوش الأدهمي، شيخ الأدهمية في الخليل، أحاطها الاحتلال بالأسلاك الشائكة، حتى تكاد تكون منطقة أشباح.

ولا يمكن الدخول إلى زاوية كنفوش اليوم إلا من خلال محلات هجرها أصحابها تحت ضغط المستوطنين، وخلال ذلك يكون على الداخلين، سرًا، القفز والتسلق، ليروا في النهاية كيف مزّق المستوطنون القماش الأخضر الذي يجلل الضريح، وكيف حطموا أجزاء من الضريح نفسها، ومزقوا كتبًا كانت في الزاوية.

التهويد في الخليل طال الزوايا الصوفية أيضًا، فمنع الجيش الوصول لبعضها، وتولى المستوطنون التدمير والإحراق وتمزيق الكتب

وأفاد أكرم أبو ارميلة مسؤول المساجد في مديرية أوقاف الخليل، بأن مساجد أخرى يواجه المصلون فيها تضييقات وتشديدات تهدف إلى دفعهم لإخلائها بالكامل، ومنها مسجد القزازين الصغير الذي أحاطه جيش الاحتلال بمعسكرات له، وأقامت سلطات الاحتلال أحياءً استيطانية في محيطه، وهو يقع مقابل شارع الشهداء المغلق منذ مجزرة المسجد الإبراهيمي قبل 23 عامًا.

وأشار أبو رميلة في حديثه لـ"ألترا فلسطين" إلى أحوال مسجد زاوية أبو الريش في المنطقة الجنوبية من الخليل، حيث أقام جيش الاحتلال بوابات إلكترونية عند مداخله، ما أعاق الدخول إليه، إضافة لمسجد مشهد الأربعين في تل ارميدة، الذي تعرض لاعتداءات استيطانية عديدة على فترات مختلفة، ويمنع جيش الاحتلال المصلين من الوصول إليه منذ مجزرة المسجد الإبراهيمي أيضًا.

ويواجه المسجد العمري، الذي بُني إبان حكم الخلفية عمر بن الخطاب، مصيرًا أسوأ من سابقيه. فالمسجد الواقع في الظاهرية جنوب شرق الخليل، وخارج حدود المدينة العتيقة، معرّض للسقوط بشكل كامل في أي لحظة، بسبب منع سلطات الاحتلال أهالي خربة زنوتا من ترميمه وإعماره، وقد انهارت بالفعل أجزاء من الجهة الشمالية للمسجد بسبب حفريات الاحتلال في المنطقة.

الحلاق محمد جابر، الذي يعمل في البلدة القديمة منذ 50 عامًا، يقول إن مساجد الخليل كانت تشهد ما يشبه الحج من كافة مناطق بلاد الشام، لكنّها أصبحت مهجورة الآن ولا يستطيع حتى سكان المدينة الوصول إليها، دون أن يخفي أن الخوف يتملّك نفوس المصلين الذين يُسمح لهم بدخول ما بقي من المساجد التي يُمكن دخولها في المدينة.

وكان جيش الاحتلال نفّذ إعدامات ميدانية عديدة عند أبواب المسجد الإبراهيمي، منذ اندلاع الهبة الشعبية في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2015، وزعم أن هذه الإعدامات كانت نتيجة محاولات الشهداء والشهيدات تنفيذ عمليات طعن، فيما ثبُت أن عددًا منهم تمت تصفيتهم دون أن يحملوا أي أدوات حادة.


اقرأ/ي أيضًا:

واد الحصين: سنبقى ثقبا في مخططات الاستيطان

حظر الأذان.. التفاصيل الكاملة

شوارع القدس بأسماء "أبطال إسرائيل".. هل نجح التهويد؟