29-مايو-2017

عاملات ينشغلن بتحصيل الإكراميات عن تنظيف المستشفى (صورة توضيحية) تصوير: محمد الثلاثيني

تحولت زيارة الشابة منى حسن الأولى إلى المستشفى، لرحلة صيدٍ من قبل عاملاتٍ في المستشفى كانت منى الفريسة فيها، أثناء انتظارها لخمس ساعاتٍ في كشك الولادة، إذ كانت تعاني من "عسر في الولادة". يدور الحديث هنا عن حالاتٍ عديدةٍ تعرضت فيها جيوب الوالدات وذويهن للقنص من قبل عاملات نظافةٍ انشغلن عن أداء واجبهن بتحصيل إكراميات من هنا وهناك.

منى التي حضرت إلى مستشفى الشفاء في غزة في أول ولادة لها، تسابقت عاملات النظافة داخل قسم الولادة للتقرب منها، ومن أمها وحماتها، فتارة يعرضن الخدمة، وتارة يسألن عن معلومات وتفاصيل تخص العائلة، أو يقدمن معلومات بخصوص المستشفى وسير الأمور فيه، ويحصلن في كل مرة على مبلغ من المال، لتكتشف أم منى وحماتها أنهما دفعتها 100 شيكل قبل الولادة.

عاملات نظافة في أقسام الولادة بمستشفيات قطاع غزة يترزقن من خلال الوالدات وذويهن باستخدام حيلٍ متعددة

تقول منى لـ"ألترا فلسطين"، إن العاملات وبعد الولادة طلبن "الحلوان" كونها أنجبت ولدًا، واشترطن أن يكون "الحلوان" 20 شيكل لكل عاملة منهن. هذا الطلب تكرر مرة أخرى لدى وصول زوج منى، إذ أطلقن الزغاريد وطالبنة بـ"الحلوان"، وعندما أبلغهن أنه لا يملك إلا 50 شيكلاً، اتهمنه بالبخل، ما دفعه لمغادرة المستشفى دون رؤية طفله أو زوجته.

اقرأ/ي أيضًا: ملايين الدولارات خسائر غزة بخداع "الربح على الانترنت"

وتشتكي منى من سوء النظافة في قسم الولادة في المستشفى، مضيفة، أن اهتمام العاملات مُنصبٌ على البحث عن المال من السيدات اللواتي أتين للولادة وأهلهن، بدلاً من التنظيف، "رغم حاجة القسم لأداء مضاعف عن بقية أقسام المستشفى بسبب النفايات الناتجة عن الولادة وما قبلها" وفق منى.

الشكاوى من هذه الحِيَل لم تقتصر على مستشفى الشفاء. ففي مستشفى التحرير "مبارك سابقًا" جنوب قطاع غزة تعرضت هدى أحمد (18 عاما) لمواقف مشابهة. بدأت القصة بإصابتها بعسر ولادة، وفشلت كل محاولات الأطباء للتعامل معها، فطُلب من حماتها إحضار تحميلة قيل لها إنها غير متوفرة في المستشفى، وثمنها 300 شيكل.

عرضت إحدى عاملات النظافة المساعدة، غابت خمس دقائق ثم عادت برفقة الطبيبة المناوبة وبيدها التحميلة المطلوبة. بعد ربع ساعة أنجبت هدى، فحملت العاملة البشارة إلى حماتها طالبة "الحلوان"، وعندما أعطتها 20 شيكلاً رفضت، قائلة، إنها طلبت من الطبيبة تقديم رعاية خاصة لهدى، و"الحلوان" لا يكفي، فحصلت على 50 شيكل، كانت هي كل ما تملك حماة هدى، وفق قولها.

تشير هدى إلى أنها تعرضت لـ"بهدلة" من قبل إحدى عاملات النظافة، بسبب استفراغها خارج سلة المهملات، وهو ما تبرره بحدوث انقباضات نتيجة عسر الولادة جعلتها غير قادرة على السيطرة على نفسها. تضيف، أن العاملة ذاتها وبعد ولادتها، طلبت منها "حلوانًا" مقابل تنظيف مكانها، وقد امتنعت هدى وحماتها عن تقديم أي شيء.

العاملة في مستشفى الشفاء "أم سندس" أقرت بأن عاملات النظافة "تترزّقن" بالحيل المذكورة وغيرها، مبررة ذلك بأنهن يعملن 10 ساعاتٍ مقابل رواتب لا تزيد عن 700 شيكل، ما يجعلهن بحاجة إلى تدعيم رواتبهن بـ"الحلوان" و"الإكراميات".

وتقول لـ"ألترا فلسطين"، إن المرافقات للمرضى هن من بدأن بعرض المال مقابل تقديم المساعدة للسيدات في كشك الولادة، مضيفة، "هذه القسم من أصعب الأقسام من حيث التنظيف. لذلك يجب مكافأتنا على تعبنا في التنظيف خلف النساء" حسب قولها.

وتؤيد حديثها عاملة النظافة "أم محمود" في مستشفى شهداء الأقصى وسط قطاع غزة، قائلة، إن قسم الولادة يحتاج لجهد مضاعف من المتابعة والتنظيف، "لذلك فالإكراميات من حقنا مقابل هذا التعب".

وتبين أم محمود، أن عاملات النظافة يختلفن كثيرًا أثناء توزيعهن على الأقسام، فجميعهن يرغبن بالعمل داخل قسم الولادة، لذلك يضطر المشغل في شركة النظافة إلى تدوير العاملات بشكل مستمر، إلا أن بعض العاملات يُستثنين من هذا التدوير، "بسبب الواسطة"، وفق قولها، ما يؤدي لمشادات كثيرة بين عاملات النظافة.

تصرفات عاملات النظافة تخالف القانون، وفقًا لما أكده لنا مصفى الهندي المشرف في شركة الهندي للتنظيف، وقد شدد على أن شركته تُبلغ العاملات بذلك، مبينًا، أن أي عامل أو عاملة يثبُت عليهما مخالفة القانون، يُوجه لهما إنذار، وقد يُنقلان من مكان عملهما، وإذا تكرر حصولهما على ثلاث إنذارات يُعاقبان بالفصل.

تعترف "أم محمود" بأن شركة النظافة التي تعمل لديها أبلغتها قبل بدء العمل في المستشفى بمنع الحصول على أي مبالغ من المرضى أو المرافقين، لكنها استدركت، "نحن لا نطلب بشكل مباشر أي مال، بل نطالب بالحلوان. كما أننا لسنا مُكلفاتٍ بمساعدة المرضى أو المرافقات، ولكن هن من يطلبن منا المساعدة، وبذلك نأخذ أجر هذا العمل".

تعلل العاملات في مستشفيات قطاع غزة طلبهن إكراميات بسوء رواتبهن، لكنهن لا يطلبن الإكراميات بشكل مباشر

يعلق الهندي، "لا نستطيع أن نمنع المرضي من إكرام العاملين، وما يحدث داخل قسم الولادة ناتج عن تصرفات المرضى، فهم من يقدمون المال للعاملات حتي يحصلون على خدمات منهم، ومن الصعب علينا منع ذلك".

اقرأ/ي أيضًا: في مؤسسات غزة.. ذوات الإعاقة للاستغلال فقط

ويقول الهندي، إن تغيير العاملين بين الأقسام سببه محاولة الحفاظ على مستوى النظافة، وتغيير أجواء العمل بالنسبة العامل، مؤكدًا في الوقت ذاته أن العاملات يطلبن بالفعل نقلهن لأقسام الولادة.

ويضيف، أن استثناء بعض العاملات من التدوير سببه طلب الممرضات أو الطبيبات الإبقاء عليهن في القسم، "بسبب ارتياحهن لأداء العاملات".

وزارة الصحة كانت قد اتخذت في شهر شباط/فبراير 2016 قرارًا بتشكيل لجنة خاصة لمتابعة عمل شركات النظافة في المستشفيات. ومنذ تشكيل اللجنة وحتى نهاية كانون الثاني/يناير 2017، أُجريت 282 جولة لـ13 مستشفى في قطاع غزة.

يبين عمر تنيره الإداري في وزارة الصحة بغزة، أن عدد عمال النظافة في المستشفيات قليل مقارنة بحجم المرضى والنفايات الناتجة عن علاجهم، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن الموازنة التشغيلية المرصودة لشركات النظافة وعمالها محدودة جدًا.

ويرى تنيره في حديثه لـ"ألترا فلسطين"، أن مشكلة الإكراميات يصعب حلها، معتبرًا أن المرضى هم من يسروا ذلك، وهم من يستطيعون إنهاءها بعدم الدفع، او تقديم شكاوى.

ويؤكد تنيره أن أي شكاوى ستصل الوزارة ضد عاملات أو عمال محددين بطلبهم مبالغ مالية أو حتى "حلوانًا" ستؤدي إلى إلزام الشركة بفصل العامل، موضحا، أن الاتفاقيات بين الوزارة وشركات التنظيف تنص على منع مثل هذه الأفعال، بغض النظر إن كان راتب العامل كافيًا له أو غير كافٍ.

"ألترا فلسطين" أجرى جولة على خمس مراكز للولادة في قطاع غزة، وتبين له عدم وجود شكاوى من تصرفات مشابهة لتلك التي وردت في مستشفيات حكومية. تقول عاملاتٌ في هذه المراكز إن الرواتب هنا أفضل، كما أن القانون أكثر صرامة، فأي خرقٍ له يعقبه الفصل فورًا.

مراكز الولادة في قطاع غزة تدفع رواتب جيدة لعاملاتها وتُعاقب المخالفات منهن بالفصل، ولذلك لا يحدث فيها مخالفات شبيهة بالمستشفيات الحكومية

يشار إلى أن هذه الجولة أكدت أن الإقبال على أقسام الولادة في المستشفيات الحكومية، أعلى بكثير منه على المراكز الطبية، ما يساعد أيضًا في السيطرة على النظافة والعاملات هناك.

ويرفض سامي العمصي نقيب العمال في قطاع غزة اعتبار ما يحدث داخل أقسام الولادة ظاهرة، قائلاً، إنها حالات فردية فقط، ناتجة عن الوضع المادي السيء للعمال.

ويشير العمصي إلى أن ممرضاتٍ يتلقين أيضًا "حلوانًا" من ذوي السيدات الوالدات، خاصة عندما يكون المولود ذكرًا، "وهذه تعتبر مكرمة من أهل الوالدة للعاملات أو الممرضات"، متعهدًا بتشديد الرقابة على العاملات، ووضع حلول لـ"التصرفات الفردية" لمنع انتشارها.

وكان عمال النظافة في مستشفيات قطاع غزة نفذوا عام 2016 عدة إضرابات عن العمل، بسبب عدم حصولهم على مستحقاتهم المالية لأشهر متتالية. ويبلغ عدد العمال في هذه المستشفيات قرابة 850 عاملاً، ويتبعون لشركات خاصة تقدم الخدمات مقابل مبالغ مالية تحصل عليها من الوزارة.


اقرأ/ي أيضًا:

طلاب أجانب في غزة: هنا ما يستحق الحياة

في غزة أن تصاب بمرض نفسي فإنها لعنة

الضفة: محلات إلكترونية تسرق زبائنها