09-يناير-2020

عام 1984، أقدمت قوات الاحتلال على اعتقال طفل من نابلس، ومنذ أيامه الأولى في سجند الجنيد المركزي، قدم عرضًا مسرحيًا أمام حشد من الأسرى، كان باكورة العمل المسرحي في المعتقلات الإسرائيلية.

باكورة العمل المسرحي في المعتقلات كان في سجن الجنيد وقدمه الطفل قيس عوايص عام 1984

هذا الطفل وغيره العديد من الأسرى، كتبوا وشاركوا بعروض مسرحية عرضت على نطاق ضيق وبأدوات بدائية في سجون الاحتلال، تطورت موهبتهم خلال سنوات الأسر، فصاروا الآن كتابًا ومخرجين وفنانين تقدم أعمالهم على أكبر المسارح.

اقرأ/ي أيضًا: رياضات الأسرى: الأثقال من الملح وحبة بسكويت للفائز

يقول الكاتب والمخرج المسرحي قيس عوايص، إن موهبته بدأت منذ طفولته عندما كان في أحد الفرق المسرحية التابعة لنادي حطين، وعندما اعتقل عام 1984، اقترح على الأسرى في سجند الجنيد الاحتفال بذكرى انطلاقة أحد الفصائل بطريقة جديدة، وبالفعل عمل مسرحية تتحدث عن قيمة الأرض.

أمضى عوايص نحو 7 سنوات في السجون في اعتقالات متفرقة، تطورت خلالها موهبته بشكل كبير من خلال القراءة عن المسرح، وكيف تأسس، وأكثر من كتب عن المسرح، وعن المسرح الكلاسيكي والمسرح التجريدي.

ويُبين عوايص لـ الترا فلسطين، أنه بعد السجن كانت لديه فكرة لتشكيل فرقة مسرحية، ولكنه سرعان ما اعتقل مرة ثانية، فقدم منذ اليوم الأول في السجن مسرحية جاهزة كانت قد منعته زنازين الاحتلال من عرضها في الخارج.

خشبة المسرح في السجن

يقول الكاتب والأسير السابق وليد الهودلي، إن اللجان الثقافية في السجن تنظم بين الحين والآخر مسرحيات تستثمر فيها المواهب المتوفرة، حيث تتم التدريبات والبروفات بالسر، وبعدها يُفاجأ الأسرى في "الفورة" بوجود مسرحية.

الأسير السابق مؤيد عبد الصمد يقول إن المسرحيات استمرت في السجون حتى بداية عام 2000، وبعدها منعت إدارة السجون المسرحيات لأنها كانت تمثل في الساحة التي يخرج الأسرى إليها للتنفس أو ما تعرف بـ"الفورة"، في إطار منع كل الاحتفالات في الساحات من خلال ملاحقة الاسرى ورشهم بالغاز، ثم نقل الأسرى إلى سجون جديدة تمتاز بغرفها الصغيرة ولا مجال للعروض المسرحية بداخلها.

في عام 2000 منعت إدارة سجون الاحتلال المسرحيات، لكنها استمرت في سجني مجدو والنقب فقط، قبل أن تتلاشى تمامًا

يستدرك عبد الصمد مبينًا أن المسرحيات استمرت في سجني مجدو والنقب، ولكن في السجون المركزية توقفت، أما حاليًا فتلاشت في كل السجون لأنه يتم ملاحقة من يقومون بالمسرحيات.

مناسبات المسرحية في السجن ومضمونها

يقول الهودلي، إن المسرحيات كانت تمثل في المناسبات والأعياد وذكرى انطلاقة الفصائل، وأحيانًا دون مناسبة، وعندما كانت تمنع في "الفورة" تكون داخل الغرف. بينما يُبين عبد الصمد، أن الأسرى في سجن الجنيد كانوا ينظمون مهرجانًا ثقافيًا سنويًا، وتكون فيه مسابقة قصص قصيرة وأشعار، وفقرة "سين جيم" أي سؤال وجواب، ويتم اختتام المهرجان في الساحة بعمل مسرحية.

اقرأ/ي أيضًا: مقالب الأسرى: نعبر عن إنسانيتنا

أما عن موضوعات المسرحيات فقد أفاد الهودلي بأنها غالبًا تكون كوميدية وذات نقد ساخر من حياة الأسرى في الداخل والخارج، وتكون مدتها ربع ساعة إلى نصف ساعة وتنشر الفرح في السجن.

بدوره، أضاف عبد الصمد، أن المسرحيات كانت تتحدث أيضًا عن التحقيق أو قصة حياة شهيد، أو واقع نضالي، أو عن زيارة الأهل للأسرى، وماذا يتحدثون مع أبنائهم خلال الزيارة، ومنها ما يكون حزينًا جدًا، أو قد تكون المسرحيات عن التمثيل الاعتقالي بطريقة ساخرة تنتقد اللجنة الوطنية والهيئات القيادية، وأحيانًا تكون المسحرية على شكل دعاية تلفزيونية بسبب اقتصار التلفزيون على بعض القنوات، والمسرحية تكون مشهدًا أو مشهدين.

أما الأدوات المستخدمة فقد كانت بدائية وبسيطة، فاللباس مثلاً يتم صنعه من وجه الفرشة (غطاء) على هيئة عباية أو فستان إذا كان هناك دور لامرأة.

أبطال مسرحيين

يقول الأسير السابق محمد عصفور، إنه قدم للأسرى مسرحية عام 1995، في نفس اليوم المقرر أن يتم الإفراج عنه، عندها كان في سجن الفارعة، وتزامن مع يوم الجمعة، حيث لم يعلن الاحتلال عن اسمه من بين المنوي الإفراج عنهم، ما أثار غضبه، فتدخل الأسرى لمواسته وطلبوا منه تقديم مسرحية.

"فقمت بأداء مسرحية، وفي وسط المسرحية جاءت خمسة أسماء قبل إغلاق السجن بدقائق ومن بينها اسمي وتم الإفراج عني" أضاف عصفور.

وليد الهودلي هو الآخر كتبت "سكتشات" مسرحية داخل السجن وتم تمثيلها.

الفنان حسام أبو عيشة كان هو الآخر أحد من قدموا مسرحيات في السجون، خلال اعتقاله في غرفة 3 التي كانت تضم 72 أسيرًا في قسم 1 من سجن بئر السبع الصحراوي.

مسرحيات السجون كانت تقوم على المقاومة والتثقيف بطريقة موازية للتربية في الحركة الأسيرة

ويُبين أبو عيشة لـ الترا فلسطين، أن المسرحيات حينها كانت تقوم على ركيزتين، الأولى هي المقاومة والتثقيف بطريقه مختلفة وموازية للتربية في الحركة الأسيرة، والثانية لإثبات أن الموهبة الحقة لا تتوقف عند حدود الأسر.

وعدد أبو عيشة المسرحيات التي قدمها في السجن قائلاً: "عائد إلى حيفا لغسان كنفاني كانت الخيار الأول، لأنها تتحدث عن حق العودة بطريقة مشرفة، أضف إلى ذلك مسرحيه عملية سافوي، ومسرحية سبارتاكوس (تحرير العبيد)".

ويؤكد أن تجربة المسرح في السجن أفادته في الحفاظ على الموهبة وتطويرها. في حين أضاف الهودلي أن السجن "معتركٌ فنيٌ وثقافيٌ على مدار 24 ساعة في اليوم، فالمسرحيات التي تُقدم تبقى محل نقاش ونقد دائم في السجن، حيث يتم تمحيصها بشكل كبير، لهذا السبب السجن معتركٌ ثقافيٌ ساخن" وفق قوله.

بعد السجن

يعتبر الفنان حسام أبو عيشة من بين أشهر المسرحيين في الساحة الفلسطينية اليوم، كما شارك في مسلسلات تلفزيونية لاقت استحسان الجمهور الفلسطيني خلال السنوات الأخيرة. أما وليد الهودلي فقد استمر بكتابة المسرحيات، مثل مسرحية "النفق" التي تتحدث عن قصة الهرب من السجن والعزل، وهناك مسرحيات عممت على المدارس مثل مسرحية "رامي ومحكمة الذئاب" عن محاكمة الأطفال في السجون.

أما الكاتب والمخرج المسرحي قيس عوايص فأنجز عدة مسرحيات منها محاكمة الفقير التي سجن مجددًا بسببها، وقد أفادنا بأنه أُبعد سابقًا إلى الأردن، وحينها درس المسرح في معهد أردني وحاز على شهادة في هذا التخصص.

ولدى عوايص حاليًا مدرسةٌ اسمها "مدرسة تكوين" وفيها حوالي 50 طالبًا وطالبة، وهي تابعة لجمعية زهرة الشمال للثقافة والفنون التي يتولى إدارتها أيضًا، وهو مدير فرقة رسائل للعمل المسرحي.

ويعمل عوايص إلى جانب آخرين على إعادة الفن لمدن الشمال ولمدينة نابلس تحديدًا، لأن نابلس كانت "أم الفنون" على حد تعبيره، حيث كان فيها 6 دور سينما في حين لم يكن في كثير من الدول العربية سينما واحدة.

يُذكر أن فرقة رسائل بقيادة عوايص قدمت مؤخرًا عرضًا مسرحيًا في مهرجان قرطاج السنوي في تونس، ولديها عملٌ قادمٌ يتحدث عن جزئية إنسانية لمناضلين اثنين خلال الاجتياح، إضافة إلى مسرحية "صاحب الصورة" من تأليف طاهر باكير، وهو عضو في جمعية زهرة الشمال للثقافة والفنون.


اقرأ/ي أيضًا: 

فيديو | السامر فاكهة الأعراس التي لم تذبل في سنجل

مقهى سفر في رام الله محاولة لتمويل الفن

صور | جرح بيت لحم عمل فني جديد لبانكسي