07-ديسمبر-2017

انتزع جيش الاحتلال اعترافًا من أحد الثوار المعتقلين، بأن مجموعة فدائيّة ستصل المنطقة ليلًا، فبدأ حصار منطقة "جبل القعدة" شرق نابلس. في صباح اليوم التالي بدأ تمشيط المكان. أحد المسلحين أطلق رصاصه تجاه الجنود الذين ردّوا بالمثل، وأصابوا المُسلّح الفدائيّ الذي تبيّن أنّه كان يحرس مجموعة من الفدائيين الذين يتأهبون للانطلاق.

بعد حرب عام 67، تمركزت جيوب من المقاومة الفلسطينية على الضفة الشرقيّة لنهر الأردن، تنفيذًا لقرار صدر في اجتماع دمشق (12 حزيران)، فكانت تلك الضفة بمثابة قاعدة انطلاق لنحو 5840 عملية فدائية، بين أعوام (1967- 1970).

هذا العدد الضخم من العمليات عبّر بشكل أو آخر عن ألم ومرارة الهزيمة، كما عبّر عن الحماس الجارف الناتج عن انتصار المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني في معركة الكرامة عام 1968. وتجلّى ذلك في الأعداد الهائلة التي تقدمت بطلبات الالتحاق في صفوف المقاومة.

وفقًا لصلاح خلف أبو إياد، فقد كان معدل العمليات الفدائية شهريًا عام 67، يصل إلى 12 عملية شهريًا.

"بيت فوريك" كانت واحدة من قرى شرق نابلس، التي شكّلت محطة استقبال أولى لأفراد المجموعات الفدائية المتسللة عبر نهر الأردن، فكانت المجموعات تدخل ليلًا، بعد أن يزيل أفرادها آثار أقدامهم بانتعال أحذية مصنوعة من جلود الأغنام، أو السير لوجهتهم بشكل عكسي؛ أي الرجوع للخلف، ليظهر وكأنّهم في طريق الخروج من فلسطين.

اقرأ/ي أيضاً: انتفاضة الحجارة.. نكات وأساطير لإنهاء كذبة الجيش الذي لا يقهر

في ذلك الوقت، وفي ظلّ عدم توفّر معلومات كافية وبشكل فعّال، عمد الجيش الإسرائيلي لعمليات تمشيط ومطاردات يومية، ومتابعة أي آثار، ومراقبة المنطقة بشكل دائم وباستخدام الطيران، ونصب الكمائن، وزرع عملاء عرب في هذه المناطق وفي صفوف المحليين الذي قدموا المساعدة للمجموعات الفدائية.

الإجراءات الإسرائيليّة أدت لاحتكاك مباشر مع أفراد هذه المجموعات، فكانت المعركة الصدامية بين جيش الاحتلال والفدائيين، في يوم الخميس 7 كانون أول/ ديسمبر 1967.

معركة "القعدة" أو معركة "بيت فوريك الكبرى" لها أهمية خاصة، كونها فتحت الباب لسلسلة عمليات فدائيّة لاحقة. هذه المعركة وصفها ياسر عرفات في حينه بأنها "الانطلاقة الثانية للثورة الفلسطينية".

والقعدة اسم منطقة مرتفعة متصلة بجبل الطرانيق، وكلها مرتفعات جبلية بارزة ومتشكلة على السفح الشمالي من جبل الشيخ محمد أو جبل الجدوع والتي تحتضن بلدة بيت فوريك.

بعد سماع عدة طلقات ناريّة، خرج أحد الفدائيين من مخبئه، وشرع بإطلاق النار نحو الجيش الذي ردّ على النار فسقط الرجل على الفور، ثم خرج أربعة رجال وفتحوا نيران بنادقهم وألقوا قنابل يدوية، فردّ عليهم الجيش بإطلاق النار، لتبدأ معركة دامت حوالي خمس ساعات.

استخدم الجيش في معركة القعدة الطائرات العمودية والأسلحة الثقيلة والقوات المظليّة، الأمر الذي يناقض رواية إسرائيليّة بأن المعركة انتهت بـ "رمشة عين"

المفاجأة الناجمة عن امتلاك الجيش لمعلومات حول المجموعة وتواجدها، لعبت دورًا مهمًا في تحديد نتائج المعركة، فقد استشهد ستة فدائيين ذكرهم بلاغ القيادة العامة لقوات العاصفة الذي حمل الرقم 85 وفقًا لخليل الوزير أبو جهاد، وهم؛ سعيد عريفة، محمد خير خرطبيل، خالد جميل أبو سويد، مصطفى محمد بخيت، وليد أحمد زامل، غازي نايف غبن، وقد دُفن ثلاثة منهم في موقع المعركة، فيما يُعتقد أنّ البقيّة دفُنوا في مقابر الأرقام لدى جيش الاحتلال.

اقرأ/ي أيضاً: معركة حوسان.. غدرة إسرائيلية تحت جنح الليل

كان من ضمن المجموعة أربعة سوريين وفلسطينيان من قطاع غزة، وكان معظم أفرادها بجيل (25 سنة) سنة، أي الجيل الذي وعى جيدًا تفاصيل وأحداث الحرب والتهجير سنوات 48، و67، وبالتالي كانت آلام ومرارة النكبة والنكسة بنتائجهما تنمو مع نموّ أجسادهم وعقولهم ووجدانهم، وكانت كذلك حافزهم الذي جعلهم يختارون هذه الطريق.

وفي حين لم تذكر الصحافة الإسرائيلية وقوع خسائر بشرية لدى الجيش الإسرائيلي، فإن المصادر العربية أفادت بوقوع خسائر في الأرواح قتلى وجرحى لدى الجيش، ولكن دون تحديد العدد بالضبط، آخذين بعين الاعتبار النهج الإعلامي الإسرائيلي الذي يقنن ويقلل من ذكر حجم الخسائر الحقيقية دائمًا كجزء من إدارته للصراع مع العرب.

لاحقاً، شرع الجيش بتفتيش المغارة والمنطقة المحيطة بها فعثر على خمس بنادق من نوع كلاشينكوف ورشاش "آر بي جي" وبازوكا مع منظار بصري وذخيرة وقنابل يدوية ومواد متفجرة ومزادات ماء وتجهيزات إسعاف أولي، كما عثر على خارطة لمنطقة جنين والعفولة ووثائق أخرى مختلفة كانت بحوزة المجموعة الفدائية، وهو الأمر الذي أشار حينها إلى أنّ المجموعة كانت تنوي العمل في تلك المنطقة.

كما عثر الجيش على طعام وخبز طازج، الأمر الذي أكد تلقي المجموعة الدعم والمساندة من بعض سكان بيت فوريك، كما عثر في المغارة على صناديق لحفظ الطعام كتلك التي استخدمها الجيش السوري آنذاك.

لاحقًا، وفي ذات اليوم ليلًا، قامت الشرطة وحرس الحدود الإسرائيلي بمحاصرة قرى؛ بيت فوريك وعقربا وبيت دجن وقبلان، وفرضت حظر التجوال، واعتقلت (12) شخصًا على علاقة مع المجموعة الفدائية، لتوضع بذلك نهاية معركة القعدة، مع بقاء كثير من التفاصيل والتساؤلات غائبة.


اقرأ/ي أيضًا:

عن صرفند الصغرى وجنود "أنزاك" وبندقيّة العنكوش

بدّك تصير عسكري؟

معركة الدريجات: قاتَلوا حتى نفذت ذخيرتهم