27-ديسمبر-2017

لم تستطع المعلمة (ج.ن) مواصلة عملها في قطاع التعليم الخاص لأكثر من عامين، لما واجهته من ظروف استغلالٍ وتسلّط، تُبرر عادةً على لسان مدير المدرسة بأنّ البديل موجود!

عملت (ج.ن) في مدرسة خاصة بمدينة جنين، براتب لا يزيد عن 550 شيقل شهريًا، لا تضاف إليه تكاليف المواصلات التي تدفعها عند قدومها للعمل؛ وبالطبع لا يشمل ذلك رسوم حضانة طفلتها، وكان عليها أيضًا أن تُمضي العُطلة الصيفية بلا راتب.

وتبيّن في حديثها لـ"الترا فلسطين" أنّها مارست وظيفتها دون عقد عمل، فالمدرسة لم تنشئ أي عقود للمعلمين، أسوة بزميلاتها اللواتي عملن لسنوات، دون عقد يضمن أدنى حقوقهنّ.

معلمات في مدارس خاصة بالضفة الغربية دون عقود عمل وبرواتب أقلّ من الحدّ الأدنى للأجور

يشير (ك.ع) الذي بدأ مؤخرًا عمله بقطاع التعليم الحكومي في جنين، أن العبء الواقع على المعلم لا يتناسب قياسًا بما يحصل عليه من راتب؛ إذ كان يعمل في مدرسة خاصة لمدة 5 سنوات مقابل 1300 شيقل شهريًا، بلا زيادة سنوية ولا قانون ينظّمها، وإذا ما حدث وحصل على زيادة ما، فإنّ ذلك عائد لقرار صاحب المدرسة. 

اقرأ/ي أيضًا: معلمات رياض الأطفال.. دوام طول العام والراتب فتات

ويوضح، أنهم حينما كانوا يُفكّرون بتشكيل نقابة تطالب بالحدّ الأدنى من الأجور، فإنّ التهديد بالفصل سُرعان ما يُشهر في وجوههم. وإذا ما حاولوا تقديم شكاوى رسمية، فسيتعرضون للملاحقة، كما يقول، ويضيف: لا مرجيعات، ولا نقابات ولا اتحاد... "واقع الظلم في القطاع الخاص مش بسيط".

أمّا (ص.ت)، فلم تجد أمامها سبيلًا إلّا أن ترفع قضية على فصلها التعسّفي، بعد 11 عامًا من عملها في سلك التعليم الخاص برام الله. 

وتبين (ص.ت) في حديثها لـ "الترا فلسطين" أنّها بدأت تتعرض لمضايقات عديدة بعد رفضها قانونًا صادرًا عن إدارة المدرسة يُجبر كلّ معلم على تسجيل أطفاله في ذات المدرسة التي يعمل بها. تقول: "يعني الراتب اللي بدنا ناخده من المدرسة راح ندفعه لأولادنا على شكل أقساط. بدهم من قسط أولادي يطلّعوا الراتب". وتشير إلى أنّ متوسط قسط الطالب في المدارس الخاصة يتراوح بين 6 - 8 آلاف شيقل في المرحلة الابتدائية.

وتروي أنّ بعض المدارس الخاصّة لا تتفهّم فكرة أن يمرّ المعلّم في ظرف إنسانيّ، حيث رفض مدير المدرسة في إحدى المرّات أن يمنحها إجازة، وردّ عليها: "ممنوع تاخذي إجازة إلاّ إذا وصل ابنك للموت".

مدارس خاصة في الضفة تُلزم معلمين لديها بتنظيف المستودعات وتوزيع الكتب، والوقوف حراس لبوابة المدرسة

وحول الضغط الجسدي والنفسي الذي يتعرّض له المعلم، تقول (ص.ت) على لسان مديرها "وقتكم وطاقتكم وجهدكم كلّه إلي"؛ وتوضح أنّ المعلم في هذه المدارس يُنظر له على أنّه "ماكينه في مشروع استثماري يحاول القطاع الخاص أن يضغطها ويعصرها ويحملّها مالا تحتمل. ورغم أنّ المعلم الأكثر مساهمة في هذا المشروع إلاّ أنّه الأقل جنيًا للربح".

وتكشف أنّ المعلم في القطاع الخاص يؤدي ما ليس من مهمات وظيفته، كأن ينظف المستودعات، وينقل الكتب ويوزعها، عدا عن مهمات "المناوبة" بالوقوف للساعة الرابعة كحارس بوابّة. عدا عن الاجتماعات المتأخّرة التي قد تصل للساعة العاشرة ليلًا!

جزء من بنود اتفاقيّة أحد العاملين في مدرسة خاصة، حول الالتزام بحضور أنشطة المدرسة خارج الدوام 

في ذات السياق، تشير المعلمة (د.ف) التي تعمل في إحدى المدارس الخاصة برام الله، إلى أنّ هذه المدارس تتعامل مع كل حالة بشكل فردي، دون سياسة عامة ولا قانون واضح. ففي الوقت الذي تُمنح فيه معلمة "ساعة رضاعة"، قد تُحرم أخرى من هذا الحقّ، وينطبق ذلك على الدراسات العليا، إذ يُفرض على بعض المعلمات أخذ إذن مغادرة؛ وكل ثلاث مغادرات تُخصم من الراتب، وتقول: "المشكلة أنّه يتم التعامل مع حالات وليس مع قانون" على حدّ تعبيرها.

اقرأ/ي أيضًا: شركات خاصة لاستغلال الفتيات في الضفة

يلفت المعلم (خ.م) إلى أنّ "تمييز الراتب" من أصعب الأمور التي يواجهها المعلم في قطاع التعليم الخاص، ويوضح أنّ معلمي الإنجليزية والرياضيات يحصلون على راتب أعلى من معلمي اللغة العربية، رغم أنّهم يعملون في ذات المدرسة. فكلما زاد عدد الخريجين في تخصص معيّن يقلّ الراتب، وكذلك الأمر بالنسبة لدرجات الشهادات، فالحاصل على شهادة دبلوم راتبه أقلّ من البكالوريوس، رغم أنّه قد يكون أكثر إبداعًا وتميّزًا. 

ويبيّن (خ.م) الذي يعمل في إحدى المدارس الخاصة، أنّ حملة الهوية المقدسية والجنسيات الأجنبية يحصلون على ضعفي راتب حملة الهوية الفلسطينية.

كما يشير إلى أنّ مكافأة نهاية الخدمة، أو ما يعرف بــ"الأتعاب"، التي يحصل عليها المعلم بعد الاستقالة وترك العمل، تكون وفق الراتب الأساسي فقط، ويستثنى منها كل ما تم إضافته على الراتب تحت بند "العلاوات". وقد يُحرم المعلم من الحصول على إجازة مرضية، فأي يوم يتغيّب فيه يُخصم من الراتب.

فيما تقول المعلمة (أ.ش) التي قدّمت استقالتها مؤخرًا، بعد 6 سنوات من العمل، إنها تفاجأت بخصم المدرسة قسمًا من مستحقّاتها بدعوى إجازات الأمومة والعطل الرسمية والدينية. وتعلق قائلة: "إجازة الأمومة والعطل الرسمية والدينية مش من حقّنا؟ ليش بخصموا من أتعابنا.. الموضوع عقاب ولا إيش؟!"

مدارس خاصة في الضفة تخصم الإجازات الرسمية من مستحقات معلميها، وتضيف بنودًا غير ملائمة للعقود إن وُجدت

يرى (إ. و) الذي أنهى عمله في المدراس الخاصة، أنّ مسألة العقود تعد إحدى أهم الإشكاليات في هذا القطاع، إذ تُضيف المدارس بنودًا لا تتواءم مع قوانين وزارة التربية والتعليم من حيث أيام العمل، كإضافة السبت والجمعة في المناطق التي فيها بالأصل عطلة، أو إضافة عدد ساعات عمل أعلى من النصاب القانوني، كأن يكون نصاب المعلم 30 حصة، أي دون وجود حصة فراغ. 

بعض المدارس تشترط العمل يوم الجمعة أحيانًا

ويكشف (إ.و) لـ"الترا فلسطين" أنّ بعض المدراس الخاصة تعمل على تشغيل المعلم بعقود مؤقته مدّتها 9 أشهر، فيما تجبر بعض المدارس المعلم على توقيع الاستقالة بعد كل سنة، أو بعد 3 سنوات من أجل تضييع حقوقه وأتعابه السنوية. وينطبق ذلك على استمرار تشغيل المعلم بعقود مؤقته بعد مرور 3 سنوات، وعدم منحه راتب العطلة الصيفية.

تقرير وزارة العمل السنوي للعام 2016، الذي حصلت "الترا فلسطين" على نسخة منه، خلا من أيّ إحصائيات متعلقة بقطاع التعليم الخاص، إذ نالت قطاعات (الصناعة، التجارة، التشييد والبناء، القطاعات المشغلة للنساء) الحظ الأوفر من التفتيش والرقابة، واتخاذ الإجراءات القانونية بحقها، بالإضافة إلى الشكاوى العمالية المنبثقة من تلك القطاعات.

وقالت المستشارة القانونية في وزارة العمل أنغام سيف، إنّه يتم التعاطي مع المخالفات المتعلقة بالمعلمين بطريقتين؛ أولاهما زيارة المدرسة والتحقق من الموضوع، كالحدّ الأدنى للاجور والإجازات وغيرها؛ أو من خلال أن يقدم المعلم شكوى، وفي كلا الحالتين يتم توجيه إنذار للمدرسة يقتضي بتعديل المخالفة، وإلّا ترفع الوزارة قضية على المدرسة.

وتنوّه سيف في ردها على أسئلة "الترا فلسطين" إلى أنّه في أحيان كثيرة يرفض المعلّم رفع شكوى على مسؤوله أو صاحب المدرسة، خوفًا من فالصل أو اتخاذ إجراء بحقّه، وبهذا يتوقف عمل الوزارة على صاحب الحق، أكثر من فكرة "واجبات ومهمات وزارة العمل" على حدّ تعبيرها.

فيما يوضح صادق الخضر، الناطق الإعلامي في وزارة التربية والتعليم العالي، أنّه لا يوجد للوزارة أي سلطة لمتابعة هذه المدارس؛ كونها تنتمي للقطاع الخاص، ولا يوجد اتحاد عاملين أو نقابه تمثلها.

وحول متابعة الوزارة للمخالفات الصادرة عن المدارس، يبيّن الخضر أنّ هذه المخالفات تؤثر وتنعكس على الترخيص السنوي للمدرسة وكل ما يتعلّق باستيفاء الشروط المطلوبة من خلال تعديل المخالفات، كالتوقيع على تعهد بالحفاظ على الحدّ الأدنى للأجور أو دفع الراتب للمعلم بشكل منتظم.


اقرأ/ي أيضًا: 

في مؤسسات غزة.. ذوات الإعاقة للاستغلال فقط

منهاج فلسطيني مخنوق بسبب "أوسلو" وأموال المانحين

حسبة رام الله: هل هي مكب لخضار وفواكه إسرائيل؟