29-مارس-2017

- إلى أي درجة يبلغ حجم سوق التلاعب بالشيكات؟

- للدرجة التي يجب أن تغضي البصر عن هذا التقرير.

هكذا أجابني (أ. م) من مدينة طولكرم، الذي يعمل في مجال التلاعب في الشيكات، التي يعتبرها "شغلة تلبيس طواقي".

تبلغ قيمة الشيكات في السوق الفلسطيني ما يقارب 12 مليار دولار، بنحو 600 ألف شيك، كما يذكر مدير دائرة انضباط السوق علي فرعون. وساهم الارتفاع المتزايد في استخدام الشيكات في ظهور حالاتٍ جديدةٍ من محاولات النصب والاحتيال والتلاعب، التي لا يمكن تتبعها لكونها تتم تحت غطاءٍ قانوني.

في السوق الفلسطيني تبلغ قيمة الشيكات 12 مليار دولار بنحو 600 ألف شيك، والربح من خلال شراء الشيكات يصل لـ40%

يقول المحلل الاقتصادي طارق الحاج، إن الربح أحيانًا من خلال شراء الشيكات يصل إلى ما قيمته 40%، مضيفًا، أن بعض موظفي الحكومة أو غير المقتدرين يلجأون له من أجل الحصول على سيولةٍ ماليةٍ، ولكن في قضايا أخرى يتعدى الأمر شراء شيكات إلى احتيال.

احتيال في إطار القانون

بدأت رحلة (أ. م) في سنته الجامعية الثالثة، عندما لم يستطع أن يتحمل تكاليف دراسته، فاضطر للبحث عن عمل، ونصحه صديق للتجارة بالشيكات. يقول: "كانت مشكلتي الأولى في كيفية الحصول على المال للبدء في هذه التجارة، إلا أنني اكتشفت عدم حاجتي للمال". كل ما كان عليه فعله هو أن يمثل دورًا في "مسرحية الاحتيال"، ويتقاضى 5 آلاف شيكل.

اقرأ/ي أيضًا: الضفة: محلات إلكترونية تسرق زبائنها

من خلال هذه الطريقة يشتري المحتال الشيك بقيمة أقل من قيمته، ثم يبيعه لشخص ثالث من خلال محتالٍ آخرٍ يحصل على عمولةٍ، وهكذا يحصّلون مبلغًا مضاعفًا، وحتى يحين وقت صرفه، يكون الشيك قد مرّ على العديد من الأشخاص من خلال المحتالين، حينها يتلاعبون في الشيك ليقوم البنك بإرجاعه، وبعدها يصرفونه كاملاً نقديًا من صاحب الشيك.

يقول: "بهذا نحصل على مبلغ مضاعف من قيمة الشك، ولا يمكن تتبعنا لأن أسماءنا ليست مذكورة على الشيك، أو في المعاملات المالية".

أخطر الطرق للاحتيال قانونيًا، هي عملية شراء الشيكات. يوضح مصدرٌ آخر من الخليل (ح. ص)، بأن شخصًا مقتدرًا يتولى شراء شيكاتٍ تبلغ قيمتها مثلا 100 ألف شيكل، بـ70 ألف شيكل من شخصٍ بحاجة للأموال نقديًا، ثم يجبره على توقيع "كمبيالة" تحت مسمى "ضمان الحق"، وبعد أن يتم صرف جميع الشيكات، يجبره على دفع المبلغ مرة أخرى أمام الكمبيالة.

يقول: "إن لم يدفع المبلغ يطالبه المحتال به قانونيًا، أو عشائريًا، أو يهدده بالسلاح"، مضيفًا، "كنت شاهدًا على مثل هذه الحوادث".

طريقةٌ ثالثةٌ للاحتيال أيضًا، تقوم على كسب ثقة الضحية من خلال تزويده بشيكاتٍ صحيحةٍ أولاً، وصرفها في موعدها المحدد، ولكن من بين 50 شيكًا صحيحًا يوجد 10 شيكاتٍ "مضروبة"، حسب ما يروي لنا (ح.ص).

يقول: "هذه الشيكات المضروبة تكون عادة مسروقة، أو مفقودة، أو مزورة، وإن وجدت في الشمال يتم تبادلها في الجنوب حتى لا يمكن تتبعها".

يبحث "المتلاعب" بداية عن ضحيته، التي تكون عادة بحاجةٍ ماسةٍ إلى المال، أو شابٍ من عائلة لا تستطيع حمايته، ويفضل أن تكون قيمة الشيك متوسطة نوعًا ما، حتى لا تثير الريبة، أي ما بين 2500 – 4000 شيكل، وفي العصابات الكبيرة تصل الشيكات إلى مئات آلاف الشواكل، ويهدف المحتال لتحصيل أكبر مبلغٍ ممكن من قيمة الشيك.

موظفون بالحكومة متواطئون

لا يقتصر الاحتيال على أعضاء العصابة، بل يصل إلى بعض موظفي الحكومة الذين بإمكانهم الحفاظ على غطاءٍ قانونيٍ يحمي أعضاء الخلية في حال اعتقالهم، وإغلاق الملف بشكل تام.

موظفون في الحكومة يقبضون رشاوى مقابل تمرير شيكات مزورة، وأصحاب ملايين يعملون في عصابات للاحتيال بالشيكات

ويؤكد (ح.ص) أنه في إحدى الصفقات "عرض موظفٌ حكوميٌ في مكان مرموقٍ وحساسٍ عملية استدراج شيكاتٍ بقيمة مليون شيكل من خلال محتال، مقابل توفير حماية قانونية لها".

اقرأ/ي أيضًا: في الضفة: رخص سياقة بالواسطة والرشوة

ويفيد (أ.م) بأن "المعلم" قدم 100 ألف دينار لأحد الإداريين في الحكومة، مقابل "تمرير" بعض الشيكات المضروبة والمزورة التي تقدر قيمتها بأكثر من مليوني دينار، مؤكدًا، أن ما يقصده "بتمرير الشيكات" هو حماية أي شخص في المجموعة يتم إلقاء القبض عليه.

ويضيف، "في ناس كبيرة ومليونيرية أسماءهما معروفة بتشتغل بهالمجال، وناس عملت عمارات من هذا الموضوع، إحنا لساتنا أولاد امبارح بهالمهنة".

التلاعب بالشيكات، لا يقتصر فقط على العملية التي أسماها مصدرنا بــ"تلبيس الطواقي"، بل إن التزوير الممنهج هو أحد أهم الوسائل في تطوير هذه التجارة.

"هناك مزورين في مدينة الخليل، وفي يطا، وفي بيت عوا، معروفين، ولكنك لا تستطيع الوصول إليهم إلا من خلال طرف معروف"، يقول (ح. ص).

ويُشترط ألا يملك صاحب الشك المزور أي حسابٍ بنكيٍ باسمه، وإن فعل فبالإمكان تزوير اسم الجد. ويقوم المزور بصناعة شيكات تحمل رقمًا تسلسليًا مرتفعًا، حتى يوهم الضحايا أن صاحب الشيكات لديه باعٌ طويلٌ ومضمونٌ في هذا المجال.

ويجري تداول هذه الشيكات من خلال التعامل المباشر، أو من خلال خلطها بشيكات صحيحة، وتعمل العصابات الكبيرة على توفير حمايةٍ قانونيةٍ بأفرادها من خلال استغلال المرتشين في الأعمال الحكومية.

 


اقرأ/ي أيضًا: 

المقاولات في غزة.. تدليس أم شطارة؟

منشطاتٌ جنسيةٌ قاتلةٌ تباع سرًا في الضفة

شركات "خاصة" لاستغلال الفتيات في الضفة