26-فبراير-2019

من أين لكم كلّ هذه الكراهية؟

هل جنسكم غير جنسهم؟

هل أرضكم غير أرضهم؟

هل لغتكم غير لغتهم؟

هل دينكم غير دينهم؟

هل جيناتكم غير جيناتهم؟

هل محتلكم غير محتلهم؟

لا أعتقد أنّ هذه كلها أسباب نشر ثقافة الكراهية بين الفلسطينيين. إن قلّبت صفحات مواقع الأخبار لا أرى سوى أخبار الكراهية. إن أشعلت شاشة التلفاز لا أرى سوى أخبار الكراهية. إن استمعت إلى القادة لا أسمع منهم سوى تصريحات الكراهية. إن فتحت خط هاتفي لاستفسر عن شيء لا أسمع سوى أخبار الكراهية.

  ما سرّ هذه الكراهية التي تجتاحنا كأسراب جراد تأكل الأخضر واليابس 

كنت أعتقد أنّ الكراهية هي لغة الحوار بين فتح وحماس. لكنّي اكتشفت أن الكراهية لغة امتدت إلى كل ربوعنا، حتى داخل الحزب الواحد لا لغة سوى لغة الكراهية. في داخل المؤسسة الواحدة لا صدى صوت سوى صوت الكراهية. من أين استمدينا كل هذه الكراهية؟

يوم كنت غشيمًا كنت اعتقد أنّي من شعب مميّز، منسجم، موحد. كنت أعتقد أننا نملك ثقافة التعددية والاختلاف ولا نملك ثقافة الكراهية.

حين كنت أشارك في مؤتمر اقليمي أستغرب حجم الكراهية التي يعج بها أبناء الوطن الواحد. كنت ألاحظ أن السني يكره الشيعي، والشيعي يكره السني. العربي يكره العجمي والعجمي يكره العربي. الكردي يكره العربي والعربي يكره الكردي. اعتقدت أن ذلك سببه تعدد المذاهب والطوائف والقوميات المتصارعة في داخل القطر الواحد. 

ولدت ونشأت وعشت في مجتمع سياسي تعددي، كنّا نغني أن كل شخص من الأسرة ينتمي إلى حزب سياسي مختلف. كان اختلافًا وكانت تعددية، لكن لم ألمس يومًا حسّ الكراهية. 

كنت أحسد نفسي وأحسد شعبي. كنت أتفهّم ماذا يعني درويش حين قال إننا استثناء. نضجت الفكرة  وكبرت وتخمّرت. لأكتشف أننا أسوأ استثناء على وجه هذه البسيطة. نكره أنفسنا ونكره الآخرين.

لا سبب يبرر كل هذه الكراهية سوى أننا أصبحنا بطبيعتنا كريهين. كنا نعتقد أننا في مقدّمة الأمم. فتبيّن لي أننا بمؤخرتها. لا قيم ولا مبادئ ولا أخلاق ولا ديمقراطية ولا حكم رشيد. لا عقل نشغله ولا فكر نستخدمه، ومع ذلك لا نخجل حين نصف أنفسنا بالطليعيين. 

لا نتعدى كوننا كتلة انفعالات، كتلة تبث كل أشكال الكراهية. فهل هذا هو قدرنا؟ هل علينا أن نسأم من كل شيء؟ هل علينا أن نسأم من أنفسنا؟

لا أعتقد أننا مثلٌ يحتذى به. إننا مثل يتوخى تجنّبه كل أحد.

فهل نستفيق يومًا من غيبوبتنا؟ ونكف قليلًا عن ثقافة الكراهية. نصفنا يرحّل الآخر ويستقصيه. والنصف الآخر يعاهد نفسه بنفسه. وينذر باستئصال النصف الآخر. نصفنا يرى في النصف الآخر خائنًا، والنصف الثاني يرى الأول فاسدًا وعميلًا. لم يبق بيننا لا النصف ولا الثلث ولا الربع ولا حتى العُشر "الشريف". 

ما سرّ هذه الكراهية التي تجتاحنا كأسراب جراد تأكل الأخضر واليابس. لا تقولوا بعد اليوم نحن استثناء إلا إن كنتم تقصدون أسوأ استثناء خلقه الله. لأنه لا شيء يبرر ما نحن عليه سوى شيئ واحد؛ أنّ الله يعطي كل قوم ما يستحقون.. فهل نستحق كل هذا؟


اقرأ/ي أيضًا: 

عندما يتعبك الحُب هل ستنقذك الكراهية؟

الانتخابات.. ساحتُنا لممارسة الكراهية

هل الحب مخيفٌ أكثر من الكراهية؟