12-سبتمبر-2020

صورة توضيحية - gettyimages

في القرن الرابع عشر للميلاد، جاء أحمد الفالوجي -أحد أسياد الطريقة الصوفية، الذي استحوذ على هذا اللقب لكونه قادمًا من بلدة الفالوجة العراقية- إلى "بيت المقدس"، بعد أن أنهى حجّه إلى مكة المكرمة، اعتقادًا منه أن من لا يكحل عينيه بأولى القبلتين ويصلي في حرمه يكون حجّه ناقصًا.

 يقدس الفلسطينيون الأرض، لأنها بنظرهم المكان المقدس الذي يُرسل الله جنوده إليه ليساعدهم في تمسكهم بأرضهم

في طريق عودته إلى العراق، أصيب بحمى ألزمته على النزول في أرض " بزريق الخندق"، وتوفي وبُني له فيها مقام، وأصبح يطلق على القرية اسم الفالوجة نسبة إليه. استقر أتباع "سيدي أحمد" في قرية الفالوجة، وشاركوا سكانها مهنة الزراعة وصناعة الفخار.

اقرأ/ي أيضًا: طائرة كريات غات.. ونكبة الفالوجة

بتاريخ 14 من آذار/مارس من عام 1948، اشتبكت القوات الصهيونية مع سكان القرية بعد أن حاصرتها، وكانت بداخلها -إضافة لأهلها- قواتٌ مصريةٌ بقيادة الضابط السيد طه، من كبار ضباط الجيش المصري، والعديد من الضباط الأحرار، ومن بينهم الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر.

واستمرت مقاومة الأهالي والقوات المصرية إلى أواخر شباط/فبراير 1949. ثم بعد الهدنة الشاملة، وانسحاب الجيش المصري في آخر يوم من هذا الشهر، استولت القوات الصهيونية على البلدة، ثم بدأت بتطهير عرقي لجميع من بقي من سكانها، استمرَّ حتى نهاية شهر نيسان/إبريل من السنة ذاتها.

يتناقل أهل الفالوجة رواية شفهية بأن "شيخًا كان يرتدي اللون الأبيض خرج من منطقة المقام وتفوح منه رائحة البخور، وأخذ يناضل معهم ضد العصابات اليهودية!". يقدس الفلسطينيون الأرض، لأنها بنظرهم المكان المقدس الذي يُرسل الله جنوده إليه ليساعدهم في تمسكهم بأرضهم.

يتناقل أهل الفالوجة رواية أن شيخًا كان يرتدي اللون الأبيض خرج من منطقة المقام وتفوح منه رائحة البخور، وناضل معهم ضد العصابات اليهودية

وفي شهر آب/أغسطس 2020، بعد 71 سنة من سقوط الفالوجة، وقعت دولة الإمارات اتفاقية تطبيع كامل مع "إسرائيل"، وبموجبها انطلقت طائرة إسرائيلية تحمل وفدًا رسميًا إسرائيليًا برفقة وفد أمريكي إلى الإمارات. حملت الطائرة اسم "كريات جات"، المستوطنة الصناعية الضخمة المقامة على أنقاض قرية الفالوجة الفلسطينية، وفي مقدمتها كُتِبت كلمة "السلام" باللغة العربية والإنجليزية والعبرية، لتُسقط هذه الحروف نضال سكان القرية وتهجيرهم القسري خارج أرضهم التي دافعوا عنها لآخر رمق.

اقرأ/ي أيضًا: "دستور الجن" و"حتتكْ بتتكْ" وخرافات فلسطينية أخرى

بعد 71 سنة من صمود الفالوجة ثم سقوطها، تصمد قرى فلسطينية مختلفة في وجه الاحتلال الإسرائيلي رافضةً لسيطرته، مثل قرية شوفة جنوب شرق مدينة طولكرم، ومن أجمل قراها، حيث تقع على جبل مرتفع مقارنة بالقرى المجاورة لها، ويبلغ ارتفاعها حوالي 360 مترًا عن سطح البحر، وتفصلها مسافه ليست كبيرة عن البحر الأبيض المتوسط، أي ما يقارب 20 كم، وهي تتعرض لتجريفٍ وتدميرٍ لأكثر من 200 دونم من الأراضي الزراعية بواسطة الجرافات الإسرائيلية، من أجل إقامة محطة تقوية لشركة الكهرباء الإسرائيلية.

تقول الروايات، إن سبب تسمية "شوفة" بهذا الاسم هو أنك تستطيع أن "تشوف" -يعني ترى- الكثير من القرى والمدن في فلسطين من على قمة الجبل الذي تقع عليه القرية. فإن أردت أن ترى فلسطين اصعد على قمة جبل القرية واحمل علم فلسطين وقاوم الاستيطان، ولكن أحيانًا لن تشفع لك طبيعة "شوفة"، ولن تستطيع رؤية بلادك، بل سيدوسك جندي إسرائيلي بحذائه كما حصل مع  الناشط ضد الاستيطان خيري حنوان (64 سنة) أثناء محاولته حماية أراضي قرية شوفة من المصادرة، حيث داس جندي إسرائيلي على عنقه، لكنه رفض أن يُلقي علم فلسطين.

تقول الروايات، إن سبب تسمية "شوفة" بهذا الاسم هو أنك تستطيع أن "تشوف" -يعني ترى- الكثير من القرى والمدن في فلسطين من على قمة الجبل الذي تقع عليه القرية

لم يرَ حنون السماء لأكثر من خمس دقائق، بل التصق وجهه بالأرض التي يدافع عنها تحت قدم جندي إسرائيلي، رافضًا مصادرة الأرض، ومقتنعًا بأن صورة الاحتلال البشعة لا يمكن أن تخفى على شعبنا وشعوب الدول التي تحاول التطبيع معه، ومؤكدًا انه لا يخشى الاعتقال أو الضرب كونها ضريبة مستحقة على كل مواطن يدافع عن أرضه ووطنه.

شاهد/ي أيضًا: فيديو | شوفة تقاوم الاستيطان

ولاقى الاعتداء على خيري ردود فعل كبيرة من قبل الفلسطينيين ونشطاء عرب وعالميين، وربطه كثيرُ منهم باغتيال جورج فلويد الذي مات مخنوقًا بطريقة وحشية من قبل شرطي أمريكي، وهو يقول: "لا أستطيع التنفس".

تصوير جعفر اشتية - gettyimages

ليس بعيدًا عن شوفة، مازالت صورة الحاجة محفوظة اشتية (71 سنة) محفوظة في أذهان كثيرين، وهي تحتضن جذع شجرة الزيتون رفضًا لمحاولات المستوطنين من مستوطنة "ألي موريه" الاستيلاء على أراضي قريتها وقطع أشجارها بالمناشير الكهربائية. تقول: "لقد احتضنت الشجرة كأنها أحد أبنائي، لم أتحمل رؤيتهم يخربونها ويقطعون أغصانها".

محفوظة اشتية - تصوير: عاطف دغلس

تعيش محفوظة في قرية سالم شرق مدينة نابلس، تبلغ مساحةُ أراضيها 10,288 دونمًا، وتشتهر باحتوائها على مدافن ومناطق أثريَّة. وتحمل "سالم" الاسم الكنعاني القديم الذي يعني "الأصنام"، ويُعتقد أَنَّهُ كان في هذهِ المنطقة أصنام للعبادة في العهد الكنعاني، وسُمّيَت في العهدِ الكنعاني "سانيم".

وتتعرض القرية إلى مضايقات كثيرة وتهديد مستمر بمصادرة أراضيهم لصالح المستوطنين، تحت حماية جنود الاحتلال وأسلحتهم. "هم يريدون منا أن نرحل ويعرفون قيمة الشجرة لذلك يقهروننا بقطعها" تقول محفوظة.


اقرأ/ي أيضًا: 

زواج فلسطينيّات وإنجابُهن.. الماء وسيطًا!

المهور حين كانت قمحًا أو ثورًا أو أرضًا..