27-أكتوبر-2021

قادة الدفاع عن يافا على أنقاض معمل "السبيرتو" في طريق يافا القدس | المصور مجهول

"لم يعد الرائد عبد الوهاب الشيخ علي إلى يافا، لأنه كان شريفًا في مهنته العسكرية،

فلم يقبل تحمّل مسؤولية الدفاع عن مدينة بدون قوة قادرة على الوقوف أمام الخطر الداهم".

[يوسف هيكل. جلسات في رغدان. عمّان: دار الجليل، 1988، ص 44]

***

"لما اطّلع [العلي] على سلاح يافا ذُهل! ووجد القائد الواعي أن وجوده مقاتلاً مع شعب أعزل

هو ضربة لاسمه وشرفه العسكريين. [...] وعيّنت اللجنة العسكرية آمرًا جديدًا اسمه عادل نجم الدين

كان اسوأ خلف لخير سلف" .

[محمد سعيد إشكنتنا. "أسرار سقوط يافا، سجل تاريخي يفضح المؤامرات على عروس يافا.

القدس: المطبعة الفنية، 1964، ص 86]

***

"ميشيل [العيسى] دخل لمّا انقلع عادل نجم الدين.

إجانا عبد الوهاب الشيخ علي أول واحد، الرجل الطاهر الشريف" .

["أبو درويش الفلاحة" في: يافا عطر مدينة. إشراف: امتياز دياب.

بيروت: دار الفتى العربي؛ الناصرة: مركز يافا للأبحاث، 1991، ص 134]


كانت الاقتباسات السابقة نماذج لشخصيات مختلفة من أهالي يافا، نشط بعضها في معركة المدينة الأخيرة، فيما كان بعضهم على هامش ذلك. وكانت هذه النماذج ممثلة لما قدمته نصوص السير والمذكرات اليافية التالية للحظة سقوط المدينة في أيار/مايو 1948. بعد معارك طويلة امتدت لشهور.

كانت هذه النماذج ممثلة لما قدمته نصوص السير والمذكرات اليافية التالية للحظة سقوط المدينة في أيار/مايو 1948

وفي بعض خلاصات الورقة البحثية المنشورة عن هذه المذكرات، التي ستنشر في نسخة منقحة عربية قريبًا. أشير إلى أن المذكرات والسير اليافية، احتفت باعتزال قائد الحامية المعين، عبد الوهاب الشيخ علي السريع من قيادة الحامية ومغادرته لمدينتهم. وخذلانه لأهل المدينة لأسباب مجهولة، وأسقطت دورًا بطوليًا على هذا الخذلان.

اقرا/ي أيضًا: في ذكرى يافا المقاتلة

مقابل ذلك، كانت صورة قاتمة للمقدم العراقي أيضًا، عادل نجم الدين، الذي خلف العلي وبدأ نشاطه الفعلي في المدينة يوم 20 شباط/ فبراير 1948، وبقي في قيادة الحامية إلى أن صدر أمر قائد المنطقة الوسطى بالإنابة، فوزي القاوقجي (1890–1977)، بعزله يوم 30 نيسان/ أبريل. وتحوّل نجم الدين -والقوة التي حضرت معه للدفاع عن المدينة- في خلاصة القيادي في حامية المدينة، وعضو لجنتها القومية، صلاح الناظر، إلى قوة هدم بتصرفاتها السيئة، كانت سببًا في إرغام الناس على الهجرة من المدينة، على الرغم من شعورهم بالضرر الواقع عليهم في ممتلكاتهم، بعد أن تأكدوا من عجز الحامية، وهي على ما هي عليه من تفكك واستهتار.

وبعيدًا عن لوائح الاتهام هذه، التي يمكن أن تقرأ أيضًا كلوائح دفاع عن النفس، بتحميل نجم الدين مسؤولية الإخفاق العام. أبرزت وثائق حامية المدينة التي نُشر جزءٌ أساسي منها في كتاب "يافا دمٌ على حجر.. حامية يافا وفعلها العسكري دراسة ووثائق"، خصوصًا في الجزء الثاني يوميات من بارود: يوميات ووثائق حامية يافا شباط/فبراير 1948 - نيسان/أبريل 1948 حضورًا يوميًا لنجم الدين في كل تفاصيل الفعل العسكري لحامية المدينة. وأبرزت كذلك متابعة يومية للمعركة، ومحاولة حثيثة، وإن شابها بعض الإشكاليات اليومية، لتعزيز أداء الحامية في الدفاع عن يافا.

ونفذت الحامية خلال قيادة نجم الدين سلسلة من العمليات النوعية، لتعزيز مواقع الحامية الدفاعية، كان بعضها بالتنسيق مع قيادة القطاع الغربي في المنطقة الوسطى، أي قيادة الشهيد حسن سلامة حسن (1905-1948)، لعل من أبرزها نسف بعض الاستحكامات الصهيونية الرئيسية على طريق القدس يافا. فخلال شهر كانون الثاني/يناير 1948، أي قبل تولي نجم الدين القيادة، حاولت حامية المدينة نسف معمل "السبيرتو"، ومعمل "السكب" المجاور. إذ تحول المعملان لقلاع حصينة استخدمتها قوات "الهاغاناه" للسيطرة على طريق القدس- يافا.

نفذت الحامية خلال قيادة نجم الدين سلسلة من العمليات النوعية، لتعزيز مواقع الحامية الدفاعية

يوم 29 شباط/فبراير 1948 صدر القرار النهائي من القيادة العامة للحامية، وقيادة المنطقة بنسف الاستحكامين. وتبرز وثائق الحامية حشد قوات لإنجاز العملية من غير جبهة من جبهات يافا. وبعيدًا عن تفاصيل العملية التي انتهت بسقوط عدد من المقاتلين الصهاينة -عشرة مقاتلين- ونسف استحكامات المعملين، أفردت الصحف في اليوم التالي للهجوم تغطية لمؤتمر صحفي عقده القائد سلامة، تبع المؤتمر الذي كان شارك فيه نجم الدين، خروجُ قافلة من السيارات العربية ظُهر 1 آذار/مارس 1948 ، وعلى متنها حسن سلامة قائد منطقة اللد، وآمر حامية يافا عادل نجم الدين، رافقهم فيها عدد من محرّري الصحف العربية ووكالات الأنباء، في تظاهرة احتفالية، لمشاهدة أنقاض معمليّ "السكب" و"السبيرتو"، ولشرح كيفية تنفيذ العملية للصحافة، وخُتمت بأخذ الصور التذكارية.

اقرا/ي أيضًا: أسرار دفينة.. عن سر صاحب أسرار يافا!

كان هذا الخبر الذي نشرته الدفاع وأشارت إلى مثله صحف أخرى، أول إشارة لوجود صور لعادل نجم الدين في المدينة، لكن لم تنشر الصحف اليافية أو صحف أخرى عربية وصهيونية -في حدود تقصي الباحث خلال السنوات الماضية، الذي امتد لصحف فلسطينية وسورية وأردنية ومصرية وعراقية- مثل هذه الصورة. واختفت أي صورة أو أثر لصورة في جل المصادر الثانوية المنشورة عن يافا وحاميتها خلال السنوات الأخيرة سواء كانت عربية أو انجليزية أو عبرية.

اختفت الصورة، واختفى عادل نجم الدين وحضوره، رغم أثره الجلي في معركة الدفاع عن يافا، لكن يبقى الأمل!

عام 1962 ختم عارف العارف سلسلته "النكبة: نكبة بيت المقدس والفردوس المفقود" بجزء أخير، صدر عن المكتبة العصرية للطباعة والنشر، كان عنوانه الفرعي (بالصور). ونشر الكتاب باللغتين العربية والإنجليزية، مقسمًا إلى اثني عشر فصلاً، فصل أول بعنون "اليهود والانتداب البريطاني"، ثم فصل انتقل فيه العارف لخلفيات الحرب فكان بعنوان "ذيول التقسيم"، أما بقية الفصول فكانت لتغطية الحرب وفقًا لتصنيفات محددة، وانتهى الكتاب بالفصل الحادي عشر "ذيول المأساة"، والثاني عشر "المرأة العربية".

لقدم هذا النص، فإن نسخه المتوفرة محدودة، كما أن كثير من نسخه المتوفرة في المكتبات العامة، صعبة المنال إن لم تتعرض كثير من صفحاتها للتلف، الذي يحرم الباحث من التعرف الدقيق على محتويات النص. وعندما أعادت مؤسسة الدراسات الفلسطينية نشر كتاب العارف، ارتأت ألا تنشر الكتاب الأخير، أي كتاب الصور، وأن تجمع بقية الأجزاء في 3 مجلدات. ربما لأنها نشرت سابقًا كتابها المصور قبل الشتات، رغم قيمة صور العارف المركزية وندرتها.

 عادل نجم الدين متوسطًا طاقم مستشفى الحكومة بالعجمي (يافا) 

المصور مجهول

قبل أيام، وقعت بين يدي نسخة عالية الجودة والتجليد من الكتاب، وعندما بدأت بتصفحه، بدأت من صفحاته الأخيرة، بعد أن وصلت إلى الصفحة 456 لفت انتباهي صورة عنونت "المقدم عادل نجم الدين". وقبل أن أدقق في تفاصيل الصورة، حيث بدت نساء يافا تحفظ حضور وذكر نجم الدين، بدأت القفز عن الصور بحثًا عن الصورة المفقودة. أي صورة نجم الدين وسلامة ومن معهما على أنقاض استحكامات الهاغاناه.

وأخيرًا وجدتها!

 قادة الدفاع عن يافا وصحفي المدينة، التقطت يوم 29 شباط/فبراير 1948 على أنقاض معمل "السبيرتو" في طريق يافا القدس

المصور مجهول

"فريق من المجاهدين والصحفيين في يافا، أخذت هذه الصورة بعد نسف معمل السبيرتو اليهودي. وقد نسفه المجاهدين في اليوم الأول من شهر آذار/مارس 1948، ذلك لأنه كان قائمًا عند مدخل يافا". لم أقف كثيرًا عند خطأ العارف في تزمينه، وهذا عائد إلى اعتماده على يومياته المدونة عن الصحف العربية، فكان يدون كما يبدو تواريخ الحوادث كتواريخ نشرها لا وقوعها. وبدأت بقراءة ما دونه العارف في الإنجليزية. تعليقًا على الصورة ومما جاء فيها: "أخذت هذه الصورة بعد تدمير مقاتلين عرب لمعمل الكحول اليهودي في يافا. الواقع في مدخل المدينة، والذي استخدمه اليهود كقاعدة للقنص على المواصلات العربية".

اتهم نجم الدين إن حضر، واسكتت حكايته، كم حجبت صورته، ودوافع ذلك كثيرة، لعل بعضها تحوله لحامل "الاتهام" في سبيل "الدفاع" عن الذات

وعرفنا العارف بمن في الصورة، فكانوا من اليمين إلى اليسار: عبد الرحمن العمري، الملحق الصحفي في قيادة حامية يافا، رفيق الأصفر، عضو اللجنة القومية عن الأمن، القائد شوقي، قائد المتطوعين اليوغسلاف، المقدم عادل نجم الدين، قائد حامية يافا، الشيخ حسن سلامة قائد القطاع الغربية في المنطقة الوسطى، داود العيسى مدير جريدة فلسطين اليافية، والملازم إبراهيم الأعظمي الضابط في قيادة حامية المدينة، صادق الشنطي مدير جريدة الدفاع اليافية، ومرافق الشيخ حسن سلامة.

اتهم نجم الدين إن حضر، واسكتت حكايته، كم حجبت صورته، ودوافع ذلك كثيرة، لعل بعضها تحوله لحامل "الاتهام" في سبيل "الدفاع" عن الذات. ولعل بعضها مرتبط بانحيازات واختيارات سياسية تالية. وإن كان لنجم الدين أن ينطق، فلعله كان سيتصرف ببعض أبيات نجيب السرور.

فيقول:

"يا بني فلسطين.. التحيات لكم..

يا بنينا.. وعليكم وعلى يافا السلام..

نحن موتاكم، وللموتى كلام..

أقسموا أن تذكروه،

واسألوا أبناءكم أن يذكروه،

وانقشوه في ضمير الدهر من جيلٍ لجيل..

واحذروا النسيان.. فالنسيان موتٌ..

كل ما يُذكر يحيا..

كل ما يُنسى يموت..

التحيات لكم..".


اقرأ/ي أيضًا: 

عن انتفاضة السلاح، استعادة لأثر!

أكرم زعيتر.. عن جيش الدفاع!