16-يونيو-2017

AFP PHOTO / MOHAMMED ABED

المنسف أو الملوخيّة، يجب أن يحضُر أحدهما على مائدة اليوم الأوّل من رمضان. وفي كُلّ عشرة من أيّام الشهر الكريم، لا بُدّ أن يكون "المفتول"، لكن ماذا عن قصّة رغيف الخُبز الذي يُعلّق في صدر البيت بداية الشهر، ثم يُفتت ويُنثر على الأوعية والخوابي مع نهاية الشهر؟!

 ثلاثة أصناف من الأطعمة التي تُطبخ في رمضان، ترتبط بطقوس شعبيّة، توارثتها الأجيال.. إليكم حكاياتها 

قيل قديمًا "أنت ما تأكُل"، والأكل جزء من الهوية الثقافية للمجتمعات والأفراد، وللعرب في "أدبهم المطبخيّ" أصول وفنون، وأبعاد تاريخيّة وأسطورية، وبعض أطعمتهم لها مواسم وتواقيت، مثل ما يحدث في شهر رمضان المبارك. حيث تُعدّ الولائم الشهيّة، وأطباق الحلويات التي تُثير لعاب الصائمين، وكثيرٌ من تلك الأطعمة والمشروبات لها جذور قديمة في موروث الناس وعاداتهم، ومنها:

أوّله أبيض أو أخضر؛ جرت العادة أن يُستقبل الأول من شهر رمضان على مائدة الإفطار بصنع أطعمة كما يقول المثل: "أوله أبيض أو أخضر"، كناية عن منسف اللبن (أبيض) أو مُلوخية خضراء، أو أي طعام يندرج تحت هذين اللونين. لاعتقاد الناس بأنها من ألوان السعد واليُسر والتوفيق، ولما لها من بُعد قداسي في الموروث الشعبي. ويأملون بذلك أن يكون كُل الشهر يَسيرًا في الصيام سَهلًا مُريحًا سَريع الانقضاء.

وهذا الاعتقاد نابع من معنى الألوان في التراث العربي، فاللون الأخضر هو رمز الخُصوبة والبركة والخير الوفير. ونسمعهم يقولون داعين للمسافر "دربك خضرة"، ويقال للرجل المُتقن للزراعة "ايده خضرة"، ولمن يحدث الخير في طريقه وممشاه "رجله خضره"، ونجد اللون الأخضر حاضرًا في الأعراس، كطلق الليمون أو الريحان الذي يُوضع في إناء مليء بالماء، ويُقدم للعروس كي تشربه، اعتقادًا بأن ذلك له أثر حسن في حياة الزوجين.

أمّا اللون الأبيض فهو اللون المُقترن بالطهارة والسلام وصفاء النفس والإيمان، وعادة ما يكون علامة للصفات الحميدة، ويقال للرجل الطاهر القلب: "قلبه أبيض". ونجده في لباس الإحرام في الحج والعمرة، وكذا في لباس العروس وفراش منزلها في ليلة العُرس.

اقرأ/ي أيضًا:السوق نازل.. عن رمضان الزمن الجميل

المفتول في رمضان؛ أو المرمعون أو البحبثون من الأكلات الشعبية الشهيرة في العالم العربي، وتزعم الروايات الشعبية بأن أول من أكله النبيّ سليمان، وقد صنعه له طبيبه من الجن حين اشتكى أرقًا وقلة في النوم.

ومن الطريف أنّه كان يُشترط بأن يُطبخ المفتول ثلاث مرّات في شهر رمضان، اعتقادًا بأن تقديم هذه الطبخة له ثوابٌ كبير، وسيكون للصائم بركةٌ في هذا الشهر، كبركة حبّات المفتول وكثرتها في القِدر.

وهذه الأكلة الشعبية لها بُعد قداسيّ بين أكلات المطبخ العربي في المشرق والمغرب العربي على السواء، وكان البعض يطبخها يوم الجمعة لتكون طعام اجتماع العائلة، أو في الولائم التي تُصنع عن روح الأموات.

اقرأ/ي أيضًا: "المناطق الحدوديّة" بغزة.. رمضان بلا طمآنينة

الخبز وتعليقه في البيت؛ للخبز قداسة كبيرة في الاعتقاد الشعبي، وهناك عشرات القصص التي تفسر الاعتقاد بقداسة الخبز ومن ذلك قولهم: بأن الخبز نزل أول مرة من السماء ملفوفًا بسبع طيّات من الحرير. وكانوا إذ عثر أحدهم على قطعة خبز على الأرض حملها وقبّلها ومررها على جبينه، ثم وضعها في مكان مرتفع كي لا تدوسها الأرجل.

ومن جُملة المعتقدات الشعبية المُرتبطة بالخبز أنّ النُّسوة كُنّ يُسارعن في اليوم الأول من رمضان إلى خبز رغيف خبر من القمح البلدي، وتعليقه في صدر البيت كي تحلّ البركة في الدار طوال شهر رمضان.

وفي اليوم الأخير من شهر رمضان وقبل انقضاء الشهر وحلول العيد يُسارع أهل البيت لتفتيت رغيف الخبز وتوزيعه على أوعية المونة من قمح وحمص وفول وبقوليات، كي تبقى البركة في هذه الأوعية والخوابي لما بعد رمضان. فكأنّهم يريدون بذلك نقل هذه البركة التي تجمعت بهذا الرغيف في شهر رمضان للأيام والشهور التالية، ولذا يجعلون منه قطعًا صغيرة توزع على الحُبوب والبقوليات.

وهذا الاعتقاد الشعبي لم يكن يقتصر على المسلمين وحدهم، فالمسيحيّون أيضًا كان لهم طقس شعبيّ مشابه، أثناء صيامهم. ومنبع هذه الطقوس في بلادنا نابع من الاعتقاد العام بقداسة الخبز، والذي رُبما يكون سابقًا لكل الأديان لما يُمثله الخبز من أهمية في حياة المجتمعات البدائية.


اقرأ/ي أيضًا:

رمضان يعيد "الحردانات" لبيوتهن

"طبيلة رمضان".. هل سمعتم بهم؟

"لحم الفقراء" في تراث فلسطين