02-نوفمبر-2021

فوق سطحٍ مربعٍ من الجلد اللين، وعبر أدوات حفر ونقش خاصة يُنتج الشاب عادل الطويل (26 عامًا) لوحاتٍ فنيةٍ بطريقة الطباعة القديمة، يستحضر من خلالها مشاهد جميلة من الذاكرة الفلسطينية، ويجسد جانبًا من معاناة اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات اللجوء.

أطلق اسم "ميماس" ( بيت الجرافيك-غزة) على مشروعه، نسبة إلى أحد الأبواب القديمة لمدينة غزة

في ورشته الصغيرة التي يُطلق عليهم اسم: "فن حفر وطباعة الجرافيك"، يُشدك جمال عدة لوحات عُلقت على الحائط، وتخلق لديك انطباعًا بأنها قادمة من زمن بعيد خاصة أنها مطبوعة باللونين الأبيض والأسود.

شاهد/ي أيضًا: رنا ترسم بالرماد حكايات عن الحياة والموت

يقول الطويل، إن أفكار لوحاته يستمدها من محيطه المُعاش في زوايا وأزقة مخيم النصيرات الذي ولد وترعرع فيه على وجه الخصوص، ومدينة غزة وفلسطين بشكل عام. ولذا أطلق اسم "ميماس" ( بيت الجرافيك-غزة) على مشروعه، نسبة إلى أحد الأبواب القديمة للمدينة.

وتمر عملية طباعة هذه اللوحات الفنية، وفق الطويل، بعدة مراحل، أولها اختيار الفكرة ثم رسمها على قطعة من الجلد اللين يطلق عليها (لنيوليوم)، ثم يبدأ بعد ذلك بحفر الرسم باستخدام أدوات خاصة جلبها من مصر لعدم توفرها في قطاع غزة، وانتهاءً بتحبير هذه اللوحة -التي يطلق عليها اسم "الكليشة"- وطباعتها يدويًا على قطعة من الورق المقوى والمائل لونه إلى الصفرة.

ويشير الطويل إلى أن هذا الفن له قوانين دولية خاصة تحكمه تم إقرارها في جنيف، إذ يتم توقيع العمل فور طباعته، وكذلك ترقيمه بعدة صيغ، فمثلاً هذا الترقيم (1/3) يعني أن هذه هي النسخة الأولى التي طبعت من هذا العمل، ولا يجوز طباعة أكثر من ثلاث نسخ منه.

يشير الطويل إلى أن هذا الفن له قوانين دولية خاصة تحكمه تم إقرارها في جنيف

ويدين الفنان الشاب الذي تخرج من كلية الفنون الجميلة للفنان الأردني حكيم جماعين تعلمه لهذا الفن في العام 2017، خلال دورة نُظمت في مدينة غزة، وكذلك بمساعدته بعد ذلك في بناء فكرة نواة مشروعه الذي يعد الأول من نوعه في قطاع غزة.

شاهد/ي أيضًا: ضحى تصنع من نحت الرخام فنًا

ونظرًا لعدم توفر أدوات العمل الخاصة لبدء المشروع، سافر الطويل إلى مصر بحثًا عنها. وتمكن من جلب أدوات العمل الخاصة بهذا المشروع الفني لكن ليس بسهولة.

يوضح الطويل، أن عزوف الشباب عن هذا الفن واقتصاره على بعض كبار السن عربيًا كان سببًا في إقباله على تعلمه، مشيرًا إلى أن الثقافة الفلسطينية ثرية بالموضوعات والعناصر التي من الممكن الحديث عنها وإبرازها عبره.

وبيّن، أن كل ما ينتج عن هذه الطباعة يعتبر منتوجات فنية ذات قيمة، "ولذا فإن هدفنا هو إنتاج أعمال فنية توصل رسالة للعالم عن طبيعة الحياة في فلسطين واهتمامنا بهذا النوع العريق من الفنون" كما يقول.

وشارك الطويل في عدد من المعارض المهتمة بنشر وعرض الأعمال الفنية، تحت عناوين مختلفة: "ذاكرة المخيم" و"شيء من الذاكرة". وغمرته السعادة عندما علقت لوحاته الفنية في البلدة القديمة بالقدس خلال معرض نظمته مؤسسة فنية.

نظرًا لعدم توفر أدوات العمل الخاصة لبدء المشروع، سافر الطويل إلى مصر بحثًا عنها

ويطمح الطويل مستقبلاً لنشر هذا الفن في قطاع غزة عبر عقد دورات تدريب، وهو حاليًا يُدرّب مجموعة من الفنانين.

أول لوحة فنية أنتجها الطويل كانت سمكة ضخمة في قاع البحر تكاد تفتك بشخص يسبح على وجه الماء. ويشرح الطويل فكرة اللوحة بالقول إنه كان يفكر بالهجرة خارج قطاع غزة مع صديقه قبل أن يعدل عن قراره، فيما أخبره صديقه بعد هجرته أن الموت كان قريبًا من رأسه أثناء هجرته عبر البحر.

وفي لوحاتٍ أخرى، جسد الطويل معاناة اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات اللجوء، إحداها أظهرت ضيق شوارع المخيم، وكمية التلوث البصري الرهيب الذي أحدثته أسلاك الكهرباء العشوائية المنتشرة فوق الأزقة. كما أنتج صورة أخرى لطفل صغير يجلس على باب منزله المبني من الطوب والصفيح، مستحضرًا ذكرى طفولته الجميلة في المخيم.

وفي لوحة ثالثة عن المخيم صنع عادل لوحة تُظهر تثبيت إحدى عائلات المخيم "طبق الساتلايت" فوق مدخل منزلهم المتهالك، منوهًا أن هذا هو الجزء الخرساني الوحيد في البيت الذي يصلح لتثبيت الطبق.

ويتطلع عادل إلى تسويق منتوجاته من اللوحات الفنية عبر تسويقها خارج فلسطين، وهو الآن بصدد تجهيز الهوية البصرية الخاصة بالمشروع، وإطلاق الموقع الإلكتروني الخاص لعرض اللوحات عبره للبيع.

ويتوقع عادل، أن يوفر له هذا المشروع مصدر دخل مستقل يمكنه من بناء مستقبله، خاصة في ظل ندرة فرصة العمل في مجال الفنون في قطاع غزة والذي يشهد ارتفاعًا قياسيًا في أرقام نسبة البطالة في صفوف الخريجين.


اقرأ/ي أيضًا: 

"الكلور" من مادة للتنظيف إلى لوحات فنية

صور | فاطمة الهشلمون.. الرسم للعتمة

دلالات: