25-مارس-2017

مسجد في مدينة نابلس لحظة الغروب (عدسة: جعفر اشتية)

"مدينة المساجد"، يمكن إضافة هذا الاسم إلى قائمةٍ من الأسماء التي تلخص تاريخ نابلس، فالمدينة تضم 100 مسجدٍ تقع 9 منها في البلدة القديمة، بدأ إنشاؤها منذ الفتح الإسلامي الأول للمدينة في القرن السابع الميلادي.

وتشير الأنماط المعمارية لمساجد نابلس التاريخية إلى المراحل التي بُنيت فيها، فبعضها لها مداخل تشبه الكنيسة، ومنها ما له بركة في وسط ساحته. وأما المآذن فهي متنوعة الشكل؛ منها المثمنة والمربعة والاسطوانية.

يوجد في البلدة القديمة بمدينة نابلس 9 مساجد تاريخية بدأ إنشاؤها منذ الفتح الإسلامي الأول لفلسطين

هذه الجولة نأخذكم فيها للاطلاع على تاريخ 9 مساجد في البلدة القديمة بمدينة نابلس: 

الساطون أقدم المساجد

يقول المؤرخ لطفي زغلول في إحدى دراساته، إن مسجد الساطون هو أول مسجد بني في المدينة بعد فتحها في القرن السابع الميلادي، ويقع في حارة الياسمينة، وقد لاقى اهتمامًا كبيرًا في فترة الأمويين والعثمانيين.

اقرأ/ي أيضًا: الختامة.. فرحة اندثرت في نابلس

أما المؤرخ عبد الله كلبونة مدير دائرة الآثار والترميم سابقًا في وزارة السياحة والآثار، فتحدث في نفس السياق لـ "ألترا فلسطين" أن المسجد الساطون الذي يسميه البعض بـ"الساطور" ويقع في حارة الياسمينة في الجهة الغربية من المدينة، أُقيم في عهد عمر بن الخطاب مابين 634-644 ميلادي.

وتشير النقوش الموجودة في المسجد إلى إعادة بنائه في عام 1288.

ويعود بناء مسجد الساطون إلى عائلة الشهيد التي ثارت على الحكم الفاطمي في فلسطين بقيادة جدهم الأكبر الشيخ أبو بكر النابلسي الرملي الشهيد، وقد مر في عدة أدوارٍ تاريخيةٍ من حيث البناء والترميم، وتمت إعادة بنائه في العهد المملوكي، وبناء مئذنةٍ مملوكيةٍ له تميزت بوجود 12 وجه لها، وذلك في عام 1357 على يد عماد الدين إبراهيم الشهيد.

وعن سبب تسميته بالساطون يقول كلبونة، إن ذلك يعود لوجود عمودٍ حجريٍ اسطواني الشكل وضخمٍ قائمٍ الآن في وسط الإيوان الشرقي الشمالي، ويعتبر من الشواهد الأثرية على قدم الجامع.

"الصلاحي الكبير" وابن بطوطة

ما إن تطأ قدماك درج المسجد الصلاحي، حتى تسري في روحك طمأنينةٌ كبيرةٌ تزداد وأنت تطوف بين أرجائه الفسيحة. فهو "نهاية من الإتقان والحسن، وفي وسطه بركة ماءٍ عذبٍ" كما وصفه الرحالة العربي ابن بطوطه بعد زيارته لمدينة نابلس عام 1355.

بناءُ المسجد الصلاحي بيزنطي وإسلامي، وسقفه مملوكي، والقبة عثمانية، وزخارفه فاطمية ومملوكية، وأما تيجان أعمدته فهي بيزنطية ورومانية. تقابلك بوابته الرئيسة مزيّنة بالكورنيش الذي يزخرف أعمدته الرخامية، مؤلفة من خمسة أقواس كلٌ منها داخل الآخر، والقوس الخارجي مزينٌ بنقوشٍ على الطريقة الرومانية.

يقول زهير الدبعي المدير الأسبق للأوقاف والشؤون الدينية في نابلس، إن المسجد الصلاحي هو أكبر مساجد نابلس وأشهرها. يقع شرقي المدينة وتبلغ مساحته 1400 متر مربع، ومجموع أعمدته 55 عمودًا.

ويبين الدبعي لـ"ألترا فلسطين"، أن أصل المسجد كنيسة بيزنطية تعرضت للهدم والبناء عدة مرات، وفي زمن صلاح الدين الأيوبي تم تحويل المكان إلى مسجدٍ وبناء القبة والمحاريب. وتأخذ مئذنته شكلاً ثمانيًا وتقع وسط الواجهة الشمالية فوق المدخل.

وحسب كلبونة، يوجد فوق الجهة الجنوبية للمسجد الصلاحي نقشٌ يستدل منه على التعمير الذي أجري في زمن سليمان باشا سنة 1736، كتب فيه: "إذا ما جئت نابلسا فبادر وعرج نحو جامعها الكبير، تجده عامرًا يدعو بالخير لمولانا الوزير سليمان باشا أمير الحج، حباه الله بالأجر الكثير".

وحظي المسجد الصلاحي بأعمال ترميمٍ عديدة، وكل حاكمٍ أشرف على أعمال الترميم ترك فيه ما يدل على عهده، فالرومان رمموا المبنى عندما كان كنيسة وتركوا أحرف أسمائهم باللاتينية منقوشة على أعمدته، والمماليك رمموا السقف وتركوا نقوشًا كوفية تدل عليهم.

أما الإيوان والبرك والمئذنة والغرف السفلى، فقد بنيت في عهد الإصلاحات التركية. وأعيد ترميم المسجد عام 1935 بعد أن تهدم جزءٌ كبيرٌ منه في زلزال عام 1927 الذي أصاب نابلس، كما أعيد ترميمه عام 1996 بعد أن نخرت الرطوبة جدرانه وحولته وكرا للأفاعي والزواحف.

ويشير الدبعي إلى أن المسجد الصلاحي تعرض لاعتداءاتٍ إسرائيليةٍ كبيرةٍ إبان اجتياح نابلس في عام 2002، إذ حطم جنود الاحتلال عامود رخامٍ في المدخل الشرقي، وباب المئذنة، والباب الشمالي، وتم إتلاف المكتبة.

المسجد الصلاحي في نابلس حطم جنود الاحتلال أحد أعمدته، وجميع أبوابه بما فيها باب مئذنته، وأتلفوا مكتبته

وفي عام 2003 تم تحطيم جميع أبواب المسجد، وأدخل جنود الاحتلال الكلاب إلى رحاب المسجد وعاثوا فيه خرابًا. وفي اجتياح عام 2004 تم تفجير المحلات التجارية الملاصقة للمسجد، ما أحدث تصدعاتٍ وتشققاتٍ في جدرانه تم فيما بعد ترميمها.

مسجد النصر

بقبته الخضراء المرتفعة التي تعتبر من أعلى القباب في فلسطين، بعد قبة الصخرة، وضخامة مبناه، أصبح رمزًا يميز مدينة نابلس. يبعد نحو 150 مترًا عن الجامع الصلاحي، إنه مسجد النصر، الذي تعود تسميته إلى النصر الذي أحرزه المسلمون بقيادة صلاح الدين الأيوبي بعد المعركة الفاصلة مع الغزاة الفرنج سنة 1187، بعد معركة حطين وقبل فترة بسيطة من تحرير القدس، حسب الدبعي الذي عمل إمامًا له في السابق.

اقرأ/ي أيضًا: مكتبات مثقفي نابلس.. سيرة ضياع وتفريط

ويصف الدبعي  مسجد النصر، بـ"قصبة نابلس القديمة"، المكونة من ست حارات ومسجد النصر، وساحته كانت ومازالت مركزًا للأنشطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، "وخير دليل المنارة العثمانية التي تعلو قمتها ساعة كبيرة".

ووفقًا للمؤرخ كلبونة، فإن أصل مسجد النصر معبد في الفترة الرومانية، وبعد احتلال الصليبيين لفلسطين ونابلس عام 1099 تم تحويله إلى كنيسة القديس يوحنا، قبل أن يحرر صلاح الدين الأيوبي البلاد ويتم تحويله إلى مسجد مئذنته اسطوانية الشكل تتزين بنقوش.

ولعل أبرز ملامح مسجد النصر قبته الخضراء مثمنة الشكل، وترتكز على أربعة أقواسٍ قائمةً على أقواسٍ صغيرةٍ جعلت سقف الجامع حول القبة مستويًا، وتحيط بها ثماني قبابٍ خضراءٍ صغيرة.

وحسب المؤرخ الدبعي، فإن لون القبة الأخضر يرمز لـ"انتصارات المسلمين"، في حين أن كل ضلعٍ من أضلاع القبة فيه ثلاث نوافذ مقوسة الشكل تساعد في إضاءة المسجد. وعلى جوانبه نوافذ مربعة تعلوها نوافذ بشكل نصف دائري، ونوافذ المسجد مجتمعة تبلغ 72 نافذة، وعدد أعمدته 32 عمودًا منها الاسطواني بلونٍ أبيضٍ رخامي، ومنها المربع باللون الأخضر.

ويفيد كلبونة، بأن جدران المسجد تصدعت في أعقاب زلزال نابلس، ثم في أعقاب الطوفان الذي اجتاح نابلس عام 1933 أصبحت جدرانه آيلة للسقوط، فقرر المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى هدم المسجد وإعادة بنائه من طابقين.

وفي حدود المسجد، مقبرة فيها قبور لبعض مشاهير نابلس، منهم الشيخ محمد منير طه السنونو، وقبور آل فروخ باشا أحد حكام المدينة، إضافة لقبر صالح باشا طوقان.

مسجد الحنبلي

منذ بنائه إبان فتوحات عمرو بن العاص وحتى العهد العثماني، حظي المسجد الحنبلي في حي القصبة بالبلدة القديمة بعمليات تجديدٍ وترميم، كانت إحداها في فترة المماليك، قبل إعادة بنائه في عهد السلطان سليمان بن عثمان، فيما يشير نقشٌ في قاعة الصلاة فوق المدخل الجنوبي إلى أن السلطان سليمان القانوني ساهم أيضًا في تعمير المسجد عام 1527.

ويُعرف المسجد الحنبلي بهذا الاسم نسبة إلى الحنابلة الذين تولوا الإمامة فيه، منذ القرن السابع عشر.

وتوجد في المسجد الحنبلي خزانةٌ فيها ثلاث شعراتٍ يُقال إنها من شعر الرسول محمد، تم إحضارها من الأستانة في اسطنبول، وقد كُتب على منبره "تجدد بناء هذا المسجد وتشرف بالشعرات المحمدية بأمر الخليفة السلطان محمد رشاد خان الخامس سنة 1330 هجري".

مسجد الخضر

مسجد الخضر، علامةٌ أخرى لتاريخ نابلس العريق وحكايتها مع المساجد، ويقع غرب البلدة القديمة عند بداية شارع النصر. وتعود تسمية المسجد، حسب المؤرخ كلبونة، إلى زاويةٍ دينيةٍ كانت موجودة مكانه تحمل الاسم نفسه.

وتتحدث بعض الروايات عن أن الخضر، صاحب النبي موسى الذي وردت قصته في سورة الكهف بالقرآن الكريم، مر من المنطقة وشرب من عين ماءٍ موجودةٍ في المكان. وبنى المسجد شخصان من عائلة عاشور أحدهما بدوي والآخر أمين، عام 1890، ثم أقيمت له مئذنة مثمنة الشكل عام 1894.

تأخذ مآذن المساجد التاريخية في نابلس أشكالاً مختلفًا منها أسطوانية وأخرى مربعة، وقد كتب عن بعضها رحالة عرب وأتراك

ويتميز مسجد الخضر من الداخل بمحرابه وأعمدته الرخامية أسطوانية الشكل، وفيه ساعةٌ خشبيةٌ قديمةٌ لها "رقاص".

"جامع الحزن"

"جامعٌ قديم البنيان، متهدم الجوانب والأركان، فيه بركة ماء كبيرة، ذات الطول والعرض مربعة الجوانب، والأركان مساوية للأرض، والماء يجري فيها من أفواه سواقيها، وحولها الأشجار والبساتين والأزهار والرياحين، وقبل البركة مسجد للصلوات فيه محراب، وسقفه معقود من الأحجار، وفي الداخل مغارة، يقال إن النبيّ يعقوب كان مقيمًا فيها، وأن المسجد كله كان بيتًا له"، هكذا وصف الرحالة عبد الغني النابلسي، مسجد الخضراء الذي يعرف أيضًا بجامع الحزن.

وورد ذكر مسجد الخضراء أيضًا في كتابٍ للرحالة التركي أوليا جلبي الذي زار نابلس عام 1671، وقال عنه إنه بناية مربعة الشكل طول ضلعها 87 خطوة، وفيه صحنٌ وبركة ماء.

ويفيد المؤرخ كلبونة، بأن مسمى "جامع الحزن" أُطلق على مسجد الخضراء نسبة للمغارة التي تحدث عنها النابلسي، ويقال إن النبيّ يعقوب قضى فيها حزنه على ابنه يوسف بعد أن وضعه إخوته في البئر.

ويوضح كلبونة، أن المسجد كان كنيسة رومانية في العهد الروماني، ثم في بداية الفتح الإسلامي لنابلس تم تشييد المسجد على أنقاض الكنيسة التي كانت قد تهدمت، وتحديدًا في عهد الخليفة المعتصم، قبل أن يعيد الفرنجة استخدامه كنيسة لهم بعد احتلال فلسطين، حتى تحرير فلسطين منهم، وإعادته إلى مسجد في عهد السلطان سيف الدين قلاوون الصالحي عام 1290.

اقرأ/ي أيضًا: "متلازمة الأدراج" تُهلك آثار نابلس

وأُطلق على المسجد اسم الخضراء نظرًا لكثرة الأشجار والزهور والخضرة في المكان حتى اليوم.

ويوجد في محراب المسجد نقوش تحمل الطابع الأندلسي، ومئذنته بنيت على نمط مئذنة مسجد الرملة وفقًا للطراز الأموي. وتبلغ مساحة القسم المعد للصلاة في مسجد الخضراء 300 م، وقد اكتُشِفت في موقع المسجد خلال شق الطرق والحفريات مغارةٌ تعود إلى العصر الحجري الحديث، أي لما قبل 7 آلاف عام قبل الميلاد، هذا إضافة لقبورٍ تعود لشهداء ارتقوا عام 1937، في ساحته.

مسجد الأنبياء

تتفق الروايات حول سبب تسمية مسجد الأنبياء، فالرحالة النابلسي تحدث عنه قائلًا، إنه وجد فيه قبرًا عاليًا، ويظن أن أبناء يعقوب دفنوا فيه. وقد وافق على هذه الرواية المؤرخ كلبونة.

يعلو مدخل المسجد نقشٌ حجريٌ يشير إلى أنه بني عام 1762، ويقع في الجزء الشمالي الشرقي من حارة الحبلة في البلدة القديمة.

مسجد التينة

يُعرف مسجد التينة بأنه "الجامع الصغير"، إذ أُسس في حارة القريون كمصلى صغيرٍ لأهالي المنطقة، بعد أن كان زاويةً تقع إلى جانبه زوايا أخرى منها الزاوية الدرويشية. وقد سمي نسبة لشجرة تينٍ كبيرةٍ وضخمةٍ كانت في يوم بنائه موجودةً في المكان، للدلالة عليه وتمييزه عن بقية جوامع البلدة القديمة.

وأورد الشيخ الصديقي البكري ذكر المسجد في كتابه بعد زيارته مدينة نابلس عام 1714، وأسماه بـ"الجامع الصغير". ويشير نقشٌ حجريٌ يعلو منبر المسجد إلى إعادة بنائه وترميمه عام 1889، وأهم ما يميزه مئذنةٌ ذات أضلاع ثمانية وقبة بصلية الشكل.

مسجد البيك

في حارة الغرب، وتحديدًا عند نقطة التقاء شارع النصر مع شارع الشواية، يقع مسجد البيك أو مسجد العين الذي تحمل كل تسمية له قصة خاصة. ووفقًا للمؤرخ كلبونة، فإن المسجد أُقيم نسبة إلى نبع العين الذي كان في الزاوية الجنوبية الشرقية، وقد طمرت حديثًا بعد أن كان الوصول إليها ممكنًا من خلال درج.

أما تسميته بـ"جامع البيك" فقد جاءت نسبة إلى البيك إبراهيم طوقان، الذي أعاد ترميمه عام 1745، وأضاف عليه غرفًا كان الطلبة يسكنونها لتلقي العلم. ولقرب المسجد من قصر البيك طوقان وحمام الجديدة التابع للعائلة، صار يسمى بمسجد البيك.

وتشير علاماتٌ تاريخيةٌ إلى أن المسجد كان كنيسة صليبية، ثم أصبح مسجدًا عام 1187 في عهد صلاح الدين الأيوبي.

صور لمساجد في نابلس، خلال الاقتحام الإسرائيلي للمدينة عام 2002
صور لمساجد في نابلس، خلال الاقتحام الإسرائيلي للمدينة عام 2002
صور لمساجد في نابلس، خلال الاقتحام الإسرائيلي للمدينة عام 2002
صور لمساجد في نابلس، خلال الاقتحام الإسرائيلي للمدينة عام 2002

اقرأ/ي أيضًا: 

وثائق | هل نفّذ الأمن إعدامات ميدانية في نابلس؟

منشطاتٌ جنسيةٌ قاتلةٌ تباع سرًا في الضفة

بالوثائق.. "مقام يوسف": عندما يعبث السياسي بالديني