15-نوفمبر-2017

بعد 12 سنة من المشاحنات والقيل والقال، حصلت "سوزان" على حريتها وانفصلت عن زوجها "محمود"، تنفيذًا لقرار اتخذاه بعد شهرين فقط من زواجهما، لكنّهما عجزا عن تنفيذه، إذ قرر والد "سوزان" أن لا يتنازل عن حقوق ابنته الشرعية، ورفض والد "محمود" دفع أي شيء من حقوق "سوزان"، بل وطالب بكل تكاليف الأرتباط بها.

هذا النزاع بين الأبوين أدخل قضية سوزان (29 عامًا) ومحمود (31 عامًا) أروقة المحاكم سنوات، إذ تمسّك الوالدان في كل جلسة برفض الوصول إلى حلّ، فيما ظل محمود عاجزًا عن بدء حياة جديدة بعيدًا عن زواجه الأول، فكلما طلب يد شابة كان والد سوزان - وهو شخصية معروفة في غزة - يتدخل متسببًا بإفشال الزواج.

قضايا طلاق ظلّت عالقة في محاكم غزة أكثر من 10 سنوات، بسبب رفض الأزواج تطليق زوجاتهم لتجنب دفع حقوقهن أو لطلب "تعويضات" منهن

ظلّ الخلاف قائمًا حتى توجهت "سوزان" إلى وزارة شؤون المرأة في قطاع غزة طالبةً حلّ مشكلتها، فتدخلت الوزارة لدى أحد القضاة الذي استدعى الزوجين سرًا، ووقّع الطلاق بناءً على حل يرضيهما، دون علم الأبوين. تقول سوزان الآن، إنّها خسرت سنوات شبابها التي ظلّت خلالها معلقة على حبال خلافات والدها وحماها، وهي تستبعد الآن خوض الزواج من جديد، وإن حدث، فلن يكون عريسها إلا شخصًا يكبرها بسنوات، وقد تكون زوجة ثانية أو ثالثة، وفق قولها.

قضية سوزان ومحمود، لم تكن إلا واحدة من مئات القضايا المشابهة في دفاتر المحاكم الشرعية، إذ تظل سيدات عاجزات عن الحصول على طلاقهن، إلا بعد مرور سنوات من رفع دعاوى على أزواجهن طلبًا للتفرقة.

اقرأ/ي أيضًا: زوجات مغتربين بين تضييق الأهل ونار الشوق

مروة (30 عامًا) من رفح انتظرت هي الأخرى 6 سنوات لتحصل على ورقة الطلاق، بعد أن رفض القاضي تطليقها أملًا في عودة "الوفق" بينها وبين زوجها، رغم أن الأخير يقيم في السعودية، وقد عادت هي من هناك إلى قطاع غزة راغبة في إنهاء مرارة العيش معه.

وفي كل جلسة كانت مروة تدفع من 40 إلى 50 دينارًا (80 – 90 دولار) للمحامية التي كانت تشرف على قضيتها، فيما كان محامي الزوج يتذرع بعدة حجج منعًا لحدوث الطلاق، وخوفًا من أن يُفرض على موكله دفع كامل الحقوق الشرعية لـ"مروة".

تقول مروة: "لم ينصفني القانون رغم أننا نسمع كثيرًا عن تعديلات في القانون وأنه أصبح يقف في صف المرأة، ولكن طريقة تنفيذه من قبل القضاة تُغيّب العدالة ولا تترك أملاً لنا، خاصة بعد تدخل العادات وتقاليد المجتمع في النطق بالحكم".

أخيرًا، وجدت مروة في التنازل عن حقوقها سبيلًا وحيدًا للخلاص، لكن ذلك أيضًا لم يحقق لها حلًا سريعًا، لتقول في نهاية المطاف إنها ذهبت ضحية للقانون، كما حدث مع كثير من النساء اللواتي سمعت منهن قصصًا مشابهة داخل المحاكم.

"قانون قديم"، و"قضاة يتأخرون في إصدار الأحكام أملًا في أن يتراجع الزوجان عن الطلاق"، هذان هما السببان الرئيسيان في مشكلة النساء المعلقات داخل المحاكم بانتظار حريتهن، وفق المحامية سهير البابا، التي أشارت أيضًا إلى أن كثيرًا من المحامين يستطيعون إيجاد حجج مختلفة لتأجيل قضايا الطلاق وتأخير النطق بالحكم.

يتأخر القضاة في غزة في إصدار أحكامهم في قضايا التفرقة، ويتقن محامون خلق ذرائع لتأجيل القضايا ودفع الزوجات إلى التنازل عن حقوقهن

وتوضح البابا لـ"ألترا فلسطين"، أن النساء المعلقات يلجأن، في سبيل تمكينهن قانونيًا، إلى اتخاذ الإجراءات القانونية المتاحة في قانون حقوق العائلة المطبق في قطاع غزة، حيث يحدد نص القانون أسبابًا معينة تستطيع المرأة طلب التفريق بناء عليها، وهي التفريق للعيب الجنسي، والتفريق لعدم الإنفاق، والتفريق لحبس الزوج، والتفريق للغياب، والتفريق للضرر من الهجر والتعليق، والتفريق للضرر بسبب النزاع والشقاق.

اقرأ/ي أيضًا: في غزة.. زواج نكاية بالطليقات والأمهات.. من يدفع الثمن؟

وتبيّن أن الطلاق يختلف عن التفريق، فالأول يقع باختيار الزوج وإرادته، أما الثاني فيقع بحكم القاضي الذي لا يصدر حكمه إلا إذا وُجدت أسباب "شرعية" لذلك. وتضيف، "التفريق بين الزوجين هو الحكم الذي يصدر من قبل المحكمة الشرعية بتطليق الزوجة من زوجها إذا توفر لديها سبب شرعي موجب للتفريق، ويتم بناء على طلب من الزوجة من خلال دعوى تقيمها أمام المحكمة الشرعية، وكل حكم بالتفريق بين الزوجين يكون بطلقة واحدة بائنة بينونة صغرى، ما عدا التفريق لعدم الإنفاق، فيكون بطلقة رجعية إذا كان بعد الدخول، أما قبل الدخول فتكون الطلقة بائنة بينونة صغرى".

وتؤكد البابا، أنّ كثيرًا من الأزواج يتعمّدون تعليق نسائهم، خاصة في ظل صعوبة إثبات الضرر الذي يلحق بهن أحيانًا، وفي حال ردّ الدعوى من قبل القاضي فإن إقامتها من جديد يتطلّب وقتًا مضاعفًا. وتشير إلى أنّ الأزواج قد يلجأون للتحايل على القانون وهدم شروط الدعوى بشكل متعمّد، فقط من أجل التسبب بالضرر لزوجاتهم اللواتي يجدن العيش معهم أمرًا مستحيلًا، ليصلوا في النهاية إلى تنازلهن عن حقوقهن الشرعية، وفي بعض الحالات طلب تعويضات منهن، ثم تطليقهن مع الإبراء العام.

وتضيف، "أحيانًا يكون التعليق سببه رغبة الزوج في زوجته وحُبّه لها، لكنّ عدد هذه الحالات قليل، فيحاول أن يضغط عليها بتعليقها حتى ترضخ له وترجع حفاظًا على الأسرة ولعدم تشتيت الأولاد، ولو كان ذلك على حساب سعادة الزوجين".

وتدعو البابا إلى تعديل قانون الأحوال الشخصية "ليتناسب مع الواقع الحالي، ويصبح قادرًا على التعامل مع المشكلات المجتمعية المُلحة". ومن أجل ذلك تطالب بـ "وقفة من الجهات المعنية لإعادة النظر في ما تواجهه المعلقة من معاناة وضغوط قد تودي الى مشكلات اخرى لا يمكن تفاديها".

وتؤكد منى سكيك، مدير عام إدارة التأثير والاتصال بوزارة المرأة في غزة، أن القوانين المتعلقة بالانفصال وتعليق النساء لا تنصف المرأة، موضحة لـ"ألترا فلسطين" أن مباحثات تجري مع المجلس التشريعي هناك من أجل تعديل تلك القوانين، إضافة إلى البحث عن حلول فردية للمشاكل التي تتلقى الوزارة شكاوى حولها من خلال صندوق الشكاوى الخاص بها.

وكان المجلس التشريعي في غزة قد ناقش سابقًا مشروع قانون يتعلق بحق الخلع للمرأة، لكنّه لم يجد إجماعًا عند طرحه فتم رفضه، وفق ما أفادنا به عمار نجم، رئيس قسم الاستشارات القانونية في المجلس التشريعي بغزة، موضحًا أن خلافات وقعت خلال نقاش مشروع القانون، ورغم فشل إقراره إلا أنه لا يزال مشروع قانون ولم يلغى، وبالإمكان إعادة طرحه لاحقًا.


اقرأ/ي أيضًا:

في غزة.. محامون يزوجون قاصرات بعيدا عن المحاكم

غزة وبديهيات الحب في "حارة العبيد"

بين رام الله وغزة لعنة عاشق