11-سبتمبر-2017

صورة تعبيرية - Getty

نشرت الأم تفاصيل قصة عثورها على أفعى داخل مرحاض حمّام بيتها في رام الله، وقالت إن الله لطف بها وبعائلتها، إذ كانت ترافق طفلها الصغير وتساعده على قضاء حاجته، ولولا تلك الصدفة، فوحده الله يعلم ماذا كان سيحل بطفلها لو كان بمفرده.

من المستغرب وغير المستغرب في ذات الوقت أن تكون التعليقات على المنشور الذي شاركه خبير الأفاعي جمال العمواسي حول القصة، مليئة بالكلام الجنسي والنكات التي تتضمن ذكرًا للأعضاء التناسلية الخاصة بأفراد العائلة جميعًا. العائلة التي عاشت أسابيع صعبة ربما لم تكون تتوقع ذلك، ربما يضايقها قراءة ذلك.

اللعبة هُنا هي لعبة تشويش، ننشر تفاصيل عن حياة الضحية دون أن نصدر أحكامًا مباشرة عليها، بل نترك الأمر للمواطن ليتقوّل عليها بنفسه

هذا كلّه قد يبدو غير مهمًا، ففي أحيان كثيرة تكون الأخبار والصور المنشورة على فيسبوك فرصة للتعليقات الجنسية، وأيّ خبر معرّضٌ لذلك مهما بلغت أهميته أو جديته. ولكن ماذا سيحصل عندما ننتقل إلى المستوى الثاني من هذه العادة، أقصد عادة تحويل أي خبر إلى مجموعة من التعليقات الجنسية؟ وماذا سيحصل يا تُرى عندما يتم اتباع هذه العادة بل واستغلالها من قبل السلطات الحاكمة في تعاملها مع قضايا المواطنين أو ربما جرائمهم؟ جريمة قتل المهندسة نفين العواودة مثلًا؟

اقرأ/ي أيضًا: نشطاء: كيف نصدق كل هذه الثغرات في رواية قتل نيفين؟

الأجهزة الامنية الفلسطينية تبيعنا القصص التي تتوقع أننا سنشتريها، وقصتها هذه المرة موجّهة للمواطنين الذين ملأوا صور الفتيات المشاركات في المواجهات مع جيش الاحتلال بتعليقات حول ملابسهن ومكياجهن وأخلاقهن، لقد كان سهلًا على الكثيرين وقتها أن يتجاهلوا الخطر الذي تضع الفتاة نفسها فيه بمجرد وقوفها أمام جنود الاحتلال، بل وكان ممتعًا بالنسبة لهم تناول أخلاقها وتقييم إيمانها في تلك اللحظة الحرجة.

تفكر الأجهزة الأمنية "إذا كان من السهل عليهم الالتفات لملابس الفتيات بدل موتهن، فإنه من السهل أيضًا جعلهم يتجاهلون الموت إذا أضفنا في خلفية الخبر قصصًا تتعلق بنفين المرأة، حتى تتلاشى القصص عن نفين المهندسة التي تحارب الفساد".

الأجهزة الأمنية لا تبالي، فهي تعرف أن الكثيرين سيشترون هذه القصة، وسيصدقونها

ربما لا تُجري الأجهزة الأمنية حوارها بهذه الطريقة، ولكنّها تعي التأثير الرهيب للجنس وكل ما يتعلق به على المواطنيين، لذلك هدفت لتحويل نفين المهندسة إلى نفين المرأة في أذهانهم، فنفين قُتلت ليس لأنها مهندسة تحارب الفساد، بل لأنّها امرأة أُغرم بها سائق التاكسي، ولم تبادله الغرام فكان جزاؤها القتل. القتل الذي روته الأجهزة الأمنية ضمن قصة ركيكة لم تضع فيها الكثير من الجهد لحبك تفاصيلها، قصة يضايقك حتى أن تشاهدها في مسلسل على التلفاز، ولكنّها (الأجهزة الأمنية) لا تبالي، فهي تعرف أن الكثيرين سيشترون هذه القصة، الكثيرين سيصدقونها.

اقرأ/ي أيضًا: قتل مباح.. قتل محظور!

اللعبة هُنا هي لعبة تشويش، ننشر تفاصيل عن حياة الضحية دون أن نصدر أحكامًا مباشرة عليها، بل نترك الأمر للمواطن ليتقوّل عليها بنفسه. حسنًا نخبره أنّها تعيش بمفردها، هذا كافٍ لدعم قصة أن يغرم بها أحدهم وأن يحاول استغلال نمط حياتها. وأنت وأنا نعرف كم من السهل على مجتمعنا إصدار الأحكام على النساء من خلال تفاصيل حياتهن، فأبسط التفاصيل قد تعني الكثير من الأشياء الخطيرة والحساسة عندما يتعلق الأمر بالنساء، وحتى لو كنّ ضحايا فإن هذه التفاصيل التافهة كفيلة بجعلهن متهمات لا يجوز التعاطف معهن. هل تذكرون قصة سحل الفتاة المصرية (ست البنات) من قبل العساكر في أحداث رئاسة الوزراء عام 2011؟ هل تذكرون كيف لامها الكثيرون لأنها كانت ترتدي حمالة صدر زرقاء تحت عباءتها؟ اقرؤوا القصة ستفهمون من خلالها الكثير.

النظرة الدونية للمرأة تجرّدها من كل شيء في حياتها وتبقي لها على جسدها فقط، ومن خلال هذا الجسد يتم تقييم نجاحها وحلّ مشاكلها وتنظيم حياتها والحكم على أخلاقها، وإن حصل وقُتلت فإنه ولا بد من أن يكون لجسدها جزء كبير من الحكاية! ما يضايقني حقًا في رواية الأجهزة الأمنية حول مقتل نفين ليس فقط محاولة طمس الحقيقة التي قد تفاجئنا بسلسة من المجرمين الذين كرهوا نفين ولم يغرموا بها، بل هو سلب نفين فكرتها وكتم صوتها واستغلال وحدتها لتمرير جريمة تجعل منها مجرد امرأة أخرى وجدت مقتولة في شقتها التي تعيش فيها بمفردها.


اقرأ/ي أيضًا:

فساتين "حريم السلطان" تأسر قلوب عرائس غزة

فضيحة المهندسة أم هندَسةُ الفضيحة؟

كيف تدحرجت قضية المهندسة نيفين وصولاً لقتلها؟