18-فبراير-2017

نورة تنظر من نافذة منزلها إلى قبة الصخرة - صورة أرشيفية

يُطوق المستوطنون منزل نورة صب لبن من كل جانبٍ، فيما تُطل نافذةٌ فيما تبقى لها منه على المسجد الأقصى، لتبدو بوضوحٍ قبة الصخرة، فتشد من عزيمة نورة التي مضى من عمرها ستة عقود، أنهكها خلالها المرض وتقدم السن، أقل مما أنهكتها محاكم الاحتلال، والاقتحامات الليلية المصحوبة بتفتيشٍ همجي، واستفزازات المستوطنين ومضايقاتهم.

تطل نافذة في منزل نورة على قبة الصخرة

سيفارقك أي إحساسٍ بالأمان أو الراحة، عند زيارتك لنورة في منزلها بعقبة الخالدية في القدس العتيقة، فعلم إسرائيل يرفرف على السطح، وفور دخولك من الباب القديم المطل على أزقة الحي، ستقابل أولاً بابًا يُدخلك إلى منزلٍ للمستوطنين، وإلى يسارك درجٌ يقودك أيضًا لمنزلٍ آخر للمستوطنين، قبل أن تصل إلى ما تبقى من المكان حيث تسكن نورة، ويلاحقها المستوطنون فيه أيضًا محاولين انتزاعه منها.

منذ 40 عامًا تقوم نورة صب لبن من القدس محاولات المستوطنين سلبها منزلٍ تملكه عائلتها في القدس منذ الحكم الأردني للمدينة

نورة وهي أمٌ لخمسة أبناء (ثلاثة شبان وشابتين) نجحت على مدى سنواتٍ طويلةٍ في انتزاع تعاطفٍ دولي، تمثل في إحدى الجولات بتوقيع أكثر من أربعة آلاف ناشطٍ أوروبيٍ، وآلاف النشطاء الآخرين، على عريضةٍ تم تسليمها إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2015، تطالب بوقف محاولات الاحتلال الإسرائيلي إخلاءها من منزلها.

قبل وصولك لمنزل نورة ستمر بمنزلي مستوطنين يظهر باب أحدهما في الصورة

اقرأ/ي أيضًا: عايد كاستيرو.. معركة على جبهتين

وإلى جانب ذلك، فإن نورة التجأت إلى محاكم الاحتلال كأحد الخيارات المتاحة أمامها، لتثبيت حقها في البقاء بمنزلها الذي ولدت فيه عام 1956، وكانت عائلتها قد استأجرته من الحكومة الأردنية، إبان حكمها لمدينة القدس قبل حرب حزيران/يونيو من عام 1967، أي قبل الاحتلال الإسرائيلي للقدس العتيقة، وبقية القسم الشرقي من القدس.

حي عقبة الخالدية حيث يقع منزل نورة

وتفيد نورة لـ"ألترا فلسطين"، بأن مضايقات المستوطنين المدعومة من جمعياتٍ استيطانيةٍ وجهاتٍ رسميةٍ إسرائيليةٍ بدأت منذ عام 1976، ووصلت إحدى أكثر مراحلها سوءًا عندما أغلقت سلطات الاحتلال المنزل منذ عام 1988، وحتى عام 2001، قبل أن تنجح في استعادة حقها بالإقامة فيه مرة أخرى، بعد معركةٍ قضائية.

وشكلت عودة نورة وعائلتها إلى المنزل، إزعاجًا للمستوطنين الذين يطوقونه، بل إنهم استولوا على سطحه وأخذوا ينشرون ثيابهم على حبال الغسيل التي تتدلى في منزل نورة، ويمكن لأي زائرٍ أن يراها ليفهم دون شرحٍ حجم الانتهاك الذي تعيشه نورة لخصوصيتها ومنزلها.

ينشر المستوطنون غسيلهم على حبال تتدلى في منزل نورة

وتواصل الضغط الإسرائيلي من مختلف الأطراف على العائلة، حتى أصدر ما يسمى "حارس الأملاك العامة" التابع لسلطات الاحتلال قرارًا حاسمًا بتحويل المنزل من وصايته وتسليمه لجمعية استيطانية أجادت استغلال القرار، إذ رفعت فورًا قضية إخلاءٍ استمرت حتى شهر تشرين الأول/أكتوبر من عام 2014، حيث قررت محكمة الاحتلال العليا حينها إخلاء العائلة خلال 45 يومًا، وتغريمها 10 آلاف شيكل.

لم تستسلم نورة للقرار، بل قدمت استئنافًا عليه وشرعت بجولاتٍ جديدةٍ من المواجهة، فيما سعى المستوطنون في شهر كانون الأول/ديسمبر من العام ذاته إلى الاستيلاء على المنزل، فكسروا باب المخزن التابع له، وحاولوا اقتحامه، وذلك في حين كانت العائلة تحتفل بولادة أحد أحفادها.

وتسكن نورة في منزلها مع زوجها، وأكبر أبنائها وزوجته وطفليهما، إضافةً لابنين آخرين غير متزوجين، لكن محكمة الاحتلال العليا حرمت العائلة هذا الحق، عندما أصدرت أواخر شهر كانون الأول/ديسمبر من عام 2016 حكمًا يسمح لنورة بالإقامة مع زوجها فقط دون أبنائهما، ولـ10 سنواتٍ مقبلة، على أن يتحول المنزل إثر ذلك للمستوطنين.

وتعتبر نورة أن القرار يمثل محاولةً إسرائيليةً لإسكاتها لحين موتها خلال السنوات العشر التي مُنحت لها للبقاء في منزلها، لكنها تؤكد على رفض المحاولة، وأنها ستستأنف مرةً أخرى، مشددة على أن أبناءها سيتمسكون بحقهم في المنزل حتى بعد موتها.

نورة صب لبن أنهكها العمر والمرض أقل مما أنهكها الاحتلال

وأوجد القرار الإسرائيلي عناءً جديدًا في حياة نورة، وهي المصابة بعدة أمراضٍ مزمنةٍ تجعلها بحاجةٍ لأبنائها وبناتها للتواجد إلى جوارها، لمساعدتها في قضاء شؤون حياتها، هذا إضافةً لخوفها من الوحدة في المنزل الذي يطوقه المستوطنون من كل جانبٍ، خاصةً في ظل تكرر الاقتحامات التي ستنفذها قوات الاحتلال تحت جنح الظلام، للتأكد من عدم وجود أبناء نورة في المنزل، وهو ما نص عليه قرار المحكمة.

منعت محكمة الاحتلال العليا أبناء نورة صب لبن من الإقامة معها، وأجازت اقتحام المنزل في أي ليلةٍ لتفتيشه، وأمهلتها 10 سنواتٍ لتسليمه

وتشير نورة إلى أن سلطات الاحتلال هددت أكبر أبناءها بمنعه حتى من زيارتها، وليس فقط من المبيت إلى جوارها، إضافةً لكون أحد أبنائها وإحدى ابنتيها، عازبين، ولا تعرف أين سيقيمان بعد منعهما من المبيت في المنزل.

وتقول: "أنا ولدت في هذا البيت وتربيت فيه.. هون كل ذكرياتي، أحزاني أفراحي، أعيادي، رائحة أمي، حياتي مع أهلي وبعدين من زوجي أبنائي. لما بيحددوا إقامتي فيه بـ10 سنوات، كأنهم بحددوا موعد موتي! وبيستنوا (ينتظرون) موتي خلال هالسنوات".

وتضيف نورة، "هم بيفكروا إنه هالعشر سنين قريبة منهم.. لكن هي إلى الله أقرب"، مؤكدة، أن المعركة ستتواصل، وأن العائلة لن تتنازل عن منزلها، حتى آخر نفس.

اقرأ/ي أيضًا: 

الطفل أحمد: كنت أحكي بوضوح وأكتب بسرعة!

"النايس جاي" تغزو القدس "ببلاش" وبغطاء إسرائيلي

مدارس بلدية الاحتلال في القدس: تحرش ومخدرات وأكثر