25-أغسطس-2019

يعيش اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، أيامًا صعبة وأحداثًا ساخنة، بعد قرار وزارة العمل اللبنانية تشديد الخناق على العمالة الأجنبية، وهو القرار الذي طال الفلسطينيين وأدى لملاحقتهم في أماكن عملهم، ومخالفة مشغليهم، ما دفع نحو احتجاجاتٍ كبيرة.

في هذا الإطار، جاءت هذه المقابلة مع مدير موقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين هادي إبراهيم، لتتناول أحدث التطورات في هذا الملف، وتُسلط الضوء على التحريض الأمريكي - الإسرائيلي ضد وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، لمنع تجديد ولايتها لثلاث سنواتٍ في شهر أيلول/سبتمبر المقبل، والمخاطر التي تُهدد "حق عودة اللاجئين"، في ظل استمرار الانقسام الداخلي، والانزلاق العربي نحو التطبيع مع "إسرائيل".

س: بعد مرور أكثر من شهر على قرار وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان، الذي يستهدف بشكل أساسي عمالة اللاجئين الفلسطينيين، بذريعة تطبيق خطّة لـ "مكافحة العمالة الأجنبيةغير النظامية" .. كيف تصف هذا القرار ؟

ج: القرار بحسب وزارة العمل اللبنانية لا يستهدف اللاجئين الفلسطينيين بشكل أساسي، بل يهدف إلى "تنظيم اليد العاملة الأجنبية". بكل الأحوال هو قرارٌ عنصريٌ لأنه وباعتراف وزير العمل كميل أبو سليمان استهدف اللاجئين السوريين الفارّين من ويلات الحرب هناك، والمعرضين للقتل والاعتقال في سوريا، ولكن للأسف تفاعل تطبيق هذا القرار مع قوانين عنصرية أخرى لا تعطي اللاجئ الفلسطيني حقوقه منذ 70 عامًا، ما فرض معاملة اللاجئ الفلسطيني كالأجنبي في ملف العمالة، رغم أن وجوده (الفلسطيني) قسريٌ في لبنان، وليس طوعي، وهذا تتحمّل مسؤوليته الحكومة اللبنانية والمشرّع اللبناني المتمثّل بمجلس النواب، الذيْن لم يأخذا طيلة العُقود الماضية أي خطوات لتحسين شروط أوضاع اللاجئين الفلسطينيين، رغم التصريحات الإعلامية لكثير من الأحزاب والجهات السياسيّة في لبنان بوقوفها إلى جانب فلسطين، وهي تُبرّر ذلك بهدف "منع التوطين"، وهذا العذر غير مقبول فلسطينيًا، إذ إن منطق الأمور يُشير إلى ضرورة تعزيز التنمية في مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين لتعزيز صمودهم من أجل تحقيق "حق العودة"، لا أن تضع الفلسطينيين بين فكيّ كماشة القوانين الظالمة، والتنافس السياسي الماروني الداخلي والتحشيد والتعبئة لانتخابات الرئاسة المقبلة، عبر إنعاش ذاكرة الحرب الأهلية والتخويف من الآخر، وبالتالي ممارسة الظلم بحقه.

هادي إبراهيم: الحكومة اللبنانية ومجلس النواب لم يأخذا طيلة العقود الماضية أي خطوات لتحسين شروط أوضاع اللاجئين الفلسطينيين

س: ما هي دلالة توقيت قرار الوزير اللبناني تطبيق وتفعيل خطّته التي يحظر بموجبها على أرباب العمل تشغيل اللاجئين الفلسطينيين دون الحصول على تصريح، فضلًا عن إغلاق مؤسسات ومنشآت فلسطينية لا تملك التصاريح اللازمة للعمل؟

ج: لقد ذكرنا سابقًا حالة الاستقطاب الداخليّ، وكذلك التنافس المسيحيّ المارونيّ الداخليّ، الأحزاب هُنا تلعب على وتر "الخوف من الآخر" الذي ما زال يعيشه بعض اللبنانيّين، وهي تتنافس بين بعضها للأسف على "من سيكون أكثر عنصرية تجاه الفلسطينيين والسوريين"، من أجل الهروب من تحمّل مسؤولية أزمات يتسبّب بها الفساد الرسميّ بالمقام الأول، وإيهام جمهورهم من اللبنانيين بأن اللاجئين هم السبب، فالأزمة سياسيّة داخليّة بالمقام الأول والفلسطيني في لبنان هو ضحيتها.

لماذا الفلسطيني؟ لأن هذا المعتاد، ولأن اللاجئ الفلسطيني للأسف يتيم سياسيًّا، لا يوجد آليّة ضغط وسياسة فلسطينية رسمية وفصائلية ناجعة لتحصيل حقوق اللاجئين الفلسطينيين ليس في لبنان فقط، ولكن في جميع أماكن وجودهم، لذا يسهل أن يضيع حقّه الإنساني وأن يكون شماعة لتعليق أزمات ومشاكل الآخرين عليها.

هادي إبراهيم: لا توجد آلية ضغط وسياسة فلسطينية رسمية وفصائلية ناجعة لتحصيل حقوق اللاجئين الفلسطينيين، لذا يسهل ضياع حقهم وتعليق أزمات الآخرين عليهم

على سبيل المثال، لم تستطع لا منظمّة التحرير أو أيّ من الفصائل تحصيل قرار رسميّ من الحكومة اللبنانيّة بتنفيذ المراسيم التطبيقيّة لقانونيّ العمل والضمان الاجتماعي المعدلة عام 2010 (128) و(129)، لذا ما يزال وضع اللاجئ الفلسطيني مُلتبسًا، ويجري التعامل معه وفق أهواء ورغبات هذا الوزير أو ذاك، في ظلّ غياب أي تشريع ينظّم الوجود الفلسطيني بلبنان، بوصفه حالة لجوء قسريّ، و عدم وجود تعريف قانوني للاجئ الفلسطيني، يمنعه من التمتع بحقوق اللاجئين وفق المعايير الدولية المتعارف عليها.

س: سياسيون فلسطينيون اعتبروا أن توقيت القرار يَتماهى مع "صفقة القرن" الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية .. هل هي كذلك ؟

ج: رغم اعتقادي بأن حزب القوات اللبنانية من خلال وزيرها في الحكومة، شرعت بحملة "تنظيم العمالة الأجنبية" في إطار مناكفات داخلية، إلّا أن هذه الإجراءات مرتبطة بشكل أو بآخر في الصراعات والتحالفات بالمنطقة، وربما "باتفاقيات سرية أو غير معروفة" لا سيما في وقت تنشط فيه إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترمب"؛ لتحقيق مشروعها المُسمّى "صفقة القرن" الهادف إلى الدفع باللاجئين الفلسطينيين إلى الهجرة وتوطنيهم في أماكن أخرى، وتخفيف عددهم في المخيمات.

 لذا فإن الضغط على اللاجئين الفلسطينيين، ومحاصرتهم بمخيماتهم، وقُوت عَيشهم، والتعامل معهم من منظور بوليسيّ وأمنيّ، هي ممارسات تتماهى بشكل أو آخر مع المحاولات الأمريكية لتصفية قضيتهم.

ورغم أن لبنان الرسميّ يرفض بكل مكوناته توطين اللاجئين، لاعتبارات داخلية تتعلق بالتركيبة الطائفية للبلد، لكنّ هذا الكلّ لا يُمانع عملية تهجير ودفع اللاجئين للمغادرة، فخلال السنوات الماضية غادر عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين لبنان بطُرُق شرعيّة و غير شرعيّة، وعبر مافيات وسَماسرة معروفين، وكل هذا جَرى على مسمع ومرأى من الدولة اللبنانية والفصائل الفلسطينية؟!

هادي إبراهيم: عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين غادروا لبنان بطرق شرعية وغير شرعية عبر مافيات وسماسرة معروفين، على مسمع ومرأى الدولة اللبنانية والفصائل الفلسطينيية

خُطورة أخرى تكمن في خطوة وزير العمل اللبناني، بأنها ستسمح بتكريس وضع قانوني جديد ينفي صفة اللُجوء، ويمكن لاحقًا التعامل معه كمقدّمة لتوطين بعض اللاجئين، أو معاملتهم كجالية أجنبية.

س: تشهد مخيمات اللاجئين على إثر القرار "الجائر" تحركات شعبية للأسبوع الخامس على التوالي، هل باعتقادك ستنجح في إبطال مفاعيل القرار؟ والدفع باتجاه إقرار الحقوق المدنية والاجتماعية والإنسانية للاجئين الفلسطينيين، الذين باتوا بين مطرقة قانون العمل وسندان "صفقة القرن"؟

ج: فاقت -انتفاضة المخيمات- التحرّكات الشعبيّة كل التصورات حول إمكانية استنهاض الحالة الشعبية، فتأثير الانقسام الفلسطيني، وماتعيشه المخيّمات من حالة حصار وتهميش وظروف غير إنسانية، والبحث عن خيارات فرديّة للنجاة والهروب من جحيم الحرمان، كانت تُؤشّر لحالة موت سريريّ وعدم إمكانية إحداث أي فعل سياسيّ أو اجتماعيّ، لا سيّما في ظل ما تمر به المنطقة العربيّة من ورشات دم وحروب ونزاعات.

لكن الأمل تَجدّد في شوارع المخيّمات، فاللاجئ لم يعد يملك شيئًا ليخسره مع شعوره المرير بالظلم والقهر، وهذا ما يُمكن الرهان عليه ليس فقط بتراجع وزارة العمل عن إجراءاتها، إنما بالعمل الحقيقيّ على مقاربة ما لتسوية الوضع القانوني للوجود الفلسطيني وإجراء مراجعة للعلاقات الملتبسة، بما يسمح بإقرار الحقوق المدنيّة والإنسانيّة للاجئين، ويمنحهم حقوقهم كلاجئين وفق المعايير الدوليّة على الأقل.

الزخم الكبير للحراك في الشارع، أخجَل القُوى السياسية الفلسطينية ودفعها للتحرك، ورغم عدم وجود مطالب واضحة للحراك وتلخيصها بالموقف من إجراءات وزير العمل؛ إلّا أن المطلوب الضغط بأدوات وأشكال مختلفة لإقرار حقوق شعبنا، وهذا يتطلّب كشرط أساسيّ موقفًا فلسطينيًا سياسيًا موحدًا يستفيد من مواقف بعض القُوى اللبنانية، ودور لجنة الحوار الفلسطيني اللبناني وجهودها المميّزة لإحداث تغيير، وهو أمر مُمكن اليوم وضروريّ حتى لا تذهب الأمور باتجاهات تُفجّر أزمات داخلية لبنانية فلسطينية الجميع بغنى عنها.

س: كيف تقيّم تفاعل المستوى الرسمي الفلسطيني مع هذه الأزمة ومعالجتها مع الجهات اللبنانية المعنيّة بما يكفل استثناء اللاجئين الفلسطينيين من إجازة العمل، التزامًا بتعديلات قانون العمل (رقم 128 و129) المُقرّ من المجلس النيابي عام 2010، فضلًا عن توفير سُبُل العيش الكريم لهم؟

ج: يبدو أن الشارع الفلسطيني سَبّاق دومًا، فالموقف الرسمي جاء انعكاسًا للحالة المطلبيّة بالشارع، وما جَرى عَكس في بداية الحراك، حجم الهوّة بين حراك الناس ومطالبهم، وهذا أعطى انطباعًا سلبيًا عن المستوى الرسمي الفلسطيني وانقسامه، اتضح لاحقًا من خلال محاولات الاستثمار بالحراك الشعبي ومطالبه لاعتباراتٍ فئويةٍ أو حزبيةٍ دون أن تستند لمطالب الناس بالشارع، و جميعنا يذكر تصريحات عزام الأحمد موفد رئيس السلطة الفلسطينية بداية الحراك، وكذلك جولات حركة "حماس" على الأطراف اللبنانية، الأمر الذي أوضح حجم التباينات والانقسام الرسمي الفلسطيني.

المستوى الرسمي الفلسطيني بسلطته وفصائله في اختبار حقيقيّ اليوم، ومُطالَب بما هو أكثر، فما المانع من وضع تصوّر فلسطيني مشترك لحلّ الأزمة؟ وعقد اجتماعات تشاورية فلسطينية - فلسطينية، وفلسطينية -لبنانيّة تستند لورقة عمل بشقّيها القانونيّ والسياسيّ تُحدد مطالب الطرف الفلسطيني من الحكومة اللبنانية، على قاعدة رفض التوطين وإعادة صياغة العلاقات اللبنانية الفلسطينية، بما يسمح بنزع فتيل الأزمة، وإعطاء الحقوق الإنسانية والمدنية للاجئين الفلسطينيين.

هادي إبراهيم: يجب التحرك لمنع حدوث فجوة بين مطالب الناس والقيادة السياسية الفلسطينية، وهذا شرط أساسي لإنجاح الحراك وتحقيق مطالبه

وأهمية هذا التحرّك هنا لمنع حدوث فجوة اليوم بين مطالب الناس والقيادة السياسية الفلسطينية، وهذا شرط أساسي لإنجاح الحراك وتحقيق مطالبه.

س: على وقع التحركات الشعبية المتصاعدة أيضًا، تعيش المخيمات الفلسطينية في لبنان لا سيما مخيم "عين الحلوة"  توتّرات أمنية بين الحين والآخر.. لمصلحة من إبقاء المخيمات في هذه الدوّامة؟

ج: للأسف هناك جهات تعمل على تفجير أوضاع أمنيّة في مخيم عين الحلوة لخلط الأوراق، وبمحطّات عديدة، يمكن التدقيق بها ومراجعتها لنكتشف مدى الاستثمار بالبعبع الأمني في عين الحلوة، يتضح ذلك من موقف الإعلام اللبناني الذي تجاوز وجود حراك مطلبي للاجئين بالمخيمات، لكنه بمجرد حدوث عملية إطلاق نار خصّص موجات بثّ مفتوحة، للتعاطي مع عملية الاغتيال الأخيرة للناشط "أبو حسين الخميني" وكل ذلك في محاولة لتصوير المخيم كبؤرة أمنية فقط، وكأنه لا يضمّ عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين الذين لا حول لهم ولا قوّة، محاصرون بأشكال عدّة، وكل ما ينشدونه هو عمل لائق وحياة كريمة.

ومشكلة التعاطي من الطرف اللبناني مع ملف المخيمات من المنظور الأمني وتحويل مخيّم عين الحلوة إلى سجن كبير، تحاصره جدران أشبه بجدار الفصل العنصري بالضفة المحتلة، وكذلك تصويره بأنه يؤوي مطلوبين، رغم أن معظمهم دخل إليه بوجود الجيش اللبناني على أبوابه، ومتّهم بجرائم شكليّة يمكن معالجتها، وحالة الحرمان والبُؤس خَلَقت بيئات رخوة لبعض القُوى المشبوهة مخابراتيًّا؛ لاستغلال شريحة صغيرة جدًا من الشباب وتجنيدهم كـ"عمالة مسلحة رخيصة" تُهدّد السلم الأهلي والاستقرار بالمخيّم ومحيطه.

هادي إبراهيم: معظم "المطلوبين" في المخيمات الفلسطينية في لبنان دخلوا إليه بوجود الجيش اللبناني على أبوابه، ومتهمون بجرائم شكلية يمكن معالجها

تتعامل الدولة اللبنانية مع القُوى الأمنية الفلسطينية في المخيمات كقُوى غير شرعية، يمكن لها أن تكون مطلوبة للأجهزة الأمنية وخارجة عن القانون وقتما تشاء، ويمكن أن تكون تحت الطلب حين الحاجة، وهذا الأمر مستفزّ للطرف الفلسطيني ويمنع استقرار المخيّمات، ويزيد التوتّرات واستغلالها من قبل أطراف محليّة وإقليميّة ودوليّة.

س: هل هناك خشيةٌ من محاولات جهات محليّة أو قُوى إقليمية الدفع بتفجيرالأوضاع داخل المخيّمات التي تضم ما لا يقل عن 175 ألفًا لتحقيق أجندات "مشبوهة"؟

ج: خلال العام الماضي، زارت وُفودٌ أمريكيّةٌ عسكريّةٌ محيط مخيم عين الحلوة دون معرفة أسباب الاهتمام الأمريكي وأجندات هذه الزيارات، وترافق ذلك مع تصوير الإعلام اللبنانيّ للمخيم بوصفة "بؤرة أمنية" حاضنة لـ"جماعات إرهابية" بخطاب مكرّر للتحريض على المخيمات نتيجة بعض الأحداث الأمنية في المخيم، وهذا يلتقي مع معلومات تؤكد وجود مخطّطات مشبوهة لقُوى دولية تعمل عبر أدوات محليّة لتفجير الأوضاع أمنيًا بمخيم عين الحلوة تحت ذريعة وجود تنظيمات أصولية أو دخول تنظيم "داعش" للمخيم.

هادي إبراهيم: هناك معلومات لدى بعض القوى السياسية الفلسطينية عن نشاط جهات "مشبوهة" تسعى لتفجير أحداث أمنية، قد تجر المخيمات لـ"لعبة الدم" والتدمير والتهجير

بحسب معرفتي هناك معلومات لدى بعض القُوى السياسية الفلسطينية عن نشاط جهات "مشبوهة" تسعى لتفجير أحداث أمنيّة، قد تجرّ المخيمات لـ"لعبة الدم" والتدمير والتهجير؛ بهدف إضعاف الوُجود الفلسطيني في إطار خلق بيئات مناسبة لتصفية وجود اللاجئين وحقوقهم ودفعهم نحو المهاجرة البعيدة، وهذا الأمر أخطر سيناريو يمكن أن يعيشه مخيم الحلوة، أو المخيمات الفلسطينية بلبنان بشكل عام.

س: في أي إطار يمكن أن نضع "التسريبات الإعلامية" الأخيرة التي تدّعي تورّط مسؤولين كبار في وكالة "أونروا" الشاهد الحيّ على النكبة عام 1948 بتهم "فساد وانتهاكات أخلاقية"، خصوصًا مع المساعي المبذولة لتجديد ولايتها ثلاث سنوات (2020-2023) في أيلول المقبل؟

ج: تسعى الإدارة الأمريكية الحالية بوضوحٍ أكبر من سابقاتها، لإنهاء عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) كمقدمة لتصفية قضية اللاجئين وحق العودة، وإنهاء الاعتراف الدولي بها، وبأكثر من طريقة لإلغاء دور المؤسسة الدوليّة، عبر الضغط على بعض الدول لمنع تجديد ولايتها.

الطرح الأمريكي قديم جديد، وهو حاليًا يتناغم مع مطالب الحكومة الصهيونية، وغير مرتبط بطبيعة الخدمات التي تقدم للفلسطينيين، ولا بوجود شُبهات فساد داخل هذه المؤسسة الدوليّة كما يتم الترويج له، إنما الجذر الأساس هو بالصفة الاعتبارية والقانونية للمنظمة الدولية، والتزام المجتمع الدولي السياسي والأخلاقي تجاه مشكلة اللاجئين. القرار الأمريكي الذي اتخذ بوقف تمويل "أونروا"  نهاية شهر آب/ أغسطس 2018، وفتح قنوات تمويل مشبوهة عبر منظمات غير حكومية دولية ومحلية لدعم المخيمات الفلسطينية، عبر الخدمات والمساعدات التعليمية والصحية، هو جزءٌ من السياسات الحالية الأمريكية لحين فرض التسوية الشاملة من المنظور الأمريكي للقضية الفلسطينية.

وكالة "أونروا" أُنشئت وفق القرار (302)  الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وبموجب قرار إنشائها تمت الإشارة والالتزام بالفقرة (11) من القرار الأممي (194) التي تنصّ على حق عودة اللاجئين والتعويض، وهي تقف حائلاً أمام رؤية الإدارة الأمريكية الحالية لعملية التسوية بالمنطقة وفق ما يسمى "صفقة القرن".

 وتقويض تفويض الوكالة الأمميّة وتحويل اللاجئين الفلسطينيين إلى ولاية منظمات إنسانية أخرى، عبر تحويل صفة لجوئهم من سياسي وإنساني إلى إنساني فقط، يهدف إلى إلغاء اعتباريتهم كلاجئين أصحاب حقّ بأرض وممتلكات تركوها قسريًا وتحت الإرهاب عام 1948.

هادي إبراهيم: تقويض تفويض "أونروا" وتحويل اللاجئين الفلسطينيين لولاية منظمات إنسانية أخرى، هدفه إلغاء اعتباريتهم كلاجئين أصحاب حق بأرض وممتلكات تركوها قسريًا

وبالتالي إنهاء حقّهم في العودة، هو جوهر الموقف الأمريكي وما يتم تداوله من قصص فساد، ليس مبرّرًا للدول التي أوقفت تمويلها لـ "أونروا"، فحاجة اللاجئين الفلسطينيين أعظم من أن تترك لحين الانتهاء من التحقيق في ملف الفساد، وما جرى هو محاولات لتجفيف منابع الوكالة المادية واغتيالها وإنهاء دورها.

س: كيف ترى التساوق "الأعمى" من الإدارة الأمريكية وإسرائيل مع تلك التسريبات، والترويج لها قبل صدور نتائج لجنة التحقيق الداخلية بالوكالة؟

ج: لايمكن الحديث عن تساوق، هناك رؤيةٌ أمريكية - صهيونية مشتركةٌ لتسوية القضية الفلسطينية، وما يجري بخصوص "أونروا" وتعامل الاحتلال والإدارة الأمريكية مع التسريبات يأتي تنفيذًا لهذه الرؤية، وهي رؤية تهدف إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين كما قلنا سابقًا ونقل مسؤوليات إغاثتهم إلى حكومات المنطقة ومنظمات "إنجؤوز"، وإلغاء وجودهم كلاجئين، ودفع الأنظمة العربية للتحالف والتطبيع مع كيان الاحتلال تحت عناوين "السلام الاقتصادي"، والشراكة في مواجهة "الإرهاب"، أو "الخطر الإيراني"، وجعله شُرطي المنطقة القوي، وهذا لا يمكن أن يحدث دون حل للقضية الفلسطينية ولو على حساب شعبها وأرضها.

س: "حق العودة" على رأس الثوابت الوطنية المُستهدفة، إلى أي مدى ساهمت المسيرات الشعبية السلميّة في قطاع غزة، المعروفة باسم "مسيرات العودة وكسر الحصار" في تفعيل وحماية هذا الحق؟

ج: قضية اللاجئين وحق العودة وتقرير المصير هي جوهر القضية الفلسطينية، وما جرى منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، وحتى اليوم من تفكيك للشعب الفلسطيني وهويّته، توهمًا بإمكانية قيام دولة فلسطينية أو التسوية عبر "حل الدولتين"، دفع الشعب الفلسطيني الذي لم يسأل عند توقيع الاتفاقية وبدء مرحلة من المفاوضات استمرت أكثر من 20 عامًا، لإعادة الاعتبار لهذه القضية، بحسب إمكانياته البسيطة المتمثلة بالمسيرات، بعد سحب كل مقومات المقاومة من يديه.

وما جرى في مسيرات العودة في غزة، رغم بعض الملاحظات والتحفظ على محاولات الاستثمار السياسي السريع به، كان يمكن أن يساهم في إعادة الاعتبار لقضية اللاجئين وحق العودة، ويعيد الأمل لشعبنا في ظل حالة الانهيار العربي والتردي بموقف المستوى السياسي الفلسطيني، والانقسام الفلسطيني بإمكانية المواجهة مع الاحتلال بوصفه المشكلة الأساسية لمعاناة شعبنا، خاصة وأنّ جزء من الرؤية والمُنتظر من المسيرات كان توسّع رقعتها لتشمل كل فلسطين وأماكن التواجد الفلسطيني خارجها، بما يضمن الضغط في الملفات الفلسطينية كافّة، ومحاولة لإعادة العمل الوطني المُوحّد، إلّا أنها لم تجد الاستجابة المطلوبة فلسطينيًا خارج ساحة انطلاقها في غزة.

هادي إبراهيم: مسيرات العودة كانت ستُساهم في إعادة الاعتبار لقضية اللاجئين وحق العودة، إلا أنها لم تجد الاستجابة المطلوبة فلسطينيًا خارج ساحة انطلاقها في غزة

برأيي الشخصي "مسيرات العودة" نموذج أقل تكلفة في المواجهة، يمكن تطوير أدواته وأشكاله، وهذا مرتبط بتحويله لحراك فلسطيني مستقل، وبذات الوقت مُؤطّر بشكل يضمن نجاحه، للضغط على الاحتلال والمجتمع الدولي لإنهاء الممارسات والجرائم "الإسرائيلية"، ليس فقط في الحصار المفروض على غزة، بل في القدس والاستيطان في الضفة المحتلة، وما يجري للمعتقلين الفلسطينيين من انتهاكات داخل سجون الاحتلال، والتي لم تنفذ لا منظمّة التحرير ولا السلطة الفلسطينية ولا الفصائل، آليات ناجحة لإنهائها، وفي ظل هذا الفشل السياسي المُخجل كان لزامًا للشعب أن يتحرك لوحده، والشعب الفلسطيني اليوم مدرك تمامًا لضعف وفشل السلطة والفصائل كافّة، وكما قلنا سابقًا هو سباق في اتّخاذ الخطوات، ولكن للأسف غالبًا ما يتم احتوائها وإضعافها، أو جعلها ذو كلفة بشرية كبيرة مؤسفة، في ظل غياب الناظم السياسي الوطني البعيد عن رؤى ومصالح حزبيّة ضيّقة.

س: ما هو المطلوب فلسطينيًا وعلى مختلف الأصعدة للتصدي لكل المشاريع والمخطّطات الرامية لتصفية القضية الفلسطينية، في الوقت الذي تهرول فيه أنظمة عربية للتطبيع مع "إسرائيل"؟

ج: إشاعة الوهم وخداع الناس، هي مشكلتنا في الساحة السياسية الفلسطينية، المشروع الصهيوني وبظهره الأمريكي يتقدّم بشكل سريع دون أي اعتبار للشعب الفلسطيني وحقوقه، وصل حدّ تجاوز السلطة الفلسطينية وكل الأُطر السياسية لهذا الشعب، فما جرى في "ورشة البحرين الاقتصادية" مؤخرًا، أكّد حقيقة الموقف الأمريكي بأن لا حاجة لوجود الفلسطينيين أثناء تقرير مصيرهم، وهذا غير مرتبط حقيقةً بالمواقف الشكليّة الرافضة للصفقة، بقدر ما هي عنجهيةٌ أمريكيةٌ - صهيونيةٌ لفرض حلول وفق المنظور الصهيوني - الأمريكي لقضيتنا، ولولا ضعف الموقف الفلسطيني الرسمي وابتعاده عن طموحات الشعب لما حدث ذلك.

لايُمكن اليوم، الحديث عن مواجهة "صفقة القرن " دون إعادة الاعتبار لوحدة الشعب الفلسطيني عبر رؤية وطنية تستند لبرنامج نضالي، فالانقسام جريمة كبرى على ظهره يتم تبديد ما تَبقّى من حقوق شعبنا، إذ بات بمقتضى ذلك انتصار طرف فلسطيني على آخر، أهمّ من وقف التعامل مع أو استقبال التمويل من دول تجري نحو التطبيع وتفرض أجنداتها على هذا الفصيل أو ذاك، وما سبق ذلك من توقيع اتفاقات مع الاحتلال يجب إلغاؤها، كما يجب تفعيل القنوات السياسية الدولية بشكل أكبر لوضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته.

ورغم أن المعطيات والوقائع الحالية تقودنا للتشاؤم؛ إلّا أن الأمل والإيمان يبقى بإرادة الشعب ونضاله، واستحالة تفريطه بحق العودة، وتقرير المصير، وبناء دولته على كامل ترابه الوطني، بعد إزالة الاحتلال.


اقرأ/ي أيضًا: 

خليل الحية: الاحتلال يتلكأ في تنفيذ تفاهمات التهدئة ولا يتقدم في صفقة تبادل

محمد الكرد: غربتي لأمريكا لأحكي قصة وطن وليست نزهة

عوض عبد الفتاح: حزب التجمع كان خطوة ثورية وحان الوقت لتغيير برنامجه