08-أغسطس-2019

على كرسيها المتحرك، جلست ديانا أبو ارميلة تنظر نحو جرافةٍ تهدم حلمها بامتلاك ساحةٍ كانت تطلق من خلالها العنان لكرسيّها حتى تعيش حريتها في التنقل واستنشاق الهواء ومعانقة السّماء.

ببطىء شديد تحاول ديانا دفع كرسيها بيدها اليمين للاقتراب من الجرافة وهي تلوّح بيدها الشمال وتحاول الحديث، لكن لمْ يخرج منها سوى بعض تمتمات غير مفهومة قطعها صوت شقيقها وهو ينادي عليها "ديانا تعالي هون وين رايحة، بتوقعي إذا بتقربي تعالي هون قربي عنا".

ديانا أبو ارميلة أفقدتها بلدية الاحتلال منزلاً بنته ليكون ساحة لها للتحرك ورؤية الشمس

ركض شقيقها نحوها وحضنها محاولاً إبعاد الكرسي المتحرك عن منطقة الهدم، وردد "معلش ما تزعلي بعوض الله تعالي نروح عندهم باب البيت".

يومان مرَّا على الهدم ولا زالت العائلة تجلس أمام الركام والدمار، يتأملون حجارة كانت بمثابة ضوء بوسط العتمة وبصيص أمل لهم.

اقرأ/ي أيضًا: صور وفيديو | نكبة واد الحمص.. "هنا باقون"

وعلى بعد خمسة أمتارٍ من الهدم جلست عائلة أبو ارميلة بحسرة تتأمل الركام أمام منزلها المسكون برفقة أطفالٍ لا يتعدى عمر أصغرهم العام، عمّ صمت لدقائق قطعه صوت بكاء والدة ديانا "شو نعمل؟ وين أقعد بنتي وولادها؟ وديانا وين تروح؟".

وكانت عائلة أبورميلة يوم الثلاثاء شرعت بهدم شقةٍ في طابقٍ أرضيٍ سقفها يلاصق منزلهم المسكون، حيث كان من المفترض أن تعيش في الشقة ابنتهم المريضة بالسرطان وأطفالها، وليكون سقفها بمثابة ساحة آمنة لديانا من أجل استنشاق الهواء والخروج من المنزل والتنقل بكرسيها المتحرك.

يقول لؤي أبو ارميلة، "احنا بنينا هاي الساحة عشان ديانا، هي طول اليوم محشورة بالبيت، حلمها تشوف السماء وتشوف الضو والشمس، عملنا الشقة والساحة لتتنفس وتتحرك بمكان آمن، بس هيهم أجبرونا نهدها".

بنت العائلة هذا البيت لتسكن فيه ابنتها المصابة بالسرطان مع أولادها

وأضاف، "بنينا هذا المكان من زمان وكانت شقة جاهزة للسكن، بس قبل 9 سنين هدموها، رجعنا قبل 3 أشهر بنينا لأنه مافي مكان آمن لديانا تتحرك فيه. المكان ضيق كثير".

اقرأ/ي أيضًا: العيساوية: حرب العزل والإقصاء وصلت مراحل متقدمة

قبل سنوات، وقعت ديانا ضحية خطأ طبي أفقدها القدرة على النطق والحركة، لازمت على إثره الكرسي المتحرك، إلا أن هذا لم يوقف حلمها في التجول والتنقل والخروج من البيت، وتخصيص مكان لمشاهدة الشمس.

يوضح محمد أبو الحمص، عضو لجنة المتابعة في العيسوية، أن القرية تفتقر لأماكن مخصصة وآمنة للمرضى من ذوي الإعاقة، وأن الاحتلال يرفض الخطط التنظيمية التي يقدمها الأهالي للبلدية من أجل البناء والتطوير، وتوفير أماكن آمنة.

 "المشكلة في القدس كلها، بس بالعيسوية بشكل مضاعف ضمن سياسة العقوبات الجماعية عالسكان، كل اشي ممنوع، ممنوع بناء ممنوع العيش بسلام وبمكان آمن" قال أبو الحمص.

بلدية الاحتلال تمنع البناء في العيساوية، وترفض مخططات بناء وتطوير قدمها الأهالي لكل القرية

يُبين لؤي، أنّهم فور بدء البناء قبل ثلاثة أشهر تسلموا قرارًا بالهدم، فتوجهوا للمحاكم على أمل إصدار أمرٍ بتجميده أو إيقافه، لكنهم فوجئوا بصدور قرار إداري نهائي بهدم المنشأة خلال أيام.

يقول لؤي: "المحكمة خيّرتنا يا بتيجي البلدية بتهدّ وبجبرونا ندفع 70 ألف شيكل، يا احنا بنهدّ بايدنا، اضطرينا نختار الهدم الذاتي لأنه الوضع ما بسمح ندفع كمان فوق الهدم".

وأضاف، "الهدم الذاتي صعب، لما تشوف مصاريك وتعبك وشقاك بتهده بايدك، كتير صعب، هو ماديًا أسهل من هدم البلدية بس أصعب نفسيًا ومعنويًا. بس احنا اضطرينا عشان ما ندفع الغرامة".

ومنذ بداية العام الحالي، صعدت بلدية الاحتلال في القدس من سياسة هدم المنشآت التجارية والسكنية في القدس، وشردت العشرات من الأفراد، وسلمت مئات العائلات قرارات هدم لا زالت حبيسة المحاكم بعد طعن العائلات ضدها، لكن أغلب هذه المعارك القضائية تنتهي بأحكامٍ تُخير أصحاب المنازل بين هدمها بأيديهم، أو أن تهدمها البلدية وتُلزمهم بدفع تكاليف الهدم وأجرة العمال والمعدات المستخدمة في الهدم، وتتراوح هذه المبالغ بين 60 إلى 90 ألف شيكل.

ووثق مركز معلومات وادي حلوة، فإن 30 منشأة في القدس تم هدمها ذاتيًا منذ بداية السنة الجارية، معظمها منازل مأهولة بالسكان، أو قيد الإنشاء، أو جاهزة للسكن.

ويلجأ أصحاب المنازل للهدم الذاتي، ليس لتجنب الغرامات فقط، بل أيضًا لتجنب الإجراءات التنكيلية التي تُصاحب الهدم المباغت الذي يبدأ غالبًا في وقت مبكر، ومنها الضرب والاعتقال وهدم البيوت فوق الأثاث دون إمهال أصحابها وقتًا لإخلائها.


اقرأ/ي أيضًا:

فيديو | هذه هي القدس: صح أم خطأ؟ 

"النايس جاي" تغزو القدس ببلاش وبغطاء إسرائيلي

مدارس بلدية الاحتلال في القدس: مخدرات وتحرش وأكثر