10-أكتوبر-2018

بينما تفتح السلطات السعودية أبواب السيارات للنساء لتولي القيادة، فإنها تُجَهّزُ بيدها الأخرى حبالها أو سيوفها -  إن أردت - لإعدام الناشطة السياسية إسراء الغمغام وخمسة آخرين، وحتمًا هنالك آخرون وآخرون لم نسمع بهم.

وفي مشهد آخر، وفي واحدة من لوحات "الديمقراطية الإسرائيلية" تتزين شوارع "تل أبيب" بعلم قوس قزح، ويُقبل الرجال بعضهم في الشوارع دون قلق وتفعل النساء ذلك أيضًا. وبين دعمها لهذا الحب المثلي الذي قد يكون أبطاله أيضًا فلسطينيون يرون قصص ضيق الحياة بهم في مجتمعهم المحافظ، وبين ترحيبها بالمثليين من جميع أنحاء العالم، نجحت "اسرائيل" في أن تكون واحدة من أهم وجهات السياحية المثلية في العالم. هذا الدولة تستقبل وترحب بالمثليين الذين مازال تقبلهم قانونيًا واجتماعيًا أمرًا غير واردٍ في الكثير من الدول، فأي تسويقٍ إنسانيٍ سياسيٍ واقتصاديٍ هذا، تتمكن فيه  دولة احتلالٍ تحاصر ملايين البشر وتعتقل الآلاف منهم وتستولي على أراضيهم يوميًا من أن تكون من أبرز الدول الداعمة لقضية حقوقية عالمية!

فأي تسويقٍ إنسانيٍ سياسيٍ واقتصاديٍ هذا، تتمكن فيه  دولة احتلالٍ تحاصر ملايين البشر وتعتقل الآلاف منهم وتستولي على أراضيهم يوميًا من أن تكون من أبرز الدول الداعمة لقضية حقوقية عالمية!

أما إذا أردنا الانتقال إلى مستوى آخر من مشاهد التسويق السطحي والساذج الذي أصابنا الإرهاق من متابعته يوميًا خلال نشرات الأخبار، فإننا سنجد الكثير من الصور ومقاطع فيديو لفخامة الرئيس أو جلالة الملك أو سعادة الوزير وهو يزور دارًا للأيتام، أو يستقبل مسنة مشردة كانت تتمنى لقاءه، أو يفاجئ صاحب مطعمٍ بتناول طبق حمص وفلافل من محله المتواضع في وسط البلد. طبعًا لا أحد سيصدق أن سجون هذا الرجل مليئة بالمعتقلين السياسيين، وأن رجال مخابراته يقتلعون أظافر اليد إذا لم ينجحوا في اقتلاع الإجابات، وأن مطعم هذا الرجل البسيط ليس عنوانًا لأصالة المدينة بل لفقرها.

اقرأ/ي أيضًا: الفلسطينيون على Netflix

في البدء ستركز على قصص هؤلاء الأشخاص (الأقل حظًا)، بعضها سيمس قلبك ويزعجك الظلم الذي  يتعرضون له، ولن تنتبه وأنت في غمرة فرحك بالضوء الإعلامي المسلط على قضيتهم إلى الخدعة التي تحصل هنا. فمساحات الحرية الجديدة التي منحها ابن سلمان للنساء مثلاً؛ ليست إلا ستارًا من اللطف أو الحداثة أو الديمقراطية - سمّها ما شئت - ليمرر يده بخشونةٍ على قضايا ورقاب شعبه وشعوب أخرى.

وإذا كان الأشخاص الأقل حظًا هم الاستثمار الأفضل بالنسبة للنظم السلطوية، ولسلطات الاحتلال على حدٍ سواء، فإنه لن يغيب عنا ذكر الاستخدام المتكرر والممل للقضية الفلسطينية من قبل طغاة العرب جميعهم، الذين حاربوا شعوبهم وجوعوها وتسببوا بتشويهات جسيمة لبنية مجتمعاتهم باسم شعارات الوهم والبطولة الكاذبة التي وعدوا من خلالها الفلسطينيين بالحرية.

عودةً إلى الانتصار الذي أحرزته "إسرائيل" في قضية المثلية الجنسية، فإننا قد نبدو غير مكترثين بأي ربحٍ تحققه "إسرائيل" من هذه القضية بحكم الرفض المجتمعي للقضية أساسًا، فأي ربح أو خسارة هنا لا يهم لأن القضية مرفوضة بالأصل، فلا يمكن البحث عن سُبُلٍ لاستثمارها. وفي حال تُشبه هذه الحالة من التيه أمام مكاسب العدو من قضية يرفضها المجتمع، يمكن الاستعانة بما قاله إدوارد سعيد: "الفلسطيني لا يحتاج إلى التذكير بأن أي انتصار إسرائيلي يقابله خسارة فلسطينية". ربما لا يمكننا أن نكسب أو نحمي أنفسنا من الخسارة، هنا ولكن هل يمكننا على الأقل أن نحمي أشخصنا الأقل حظًا من الاستخدام الإسرائيلي؟ أم أن الحل الوحيد هو أن لا يكون الأشخاص الأقل حظًا أقل حظًا بالأساس؟ 


اقرأ/ي أيضًا:

أنا ملالا الفلسطينية

عقدة سندريلا الفلسطينية

الانتحار.. حين يبتسم الموت للنساء أكثر