09-فبراير-2020

كل ما في "إسرائيل" للعقود المقبلة هو ضم فلسطين التاريخية وإنهاء فكرة (إنهاء الصراع). ستكون خططٌ من رؤساء أميركيين مقبلين وسابقين، ومبادرات عالمية لكنها ستظل خارج قدرة العقل الإسرائيلي على القبول. هنا في "إسرائيل" فكرة قوية اسمها الدولة اليهودية في فلسطين التاريخية، وقد تتعاظم هذه الدولة وتخرج لاستعمار مناطق في العالم العربي ليس لأسباب دينية على طريقة "فرات ونيل"، بل لأن القوة لا تقف بل تمتد في طريقها إلى الانحسار.

هنا في "إسرائيل" فكرة قوية اسمها الدولة اليهودية في فلسطين التاريخية، وقد تتعاظم هذه الدولة وتخرج لاستعمار مناطق في العالم العربي ليس لأسباب دينية

"صفقة القرن" مقبولةٌ في "إسرائيل" عند كل فريق، ضرائب كلامية تصدر من هنا وهناك عن منظمات حقوقية أو مجموعات سلام مثقفة، لكن الخطة ومرحلة الضم ستنطلق سواءً مع حكومة يمين أو يمين وسط.

ماذا يمكن أن نفعل؟  

فريق منظمة التحرير سيتمسك بحل الدولتين لأن السبعين عامًا من الصراع قبل الوصول إلى فكرة الضم كانت مليئة بمنطق مختلف عما سيأتي. ولكن الفكرة تلاشت، لا أوروبا تحافظ عليها ولا آسيا ولا روسيا الحمراء ولا حتى البيضاء، وهذا يحتم على الفلسطينيين إطلاق العنان لعقولهم للتفكير في حلول أخرى، وهذا ما سنشهده في السنوات المقبلة. الباحثون وكتاب الدراسات والمتعمقون سينسون حل الدولتين وسيصعدون بأفكارهم لمواجهة نوعين محتملين من السياسة الإسرائيلية: الأول: استعمار الضم، والثاني: الانفصال من جانب واحدة "هأفرداه".

اقرأ/ي أيضًا: هل ستكون إسرائيل سادس أعضاء مجلس الأمن؟

لا أحد يتكهن الآن خيارات الفلسطينيين المستقبلية خارج سلة صائب عريقات، لكن حتما ستأتي الأفكار لاحقًا. محمد اشتية يقترح الانفكاك، حيلةٌ قويةٌ تطورت عن فكر المقاطعة الاقتصادية. موجات السكاكين وعمليات الدهس ستستمر بالتأكيد وستتحملها "إسرائيل"، حدودٌ ملتهبةٌ ستتواصل مع غزة، وعلى هامش كل هذا ما هي الحلول الممكنة أو الواقع الذي يمهد لصدور الحلول؟

أول ما سيذهب له العقل الفلسطيني أن يلعن اللحظة التي وقّع وقبل فيها بغزة وأريحا أولاً، سنشتم أنفسنا كثيرًا كيف وقعنا في الخديعة، كيف وفرنا لعقل يهودي كان يفكر منذ السبعينات في التخلص من كتلة غزة السكانية والتكاثرية، ونجح في التخلص من هذه الكتلة عام 2005. وكيف ضحك على العالم على كلينتون وكوزريف والملك حسين وعرفات وأعطاهم حدًا بريًا مزيفًا في أريحا، وأوهمهم بمطار في الأغوار، وممر آمن في ترقوميا عام 1994، ومزق السلطة في عام 2002 من خلال "السور الواقي".

إزاء هذا اللون من التفكير قد يدخل أحد خيارات حل الصراع في فكرة حماية البقاء الفلسطيني في قلب الدولة اليهودية إلى أن يشاء الله والتاريخ وتتغير الدنيا، فتكون الكتلة السكانية في الضفة كأختها في الأرض المحتلة عام 1948، أمام مرحلة الحقوق المدنية من "دولة إسرائيل"، الحقوق المدنية بكل تجلياتها من التأمين الوطني إلى استخدام المطار إلى فرص العمل والتجنيد، نعم التجنيد سيكون واقعًا لان "إسرائيل" لم تترك منافذ أخرى للشعب الذي احتلته أن يقرر الخروج منها.

ليس هذا السيناريو الذي أكتب عنه الآن وحيدًا، ربما "إسرائيل" ستدير عشرين سنة قادمة بفكرة المعازل على طريقة "الصهر اليهودي للرئيس الأميركي"، ولكني أحاول تخيل سيناريو آخر قريب من فكرة الاستسلام الفلسطيني الذي يدعو له عدد من رجال الدين اليهود لتلافي سفك الدماء في ظل مزاعم عن مرحلة سلام.

ربما "إسرائيل" ستدير عشرين سنة قادمة بفكرة المعازل على طريقة "الصهر اليهودي للرئيس الأميركي"

ما بعد الضم سيفرض التفكير في خيارات القبول الفلسطيني في سلة من الحقوق والواجبات، وسيصنع كتلة سكانية جديدة مهزومة ولكن لها حقوق وخيارات. قد لا يعجب نسبة معقولة من هذه الكتلة أن تُلدغ من الجحر مرتين، سيرفضون برنامج الحكم الذاتي الأممي، لن يرحبوا بفكرة برلمان لهم، ولا بحياة سياسية ولا قيادة ولا زعامة، ليس لأنهم استسلموا كما يفهم الحاخام، بل سيدخلون في تكتيك ثوري خلاصي ومعاند ووطني ولا يعتريه أي تشكيك.

اقرأ/ي أيضًا: هل خسرت إسرائيل شيئًا؟

أعرف أني أقول كلامًا ممنوعًا في الدفتر الفلسطيني، ولكنه قد يحدث في أقرب سنة علينا، وهو يحدث حاليًا داخل الخط الأخضر، وسيصير خيارًا في حال تم ضم مناطق ج، وفي القدس أيضًا. وللمرة العاشرة ليس من باب الاستسلام بل من بل تكتيكات الضعفاء في حربهم على البقاء.

مرة أخرى هذا مجرد سيناريو، وهذه مجرد كتابة.

سيكون لزامًا علينا رعاية شؤوننا السياسية تحت قبة الكنيست والسماح لطلابنا باختراع أسلحة لوزارة الجيش، ووفودنا ستسافر تحت علم الدولة "اليهودية العبقرية"، وسنتقاسم الموازنات والصلاحيات واللغات والأديان والشوارع.

سيكون لزامًا علينا رعاية شؤوننا السياسية تحت قبة الكنيست والسماح لطلابنا باختراع أسلحة لوزارة الجيش

أعرف انه سيناريو كابوسي مرعب، لكنه محتمل الانبلاج في ظل اليمين الإسرائيلي المتصاعد، وانعدام الخيارات الفلسطينية والعربية.

نجح الحاخام وفشل عاموس عوز في "إسرائيل". لن يكون بإمكان أتباع عوز المثقفين إلقاء اجسامهم تحت جنازير الدبابات الإسرائيلية لإنهاء الصراع وإقامة "إسرائيل" الديمقراطية.

وهنا في الجانب الفلسطيني يختنق العقل منذ سنوات في فكرة الحلول، نؤبّن حقبًا سياسية كاملة باتت تتوارى وتندثر وصار لزامًا التفكير بغيرها.

هذا أحد السيناريوهات، وغيره كثير، ومنها انتفاضة ثالثة ورابعة، وقد يغير الإسرائيلي رأيه ويعود جزئيًا لحل الدولتين، وهناك خيار الانفصال الفردي وترك المناطق التي يقطنها فلسطينيون فجأة كما حدث في غزة. سيناريوهاتٌ كثيرةٌ قد تحدث. أحدها الضم الكبير الذي سيتطلب تفكيرًا فلسطينيًا سريعًا لفرض استراتيجيات البقاء وأدوات المطالبة بالحقوق الوطنية، إلى أن يأتي زمنٌ نصل فيه أخيرًا إلى التحرير الكامل والعودة الكاملة والقدس الكاملة.


اقرأ/ي أيضًا: 

القدس وصفقة ترامب

أحاجي الأساطير اللاهوتية في "دعامة عرش الرب"

صفقة القرن: ضجة الشعار وخفة السخرية