15-مارس-2018

getty images | صورة تعبيرية

"النكبة"

يعدُّ الفيلم الوثائقيّ "النكبة"، للمخرجة الفلسطينية روان الضامن، وهو الفيلم المتسلسل من أربعةِ أفلام وثائقيّة، من أهمّ الأفلام الوثائقيّة التي تمّ إنتاجها عن القضيّة الفلسطينيّة. فقد حازَ الفيلم على جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان الجزيرة الدولي عام 2009، وقد وصفه المفكر الفلسطينيّ أنيس الصايغ على أنّه "أفضل فيلم وثائقي عن فلسطين"، وقد تُرجمَ الفيلم إلى أكثر من 10 لغات حول العالم.

الجزء الأوّل: "خيوط المؤامرة"

تعود المخرجة الفلسطينيّة الضامن بنا إلى عام 1799، وتحديداً إلى نداء نابليون بونابرت لليهود في أوروبا إلى التجمُّع في فلسطين. باحثاً، الفيلمُ، في خيوط المؤامرة الأولى كما يُسمّيها، مستشكفاً بدايات التفكير الاستعماري في فلسطين منذُ بونابرت، وحتى بدايات الاستعمار الفعلي للأرض منذُ عام 1885، حيثُ كان قد بدأ بناءُ المستعمرات الصهيونية في فلسطين يأخذُ شكلاً عملياً وواقعياً. في هذا الجزء، يقدّم الفيلم، عرضاً للفِكر الصهيونيّ الأوّليّ، معتمداً على مقاطع مصوّرة نادرة من الأرشيفين البريطاني والصهيونيّ، وعارضاً الشعارات الأولى للاستعمار الصهيونيّ، وأهمُّها: "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". هذا كلُّه، في سياق التعاون بين الحركة الصهيونيّة والاستعمار البريطاني في فلسطين.

الجزء الثاني: "سحق الثورة"

يستعرض الفيلم في هذا الجزء منه، تاريخ ثورة 1936، منذُ البداية وحتى النهاية. مع بداية الثورة، تبدأ مرحلة أخرى من تاريخ القضيّة الفلسطينيّة، بالإمكان اختصارها بكلمة الثورة. يأخذُ الفلسطينيُّ الفلاحُ والمدنيّ مصيرهُ بيديه. يتدخّل "ملوك العرب" لإيقاف الإضراب الذي استمرّ أكثر من 6 أشهر شالَّاً الحركة التجارية وحتى السياسيّة في عموم البلاد. وفي هذه المرحلة نفسها، تكون الحركة الصهيونيّة أيضاً قد دخلت منعطفاً مختلفاً في تاريخ استعمارها لفلسطين. إذ تبدأ في تدريب عناصرها على السلاح، العناصر الذين كانوا قد شاركوا من قبل في القتال جنباً إلى جنب مع القوات البريطانية في الحرب العالمية الثانية. ويتعرّض الفيلم في هذا الجزء أيضاً إلى المخططات التي وضعت ما قبل حدث النكبة، كـ"مشروع القرى"، في الأربعينات والذي أعدّ العدّة الاستخبارية والمعلوماتية حول القرى الفلسطينيّة من أجل استخدامها عند الحاجة.

الجزء الثالث: "التطهير العرقي"

"التطهير العرقي"، هو مصطلح يتمّ استخدامه لوصف حدث "النكبة"، كما يتمُّ استخدامه لوصف أيّ عملية إبادة عرقيّة ممنهجة تهدفُ إلى إلغاء وإبادة الوجود السكّاني لشعبٍ من الشعوب. يستخدمُ الفيلم هذا المصطلح عنواناً لجزئه الثالث الذي يعرضُ تاريخ حدث النكبة، بادئاً بصور للمزارعين اليهود في بيارات البرتقال الاستيطانية، وأيضاً، بمقاطع نادرة مصوّرة للتدريبات الاحترافيّة للحركة الصهيونيّة. تقوم عصابة البلماح، وهي الجناح العسكري لمعسكر اليسار الاسرائيلي، وخصوصاً، ما عرف لاحقاً بحزب العمل. بتهجير أوّل قرية فلسطينيّة وعدد سكانها البالغ 1500، وهي قرية "قيسارية"، وعدَّ ذلك بمثابة البدء بعملية تهجير الفلسطينيّين بعلمِ بريطانيا التي لم تُحرِّك ساكناً تجاه المذابح الصهيونيّة في دير ياسين وغيرها من القُرى الفلسطينية. كما يكشفُ الفيلم، عن تعاون قيادة الجيش العربي آنذاك، بقيادة "جلوب باشا" وعدداً من مساعديه البريطانيين الذين كانوا على رأس قيادة الجيش العربي، مع الحركة الصهيونيّة أثناء المعارك، وكيف ساهم هذا التعاون في إلحاق الهزيمة وإتمام عمليات التهجير بحق الفلسطينيين.

الجزء الرابع: "النكبة مستمرة"

في الجزء الرابع، يستحضرُ الفيلم الحاضر في الماضي والماضي في الحاضر. نرى بوضوح جليّ حجم المأساة التي خلّفت وراءها 11 مدينة مُحتلّة، و500 قرية مدمّرة واستشهاد أكثر من 13 ألف فلسطينيّ بين عاميّ 1947 و 1949، وتهجيرُ أكثر من 850 ألف فلسطيني. ونرى إسرائيل وقد قُبِلَت بالأمم المتحدة عضواً، واعتبرها مجلسُ الأمن بلداً محبّاً للسلام، على الرغم من ارتكابها أفظَعَ جرائم الاستعمار الأوروبيّ. يرى الفيلم أنّ النكبة "مستمرة"، إذ يستحضرُ الحاضر العربيّ ويقارنه مع ماضيهِ في تلك اللحظة من تاريخ الأمّة العربيّة، ويقارنُ رهانات الحكومات العربيّة على بريطانيا آنذاك، برهاناتها اليوم على الولايات المتحدة، ويقارن بين تحكُّم القيادات الإقطاعيّة آنذاك، بتحكُّم البرجوازيّة في الحاضر، والصراعات العائلية بالأيديولوجيّة الآن.. هذا كلّه، يرى فيه الفيلم، استمراراً للنكبة، إذ لا تزال إسرائيل واقعاً يزدادُ قوّة يوماً بعد يوم، ويترسّخ في التاريخ، ولا تزال الحكومات العربيّة تزدادُ وهناً وضعفاً وتمزُّقاً داخلياً، ولا تزالُ فلسطين محتلة.

 

حكاية ثورة.. الثورة الفلسطينيّة منذُ البداية وحتى النهاية

من إخراج وإعداد عمر العيساوي، الفيلمُ الوثائقيُّ "حكاية ثورة"، يروي حكاية الثورة الفلسطينيّة في 13 جزءًا وثائقيًا منذُ جزئه الأوّل الذي يعرضُ صورةً عامّة تاريخيّة، حول إنشاء منظمة التحرير، وصعود جمال عبد الناصر في مصر، والتحوُّلات التي أحدثتها النكبة في الحالة العربيّة، وحتّى الأوّل من يناير عام 1965، وهو اليومُ الذي أعلنتْ فيهِ حركة فتح عن طريق بيانٍ باسم "قوات العاصفة"، عن انطلاقة الكفاح المسلح الفلسطيني.

"الكفاحُ المسلح"، هو عنوان الجزء الثاني، الذي يستكملُ مسيرة الفلسطينيّ في الشتات، الضائع في وسطِ زحمة الاحتمالات والمآزق العربية، ونشأة القرار الفلسطينيّ المستقل، ومرحلة أخرى تشبه مرحلة ثورة 1936، حيثُ يعاود الفلسطينيّ محاولة إمساك مصيره بيديه. وصولاً إلى "الكرامة"، المعركة التي غيّرت تاريخ الثورة الفلسطينيّة، وحققت لها ما يكاد يشبه الانطلاقة الثانية، إذ يعرضُ الفيلم، كيفَ أثّر الانتصارُ الفلسطيني في المعركة، على المعنويات العربيّة عموماً والفلسطينيّة خصوصاً، وثبّت الإيمان بالثورة الفلسطينيّة والكفاح المسلّح، كالطريق الوحيدة لاستعادة فلسطين. لكنّ هذه المرحلة لم تستمر طويلاً، إذ سرعان ما تأزّمت العلاقة بين كلّ من ياسر عرفات وقيادات الثورة والفصائل الفلسطينيّة والحكومة الأردنيّة، ولم يستمرّ الأمر طويلاً حتى كان "أيلول الأسود"، الذي أفضى إلى محاولة القضاء على الثورة في الأردن ومحاصرتها والتآمر عليها أردنياً وعربياً. لاحقاً، شكّلت هزيمة الفدائيين في الأردن ما يكاد يكون ضربة قاضية للثورة الفلسطينية والآمال التي علِّقت عليها، ومن ثمّ ظهرت الحاجة إلى عملٍ استثنائيّ، من شأنه أن يشكِّل انطلاقة ثالثة للعمل الفدائيّ، فكانت "منظمة أيلول الأسود"، وهو عنوان الجزء الخامسِ من سلسلة حكاية "ثورة". اشتهرت منظمة أيلول الأسودِ باغتيالِ وصفي التلّ، رئيس الوزراء الأردني في القاهرة، وكذلك بعملية "ميونيخ" الشهيرة التي انتهت إلى مذبحة مروّعة.

شكّل الخروج الفلسطيني من الأردن مرحلة حاسمة في تاريخ الثورة الفلسطينيّ. لاحقاً، قامت بعض الفصائل الفلسطيني، ببعض العمليات الفدائيّة التي كانت مثار جدلٍ عالميّ وفلسطيني داخليّ. اشتهر الدكتور وديع حدّاد، مسؤول العمليات في الجبهة الشعبيّة، بعمليّات خطف الطائرات، واشتهرت بقعة قاحلة في الأردن، بما عرف باسم "مطار الثورة". في هذا الجزء من الفيلم، بعنوان "البندقيّة وغصن الزيتون"، يعرضُ الفيلم تاريخ هذه العمليات الفدائيّة، وبعضاً من تاريخ وديع حداد الشخصيّ، وإلى ما انتهى من فصلٍ من الجبهة الشعبيّة ولغز موته المحيّر. كما يعرضُ الفيلم محاولات ياسر عرفات في الأمم المتحدة، لنيل اعتراف أممي بالحق الفلسطينيّ. فيما بعد كانت بلاد الأرز، وفي الجزء المعنون: "في بلاد الأرز"، يستكملُ الفيلم الحلقة السابقة، ويروي حكاية الدخول الفلسطيني إلى لبنان، والعلاقات والصراعات التي نشأت إثر هذا الدخول، والتي هيّأت فيما بعد، لأحداث مفصلية تاريخيّة في تاريخ الشعب الفلسطيني. وثمّ، "هبّت رياح الجنة"، في هذا الجزء، يروي الفيلم حكاية الاجتياح الإسرائيلي إلى لبنان في عام 1982، وحصارُ بيروت، وأسطورة المقاومة الفلسطينيّة وصمودها، وكيف انتهى هذا الحصار إلى اتفاقٍ أمريكيّ – إسرائيليّ – عربيّ، يقضي بخروج الثورة الفلسطينيّة من لبنان؛ وثمّ كانت المذبحة.

بعنوان "الدم المستباح"، يروي الفيلم حكاية مجزرة صبرا وشاتيلا، وحكاية منفّذيها، الكتائب اللبنانية والقوات اللبنانية. كما يروي الفيلم، حكاية الدم المستباح في تل الزعتر، وفي طرابلس، وغيرها من الأماكن في لبنان، على يدِ الكتائب، الجيش السوري، الجيش الإسرائيليّ، القوات اللبنانية وقائدها سمير جعجع، حركة أمل وقائدها نبيه برّي.

وثمّ كان "المنفى مجددًا"، وفي هذا الجزء يروي الفيلم حكاية الخروج الفلسطيني من لبنان، إلى تونس، والخيارات التي واجهتها الثورة الفلسطينيّة والتي كان عليها التفكير بها وبمأزق الثورة الفلسطينيّة. وكانت "الانتفاضة" الأولى لاحقًا، قد نبّهت القيادة الفلسطينيّة في الخارج، إلى عمقها الوطنيّ في الداخل، الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة، ولم يمضي وقت طويل على اندلاع الانتفاضة حتى أصبحت القيادة الفلسطينيّة في الخارج ضالعة في التخطيط والإمداد وغيرها من الأمور.  وقد أفضت الانتفاضة أخيراً إلى ما عرف لاحقاً بمحادثات السلام في مدريد ومن ثمّ، "أوسلو". في الحلقة ما قبل الأخيرة بعنوان: "سراب الدولة أم بذورها؟"، يستعرضُ الفيلم تاريخ محادثات السلام الأولى بين منظمة التحرير وبين إسرائيل عبر الوسطاء المتعددين، ويبحثُ في السؤال الرئيسيّ: أكان اتفاق أوسلو، سرابًا، أم مقدّمة حقيقيّة لاتفاق سلام نهائيّ وشامل؟

أخيراً، "الختيار"، فلم يكن تاريخ الثورة الفلسطينيّة منفصلًا عن تاريخ ألمع قادتها وأكثرهم حضورًا: ياسر عرفات، الذي سمِّي لاحقًا بـ"الختيار". في جزئه الأخير، يروي الفيلم نهاية رحلة الثائر الفلسطيني والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. كيف تأزّمت المفاوضات مع الأمريكيين والإسرائيليين في كامب دايفيد. صعود شارون وتصميمه على قتله. صعود جورج بوش ووعد العرب لعرفات أنّه قادر على إعطائهم أكثر من سلفه كلينتون. وحدة ياسر عرفات السياسية والجغرافية في رام الله خلال شهور الحصار الطويلة. وأخيرًا، لغز موته المحيّر.

على امتداد حلقاتهِ الـ13، استضاف الفيلمُ عددًا من القيادات الفلسطينيّة واللبنانية والأردنية والعربيّة، والشخصيات الأجنبيّة، التي تحدّثت بوضوح عن هذه المرحلة الممتدة من الأوّل من يناير 1965، وحتى شهور عرفات الأخيرة في رام الله. كان منهم، ياسر عرفات، أبو داوود، صلاح صلاح – الجبهة الشعبية، شريف الحسيني – الجبهة الشعبية، بسام أبو شريف – الجبهة الشعبية، فاروق القدومي – منظمة التحرير، الباجي قائد السبسي – تونس، ممدوح نوفل – الجبهة الديمقراطية، نايف حواتمة – الجبهة الديمقراطية، أحمد الخالدي – أكاديمي فلسطيني، أبو العباس – الجبهة الشعبية القيادة العامة، حسين الآغا – كاتب، الأمير الحسن بن طلال – الأردن، المنجي الكعلي – تونس، وليد جنبلاط – لبنان، إلياس عطالله – الحزب الشيوعي اللبناني، نديم عبد الصمد – الحزب الشيوعي اللبناني، ويليام كواندت – الولايات المتحدة، نذير رشيد – المخابرات الأردنية، وغيرهم الكثيرون ممّن قدّموا شهاداتهم على هذه المرحلة التاريخية.


اقرأ/ي أيضًا:

7 أفلام فلسطينية وصلت العالمية

"خارج الإطار".. حكاية شعب في بحثه عن صورته

"ببغاء" فيلم يحكي الوجع الفلسطيني