31-مايو-2018

"الفن الرديء خيانة للجماهير"/جوته.

إذا قمنا ببحث كمي بسيط، عينته الحلقات الـ11 الأولى من برنامج "وطن ع وتر"، نجد أنها تحتوي على: 89 شتيمة وإهانة غير مبرّرة سرديًا، و33 جملة ووصفًا ذكوريًا، و35 جملة ومشهدًا عنصريًا، و37 إيحاء جنسيًا مباشرًا.

متوسط طول الحلقة يصل إلى عشر دقائق، وهذا يعني أن كل دقيقة بثت من البرنامج حملت ما يقارب إساءتين لفرد أو شريحة من المجتمع، دون أي ضرورة درامية تدفع لاستخدامها. وهذا يتنافى بشكل واضح ليس مع "العادات والتقاليد" الفلسطينية فقط، وإنما مع الشارع الفلسطيني، الذي يدّعي عماد فراجين تمثيله ونقله إلى الشاشة.

في 11 حلقة من "وطن ع وتر": 89 شتيمة وإهانة غير مبرّرة سرديا، و33 جملة ووصفًا ذكوريًا، و35 جملة ومشهدًا عنصريًا، و37 إيحاء جنسيًا مباشرًا

لا يوجد كاتب لحلقات البرنامج الذي بُث على مجموعة من الفضائيات العربية والفلسطينية، وإنما الأمر موكول لعماد فراجين الممثل الرئيسي في البرنامج، ولعل هنا "رأس الخيط" الذي من خلاله يمكننا فهم جميع المشاكل التي يعاني منها البرنامج. فالتكرار والاستسهال وسرقة الأفكار وغيرها من الانتقادات التي توجه للبرنامج، نتيجة لافتقار البرنامج لكاتب سيناريو مختص.

اقرأ/ي أيضًا: فنانون غزيون هجرهم الحصار والناس

وصل البرنامج الحائز على جائزة أفضل عمل كوميدي عربي في “مونديال القاهرة” للإذاعة والتلفزيون مرتين متتاليتين، إلى موسمه التاسع. وبسبب افتقاره لفريق عمل يقوم بمتابعة الحياة الاجتماعية والسياسية الفلسطينية، يبدو أن العمل استُنزف ولم يعد قادرًا على تقديم جديد، وهو ما دفعه إلى التكرار.

يعاني المسلسل من "التكرار" على جميع المستويات، من مسرح الأحداث، وأزياء الممثلين، وحتى الأفكار، مرورًا بالقضايا التي يعالجها البرنامج، وطريقة المعالجة، والمعجم المحكي. هذا التكرار وصل إلى إعادة حلقات بأكملها لمجرّد حصولها على مشاهدات عالية. مثلما حدا في حلقة "أخبرهم يا صلاح" التي انتشرت انتشارًا واسعًا في الموسم الثامن، وكرّرت دون أية إضافة تذكر هذا الموسم.

في هذه الحالة يمكن القول إن مشكلة التكرار تتقاطع مع غيرها، ففكرة "أخبرهم يا صلاح" هي أصلاً فكرة مسروقة، وليست أصيلة للبرنامج. يتآزر هنا "التكرار" مع "السرقة" لينتجان حلقة باهتة وغير مقنعة.

لم يتطرق أحد إلى "سرقات البرنامج"، لذلك يبدو أن أصحاب الأعمال الكوميدية العرب يظنون أن هذه النوعية من الأعمال غير مطالبة باحترام حقوق النشر، فالبرنامج يعتمد في مواسمه الأخيرة على "نكت الفيسبوك" بشكل واضح.

إلا أنه في هذا الموسم نلاحظ وجود عبارة "فكاهة مقتبسة" على عدد كبير من مشاهد الحلقات، ولا أدري إن كان الأمر قانونيًا أم لا، إلا أن ليس هذا المأمول من برنامج يتابعه الملايين من الوطن العربي.

الإساءة للوالدين

في الحلقة الثالثة من المسلسل، وقف فراجين، موجهًا رسالة إلى المشاهد، مفادها وجود فرق بين الممثل الكوميدي و"الأهبل"، فالأخير مريض لا أمل من علاجه، أما الممثل فيملك رسالة، يوصلها للناس عبر الابتسامة.

ولكن صاحب "الكوميديا الهادفة" لم يكمل جملته، حتّى وصف أمه (أمه الحقيقية في هذه الحالة وليست في التمثيل) بأنها قصيرة كـ"زرّدية الكبس" أو مفتاح علبة اللحمة. ثم كرّر مسلسل الإساءات العشوائية بعد أن أساء لأمه أكثر من ثلاث مرّات، بجملة يمكن اعتبارها مهينة لعمّال البناء.

وفي حلقة أخرى بعنوان "شعبيات"، يصف والده بـ"المشطوب" و"شنبه مثل ذنب العجل" ويصرخ عليه: "شواربك مثل أباط الناقة". تنضح حلقات المسلسل بالشتائم للوالدين، وعدم احترامهم، وإظهارهم في مظهر الإنسان الجاهل غير المتابع للحياة اليومية، وهذا ليس مستغربًا إذا علمنا أن جملة مثل: "يلعن أبو اللي نفظك" و"يلعن أبوك" تكرّرت أكثر من 18 خلال الحلقات العشر الأولى فقط.

صور نمطية تعمق حالة الاستسلام

في الحلقة الرابعة من المسلسل هذا الموسم تحت عنوان "مقاطعة البضائع الأمريكية"، يعقد عماد فراجين اجتماعًا على مستوى العمارة التي يسكن فيها، يقرّر خلاله مقاطعة البضائع الأمريكية، لأسباب تتعلق بـ"اليهود". وبعيدًا عن عدم الدقة في محاربة اليهود بدلاً من الاحتلال الإسرائيلي، يبدأ فراجين بتحطيم هاتفه النقال، والتلفاز وجهاز الحاسوب، ثم يطلب من زوجة جاره أن تخلع ملابسها لحرقها، لأنها من ضمن البضائع الأمريكية!

يستمر الفراجين في المقاطعة، ويأخذها حتى آخرها، فيظهر في مشهد لاحق، بثياب من العصر الحجري، ممسكا بقوس وسهام في ملاحقة محمومة لاصطياد أرنب.

أظهر الفراجين المقاطِع للبضائع الإسرائيلية والأمريكية، كجاهل، يقوم بتحطيم بيته وممتلكاته، ثم أظهره كمتعصب

في هذه الحلقة وحدها، أظهر الفراجين المقاطِع للبضائع الإسرائيلية والأمريكية، كجاهل، يقوم بتحطيم بيته وممتلكاته، ثم أظهره كمتعصب عندما لم يتحدث مع جاره الذي يلبس لباسًا أمريكيًا، وعندما نعت زوجته بـ"الجاسوسة، من بلد كلها جواسيس" ووصف أبوها بالجاسوس لأنه يصرف بالدولار!

على صعيد آخر، أظهر الفراجين فهم الساسة وجزءًا من الإعلام العربي لموقعنا من العالم، فلا يمكن لنا التمتع بمستوى كريم من الحياة في ظل الابتعاد عن أمريكا أو إسرائيل. يمكن فهم الحلقة لو أتت في إطار توضيح تغول النظام الأمريكي في العالم، وفي منطقتنا العربية بشكل خاص. ولكن هذا التوضيح، يستلزم شيئا من المقاومة لا الاستجداء وإظهار العجز حتى عن حياة كريمة متواضعة.

وبعيدًا عن مشاهد التحرّش والاستهزاء وضرب "الكفوف" لكل من شارك في البرنامج، أو مرّ مرور الكرام من جانب التصوير! يبدو أن التمويل الذي كثيرًا ما طالب فيه عماد فراجين، لم يكن في صالح البرنامج. فأتى هذا الموسم مخيّبا للآمال، ولا يرقى لما وعدنا به في مواسمه الأولى.

لا يستطيع التقرير تقديم الحلول للبرنامج، أو تفسير عدد المشاهدات الكبيرة التي يحصل عليها، فلذلك مواد ودراسات أخرى، قد يجدها القارئ تحت عنوان "كيف يجعل الناسُ الفارغين مشاهير؟".


اقرأ/ي أيضًا:

فيديو | "الزوبعة".. مسرحية لا ترحب بالإعلام

كيف تطورت الأغنية الفلسطينية في قلب الأغنية الشعبية؟

ذوو الإعاقة في "دفتر كشكول".. قراءة نقدية