11-سبتمبر-2019

خلال الشهور الأخيرة، زادت "إسرائيل" من حدة هجومها على حركة الجهاد الإسلامي، وكان من ذلك اتهامها بالعمل بناءً على تعليمات إيرانية، ومحاولة تفجير "تفاهمات التهدئة" التي يتم التوصل لها مع حركة حماس برعاية مصرية وأُممية ودورٍ قطري.

في هذا الإطار، جاء هذا الحوار الخاص مع عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي وليد القُططي، ليتناول هذه التهديدات، والوضع العام في قطاع غزة أمام جولات التصعيد التي تحدث من حين لآخر، و"تفاهمات التهدئة"، والتهديدات الإسرائيلية بعملية عسكرية واسعة ضد القطاع، إضافة للتطورات على الساحة الداخلية، واقتراب الإعلان عن "صفقة القرن".

 س: في أي سياق يمكن أن نضع كل إجراءات الاحتلال ومساعيه الرامية لرفع وتيرة التصعيد الميداني مع قطاع غزة؟

ج: رفع وتيرة التصعيد الميداني في قطاع غزة يُوضع في السياق الطبيعي لسياسة دولة الاحتلال العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني عامّة وقطاع غزة خاصّة، هذا الكيان قائم على العنف والعدوان والإرهاب، ويستمد استمرار وجوده على إدامة العنف والعدوان والإرهاب، وطالما الشعب الفلسطيني في قطاع غزة صامد ويقاوم الاحتلال والحصار سيستمر عدوان الاحتلال.

س: ردّ المقاومة هذه المرة على تصعيد الاحتلال كان مختلفًا، إذ كانت الوسيلة "طائرة مُسيّرة" انطلقت من القطاع واخترقت أجواء "غلاف غزة"، وأطلقت عبوة ناسفة صوب عربة عسكرية "إسرائيلية" أحدثت أضرارًا مادية بسيطة بها قبل أن تنسحب بسلام. هل يمكن اعتبار هذه الوسيلة الجديدة تطورًا مهمًا في عمل المقاومة وتغيرًا حقيقيَّا في "قواعد اللعبة" مع الاحتلال؟

ج: إرسال المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة طائرة مسيرة لتضرب هدفًا للاحتلال هو تطور نوعي في أدوات المقاومة حدث في السابق عندما أرسلت "سرايا القدس" طائرة مُسيّرة لتضرب هدفًا عسكريًا للاحتلال، ولكن ذلك لا يُعتبر تغيرًا في قواعد اللعبة مع الاحتلال أو قواعد الاشتباك القائمة على نوع ما من توازن الردع النسبي مع الاحتلال.

وليد القططي: الطائرات المُسيرة ليست تغيرًا في قواعد الاشتباك القائمة على ما من توازع الردع النسبي

س3: قُبيل بدء الاحتلال تصعيد الأوضاع الميدانية مع القطاع، من خلال تعمّده استخدام القوة المميتة ضد "متظاهري العودة"، سبق ذلك تهديدات متوالية من قادة سياسيين وعسكريين لدى الاحتلال بشنّ عدوان جديد على القطاع. هل تُعد تلك التهديدات دعاية انتخابية (للكنيست) أم قرعًا لطبول الحرب؟

ج: تهديدات القادة السياسيين والعسكريين لدولة الكيان الصهيوني هي جزء من تركيبة الكيان الصهيوني وسياسته الدائمة تجاه الفلسطينيين والعرب منذ قيام الكيان لها علاقة بطبيعة الكيان العدوانية والإرهابية، وليست مرتبطة بحملة انتخابية مؤقتة بزمن معين، قد ترتفع وتيرة هذه التهديدات زمن الانتخابات الإسرائيلية لزيادة الرصيد الشعبي لهؤلاء القادة ولكنها جزء من تركيبة وسياسة الكيان الدائمة.

س: على وقع التوتر القائم بين غزة والاحتلال؛ وصل (مساء الأحد) وفد أمني من المخابرات العامة المصرية عبر حاجز بيت حانون/ إيرز (شمال)، والتقى بقادة الفصائل الفلسطينية. ما هي الملفات التي تم بحثها مع الوفد المصري؟

ج: الوفد الأمني المصري بحث ملف التفاهمات مع الاحتلال التي جزء منها عملية التهدئة على حدود القطاع مع الكيان الصهيوني، وهو يحاول في كل مرة تثبيت حالة الهدوء، ولكن الفصائل الفلسطينية تحاول الضغط باتجاه تطبيق التفاهمات الرامية إلى إنهاء الحصار المفروض على القطاع، أو على الأقل تخفيفه مرحليًّا وصولاً إلى إنهاء حالة الحصار.

س: في كل جولة تصعيد عسكريّة بين المقاومة والاحتلال، عادةً ما يسارع الأخير بتوجيه أصابع الاتّهام إلى حركة الجهاد الإسلامي بالوقوف وراء ذلك؛ تنفيذًا لـ"تعليمات إيرانية"، على حد وصف هؤلاء المسؤولين. كيف تردّ؟

ج: اتّهام العدو لحركة الجهاد الإسلامي بالوقوف خلف التصعيد تنفيذًا لتعليمات إيرانية يقع في إطار محاولة تشويه الحركة وإخراجها من دورها الوطني كحركة مقاومة فلسطينية تلتزم بالمصلحة الوطنية الفلسطينية وتسعى لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني الوطنية، هذا الاتهام بالطبع لا يصدقه أحد من الشعب الفلسطيني الملتحم مع مقاومته.

وليد القططي: اتهامنا بالعمل بناءً على تعليمات إيرانية هدفه إخراجنا من دورنا الوطني حركة مقاومة

س: ما مدى استعداد الفصائل في غزة وعلى رأسها الذراع العسكريّة لحركة الجهاد (سرايا القدس) حال اتّجه الاحتلال لخيار الحرب؟

ج: المقاومة في القطاع وفي مقدمتها حركة الجهاد الإسلامي ستقوم بواجبها في الدفاع عن الشعب الفلسطيني وحماية نفسها ومنع العدو من تحقيق أهدافه فيما لو فُرضت الحرب عليها من الاحتلال، ولا يوجد خيار آخر سوى الاستسلام للعدو.

س: بعد أكثر من عام ونصف العام على انطلاق "مسيرات العودة"، وما ترتّب عليها من إجراءات لكسر حصار غزة، بوساطة مصريّة وقطريّة وأمميّة، ماذا حقّقت هذه المسيرات في بُعدَيْها السياسيّ والإنساني للفلسطينيين؟

ج: مسيرات العودة وكسر الحصار جزء من النضال الوطني الفلسطيني وجزء من المقاومة الشعبية الفلسطينية في كل فلسطين، وهي عمل وطني تراكمي يصب في خدمة الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني، لا ينبغي عزلها عن هذا الإطار الوطني المقاوم وفي نفس الوقت لها أهداف خاصّة أهمها إحياء حق العودة للاجئين الفلسطينيين وإنهاء الحصار المفروض عل قطاع غزة، بقدر اقترابنا من هذين الهدفين نستطيع القول أنها حققت أهدافها أم لا.

س: (324) شهيدًا، وآلاف الإصابات، حصيلة المسيرات منذ انطلاقتها وفق وزارة الصحة بالقطاع، وما زالت قوات الاحتلال تستهدف بشكل متعمّد وعن سبق إصرار وترصّد المتظاهرين السلمّيين والطواقم الطبيّة والصحفيين. ما هو المطلوب من الوسطاء خصوصًا والمجتمع الدولي عمومًا إزاء هذه الانتهاكات "الإسرائيلية" الجسيمة ؟

ج: المطلوب من الوسطاء والمجتمع الدولي أن يمارس دوره في الضغط على العدو لوقف جرائمه المتكررة في استهداف المتظاهرين السلميين الذين يمارسون حقّهم الطبيعي في التظاهر ضد الاحتلال والحصار بوسائل سلميّة، بدلاً من الضغط على المقاومة لكبح رغبتها في الردّ على جرائم الاحتلال بالطريقة الوحيدة التي يفهمها الاحتلال وهي القوّة.

س: أوساط عدّة عزت ذلك الحدث "الخطير" إلى الفكر "الإجرامي المنحرف"، الذي يغزو عقول قلّة قليلة من الشُبّان. كيف يمكن تحصين البيئة الداخلية الفلسطينية من ممارسات هذا الفكر ؟، وهل المعالجة الأمنية وحدها كافية لمكافحته؟

ج: الجريمة لها منبعَيْن، أحدهما الفكر التكفيريّ المنحرف، والآخر العقل الأمني "الإسرائيلي"، الذي يستخدم هؤلاء المجرمين الجَهَلة في تحقيق أهدافه العدوانية، عمليّة تحصين الجبهة الداخليّة الفلسطينيّة بناءً على ذلك لها اتجاهان، أحدهما مواجهة الفكر التكفيريّ ومحاربته بكافّة الطرق والوسائل ومنع مروّجيه من الصعود للمنابر واستبعادهم من المدارس والجامعات ومنصات التواصل الاجتماعي، والآخر اتجاه أمني لاكتشاف الاختراقات الأمنية وتفكيكها.

وليد القططي: العقل الأمني الإسرائيلي يستخدم أصحاب الفكر التكفيري المنحرف في تحقيق أهدافه العدوانية

س: ننتقل إلى الضفة المحتلة، التي تشهد بين الحين والآخر عمليات فرديّة (طعن ودهس)، كما شهدت عملية "نوعية" نهاية شهر آب/أغسطس الماضي، تمثّلت بتفجير عبوّة ناسفة قرب مستوطنة "دوليب" غربي رام الله؛ أدت لمقتل مستَوطِنَة وإصابة اثنَين آخرَيْن. في أيّة سياقات تضع حركة الجهاد هذه العمليات التي تشهدها الضفة المحتلة، لا سيما خلال الأسابيع الأخيرة؟

ج: عمليات الضفة الغربية تأتي في سياق المقاومة الشعبية للاحتلال، وهي الأصل في التعامل مع الاحتلال، وليس ما أفرزته اتفاقية "أوسلو" من شراكة مع الاحتلال، وهذا يدل على أن الشعب الفلسطيني لا تُفلح معه كل محاولات التدجين والترويض الهادفة لجعله يتعايش مع الاحتلال.

س: مؤخرًا، كشف مسؤولون إسرائيليون عن مساعٍ لديه لتشجيع "فلسطينيي غزة" على الهجرة إلى الخارج، وإبداء استعداد الكيان لتسهيل ذلك عبر فتح مطاراته لهم. ما تعليقكم؟

ج: تشجيع الفلسطينيين في قطاع غزة على الهجرة هدف صهيوني قديم مرتبط بجوهر المشروع الصهيوني، فتهجير الشعب الفلسطيني من فلسطين كلها وليس من غزة لتفريغ الأرض الفلسطينية للمستوطنين اليهود هو جوهر المشروع الصهيوني" ولذلك قامت حرب 1984 على طرد معظم الشعب الفلسطيني من أرضه وبالنسبة لغزة فهدف الحصار والحروب  العدوانية عليه هي جعل الحياة في غزة مستحيلة لدفع الناس للهجرة، وهذا نجح جزئيًا في قطاع غزة بفعل هذه السياسة للاحتلال ضد غزة.

س: يأتي هذا الكشف عن مخطّط الاحتلال تهجير الغزّيين "طواعيةً"، بالتزامن مع دخول التحركات الشعبية الفلسطينية في لبنان شهرها الثاني على التوالي؛ رفضًا لقرار وزير العمل اللبناني استهداف "عمالة اللاجئين الفلسطينيين"، بذريعة تطبيق خطّة لـ "مكافحة العمالة الأجنبية". ما هي دلالة توقيت القرار وتفعيل هذه الخطّة؟

ج: ما يحدث في لبنان من قرارات وقوانين وسياسة للحكومة اللبنانية ضد اللاجئين الفلسطينيين هدفه دفعهم للهجرة من مخيمات لبنان لتفريغ المخيمات من اللاجئين أو على الأقل من فئة الشباب. وهذا ينسجم مع صفقة القرن التي أحد أهم ركائزها هو إلغاء حق العودة، من خلال إلغاء مخيمات اللاجئين لأنها الشاهد على الجريمة الصهيونية المتواصلة بتهجير الفلسطينيين من أرضهم ومنعهم من العودة إليها، وربما هذا ما حدث في سوريا من خلال مهاجمة المخيمات على يد المجموعات التكفيرية كـ "داعش" و"القاعدة" وغيرها، وهي أدوات بين أمريكا لتنفيذ سياساتها التي تصب في خدمة الكيان الصهيوني.

س: حول "صفقة القرن"، ما هو مستقبل "الصفقة" بعد استقالة مبعوث الإدارة الأميركية إلى المنطقة "جيسون غرينبلات"، وفشل مخرجات ورشة البحرين الاقتصادية التي لاقت إجماعًا فلسطينيًا على رفض عقدها والاعتراف بمخرجاتها؟

ج: "صفقة القرن" هدف أمريكي دائم في ظل إدارة دونالد ترامب، وقد تستمر إلى ما بعده، لأنها وسيلة لتصفية القضية الفلسطينية، وشَرعنة ودمج وجود "إسرائيل" في المنطقة، وهذا غير مرتبط بأسماء المسؤولين الأمريكان مهما تغيرت أسمائهم، ولا حتى مرتبط بورشة البحرين وغيرها، فصفقة القرن مشروع دائم للإدارة الأمريكية له أبعاد ايديولوجية ومصلحية وسياسية أمريكية ثابتة.

س: يبدو أن من بين أهداف "الصفقة" إعادة ترتيب مصفوفة الأعداء في المنطقة، بمعنى تثبيت "إسرائيل" كـ"كيان شرعي" بالمنطقة، وخلق عدوّ وهميّ للأمة العربية والإسلامية ..كيف تعلّق؟

ج: صفقة القرن -كما قلت- لها  هدفان: الأول تصفية القضية الفلسطينية، والثاني دمج إسرائيل في المنطقة العربية والاسلامية، ولتحقيق الهدف الثاني لا بد من التطبيع مع الكيان الصهيوني ، ولكي ينجح التطبيع لا بد من تحويل إسرائيل من عدو إلى صديق، ومن حالة الحرب إلى حالة التحالف، وهذا يحتاج إلى عدو بديل للعرب والمسلمين من داخلهم، وهنا العدو جاهز في ظل التحريض المذهبي والقومي ضد إيران ومحور المقاومة.

س: كيف ترى تبنّي الإدارة الأمريكية و"إسرائيل"لـ"التسريبات الإعلامية" التي تدّعي تورّط مسؤولين كبار في وكالة "أونروا" بتهم "فساد وانتهاكات أخلاقية"، خصوصًا أنها على أعتاب التصويت لولاية جديدة مدتها ثلاث سنوات (2020-2023) خلال انعقاد الدورة الـ 74 المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بـ 17 أيلول/سبتمبر الجاري؟

ج: قد تكون هذه الاتهامات صحيحة في حد ذاتها، ولكنه حق أُريد به باطل، فهذه الاتهامات ضد بعض مسؤولي وكالة الأونروا هدفها تشويه الوكالة الأمميّة؛ تمهيدًا لإلغائها خدمة لـ"إسرائيل" في إلغاء حق العودة من خلال إلغاء وكالة الأونروا الشاهد على الجريمة الصهيونية؛ لأن ذلك معناه تفكيك مخيمات اللاجئين وتوطينهم في البلاد العربية المجاورة لفلسطين، أو تهجيرهم إلى أوروبا ودول العالم بعيدًا عن فلسطين.

وليد القططي: اتهامات الفساد في "الأونروا" قد تكون صحيحة لكن هدفها تشويه الوكالة الأممية تمهيدًا لإلغائها

س: في يوم 13 سبتمبر (أيلول) الجاري، يمر 26 سنة على توقيع اتفاق أوسلو عام  1993 بين منظمة التحرير والاحتلال في واشنطن. ماذا أبقى هذا الاتفاق من القضية الفلسطينية؟ وما هو البديل لهذا المشروع في ظل تنصّل "إسرائيل" من التزامات الاتفاق كافّة؟

ج: اتفاق "أوسلو" كان خطوة مهمة لتصفية القضية الفلسطينية وصولاً إلى صفقة القرن، فقد كانت الاتفاقية غطاءً لاستمرار وترسيخ الاحتلال، ولتمدّد وتوسيع الاستيطان، ولمواصلة تهويد القدس، ولعبور "إسرائيل" إلى كل العواصم العربية، ولإيجاد شريك فلسطيني للاحتلال في قمع المقاومة، "أوسلو" كانت خطوة كبيرة في اتجاه تصفية القضية الفلسطينية، وهذا ما ثبت حتى لمن صنع "أوسلو" من الطرف الفلسطيني، وما بقي من "أوسلو" هو ما يخدم الاحتلال فقط أمنيًا ومدنيًا وسياسيًا.

س: الفصائل الفلسطينية كافة، ومن بينها "الجهاد الإسلامي" دعت وتدعو لعقد الإطار القيادي المؤقت للمنظمّة لوقف ما تسمونه "حالة العبث السياسي بالمشروع الوطني، وترتيب البيت الفلسطيني"، بيد أنّ هذه الدعوات تصطدم برفض من الرئيس محمود عباس. لماذا باعتقادك؟

ج: دعوة الإطار القيادي الموّحد لمنظمة التحرير للانعقاد يأتي في إطار أهمية الخروج من المأزق الفلسطيني الحالي، باعتبار هذه الخطوة ضرورية لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، وإحياء المشروع الوطني الفلسطيني الحقيقي القائم على التحرير والعودة والاستقلال.

من يرفض انعقاد هذا الإطار المتفق عليه في اتفاق القاهرة هو السيد محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية؛ لأنه لا يريد تغيير القائم الذي يتفرّد به القرار الفلسطيني الرسمي، ولا يريد دفع فاتورة المصالحة والوفاق الوطني الفلسطيني.


اقرأ/ي أيضًا: 

هادي إبراهيم: فلسطينيون لبنان يتامى سياسيًا وضحية للأزمة الداخلية اللبنانية

خليل الحية: الاحتلال يتلكأ في تنفيذ تفاهمات التهدئة.. ولا يتقدم في صفقة التبادل

عوض عبد الفتاح: حزب التجمع كان خطوة ثورية وحان الوقت لتغيير برنامجه