22-يناير-2024
سوق الخضار المركزي في البيرة

سوق الخضار المركزي في البيرة (محمد غفري)

في سوق الخضار المركزي (الحسبة)، وسط مدينة البيرة، ينادي الباعة على بضاعتهم، لكن قلّة من المتسوقين يستجيبون للنداءات، ويفكّرون بشراء بعض الخضار.

ارتفاع ملحوظ على أسعار الخضار والفواكه في الضفة الغربية، مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وعدم انتظام الرواتب، وانقطاع العمّال عن العمل 

جرت العادة أن ينادي باعة الخضار على بضاعتهم بإعلان الأسعار (الرطل بعشرة، أربعة كيلو بعشرة)، فخرًا بالعروض لديهم والمنافسة مع غيرهم، ولجذب المتسوقين، أما مع حجم الارتفاع الحالي على أسعار الخضار، وما يترافق معه من حالة اقتصادية متردية، فلا حاجة للنداء المعتاد.

بائع خضار يحاور أحد المتسوقين

في ظل هذا الفراغ وحالة الملل لدى الباعة، كان لدينا متّسعٌ من الوقت لإجراء حوار مع "أبو رامز" ومحمد الدبعي، وكلاهما من باعة خضار في سوق البيرة المركزي. يؤكد كلاهما أن ارتفاعًا تشهده أسعار الخضار بنسبة حوالي 50 في المئة منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

البندورة والخيار والباذنجان والزهرة والفلفل والكوسا وغيرها من الأصناف، كلّها ارتفعت بنحو الضعف، بحسب ما ذكروا لـ"الترا فلسطين".

أصناف من الخضار ارتفعت أسعارها مؤخرًا
أصناف من الخضار ارتفعت أسعارها مؤخرًا

وحول الأسباب التي أدت لهذا الارتفاع، قال الباعة، إن عدة أسباب تقف خلف ارتفاع الأسعار رغم أن فصل الشتاء تحدث فيه بعض الارتفاعات في الأسعار عادة، ولكن ليس لدرجة أن يصبح كيس البطاطا (20 شيقلاً).

وأوضح الباعة، أن الحرب المدمرة في قطاع غزة والقضاء على الموسم الزراعي هناك مع الحصار الشديد، أدى إلى منع تصدير خضار مزارعي قطاع غزة إلى أسواق الضفة الغربية.

أما السبب الثاني، فهو حالة الشلل الكبيرة التي أصابت الموسم الزراعي في "إسرائيل"، بالتالي عدم دخول خضار إسرائيلية إلى السوق الفلسطيني.

تهريب خضار من السوق الفلسطيني للسوق الإسرائيلي

لكن اللافت في حديثهما، أن بعض التجار يتجوّلون على أسواق الخضار في الضفة الغربية ويشترون كميّات من الخضار بأعلى من السعر المعروض، وبكميات كبيرة، لتهريبها للسوق الإسرائيلي..

أما السبب الأخير فهو ارتفاع أسعار الشحن عالميًا، والذي أدى ارتفاع أسعار الخضار والفواكه المستوردة من الخارج.

بسطة خضار في سوق البيرة

عبد الله علوان تاجر جملة في رام الله والبيرة، يؤكد بأن حجم التهريب لـ "إسرائيل" من تجار الضفة الغربية أعلى من التصوّر العام لدى الناس.وأكد لـ"الترا فلسطين"، أن بعض الخضار وفي موسمها الحالي مثل الزهرة والملفوف ارتفعت أكثر من الضعف، بالرغم أنها كانت في الأعوام الماضية في هذا الموسم تشهد انخفاضًا كبيرًا.

أسعار الملفوف شهدت ارتفاعًا أيضًا
أسعار الملفوف شهدت ارتفاعًا أكثر من الضعف

بدوره يؤكد رئيس جمعية حماية المستهلك صلاح هنية لـ"الترا فلسطين"، على ارتفاع أسعار الخضروات الطازجة بنسبة وصلت إلى 16.03 في المئة.

وعلاوة على الأسباب التي ذكرها التجار، نوه هنية إلى وجود بعض التغيير في أنماط الزراعية لدى المزارعين الفلسطينيين كزراعة الأشجار والعنب اللابذري بدل الخضار، بالإضافة إلى مصادرة المياه ونهبها من قبل الاحتلال، والاستيطان وآثاره ذلك على القطاع الزراعي.

وقال هنية إنّ "هذا جميعه واضح ومعروف وليس جديدًا، ولكن الطامة الكبرى هي قيام التجار ببيع الخضار للسوق الإسرائيلي بدل بيعه في السوق المحلي".

وأكد هنية أن ما يحدث "عمليات تهريب منظم" ويجب وضع حدٍ لها فورًا لإنقاذ السوق الفلسطيني، وعبّر عن رفض فكرة الاستيراد من الخارج كما يطرح البعض الآن، لأن هذه المرحلة هي "ذروة موسم الخضار".

لكن رئيس اتحاد المزارعين عباس ملحم قلل - في حديثه لـ الترا فلسطين- من أهمية الحديث عن الارتفاع في الأسعار، مقابل ما يحدث من ترد في الأوضاع الاقتصادية بالضفة الغربية. وقال إن الارتفاع طبيعي في فصل الشتاء، وبيت البلاستيك الذي ينتج 50 صندوق بندورة صيفًا، لا يتجاوز إنتاجه في الشتاء 15 صندوقًا، وبالتالي هناك قلة في العرض مقابل الطلب، ما يؤدي إلى الارتفاع.

وبيّن ملحم أنّ ما يحدث هو أن نحو 150 ألف موظف حكومي لا يتقاضون رواتب بشكل منتظم، كما أن 200 ألف عامل ممن يعملون داخل الخط الأخضر، لم يتوجهوا إلى أماكن عملهم منذ أكثر من ثلاثة أشهر، ومجموع هؤلاء حوالي 350 ألف أسرة، بواقع مليون و700 ألف مواطن فقدوا مصدر دخلهم.

واعتبر رئيس اتحاد المزارعين أنه في الظروف الطبيعية كان المواطن يدفع 7 شيقل مقابل كيلو البندورة عند الارتفاع دون أن يشعر بذلك، أما اليوم وفي هذه الظروف فقد صار يلاحظ الفارق الكبير في الأسعار.

ويتفق ملحم مع ما تقدم به التجار والباعة، بأن مزارعي غزة كانوا موردين رئيسيين للضفة الغربية من الخضار، بالتالي من الطبيعي أن يحدث هذا الارتفاع في ظل غياب منتجات غزة.

وأقرّ بوجود تجار يهرّبون الخضار من الأسواق الفلسطينية إلى الأسواق الإسرائيلية.

بسطة خضار في سوق البيرة

في المقابل، نفى الناطق باسم جهاز الضابطة الجمركية إبراهيم عياش قيام تجار فلسطينيين بتهريب الخضار من السوق الفلسطيني. وقال لـ "الترا فلسطين" إن  معلومات وردت لهم حول قيام تجّار بالتهريب إلى "إسرائيل"، غير أنهم لم يضبطوا أي حمولة مهربة  على حدّ قوله.

لكن عياش استدرك بالقول، بأن الأجهزة الأمنية الفلسطينية تسيطر  على مناطق "أ"، ولكن حاولوا عبر العمل الاستخباراتي والدوريات منع الظاهرة ولم يضبط أي شيء، وهو ما دفعه لنفي وجود أي تهريب.

وأوضح عياش، أنه حسب اتفاقية باريس الاقتصادية لا يوجد ما يمنع تصدير الخضار إلى "إسرائيل"، ولكن الأخيرة تمنع ذلك، ولا تسمع بالاستيراد من الفلسطينيين إلا في حال وجود نقص لديها في أي صنف، والعكس كذلك حيث أن الاستيراد من "إسرائيل" للضفة الغربية مسموح، ولكن في بعض المواسم تصدر قرارات عن وزارة الزراعية بتقييد دخول خضار أو فواكه معينة مثل العنب والبطيخ، ولا يسمح بدخولها إلا في حال وجود نقص.

وقد حاولنا في الترا فلسطين، التواصل مع وزارة الاقتصاد كطرف رسمي آخر لكنهم أكدوا بأن متابعة القضية لدى وزارة الزراعة، وقد تعذّر الحصول على رد منها.

وقد أكّد رئيس جمعية حماية المستهلك صلاح هنية أن الجهات الرسمية يجب أن تقوم بالمتابعة وبأن تكون هناك إجراءات قانونية ضابطة في مناطق الحواجز التي يتم التهريب منها، والتي يتم خلالها تسهيل نقل الخضار إلى السوق الإسرائيلي في هذه الظروف، وضرورة إعادة تقييم كل العلاقات الاقتصادية السابقة في ضوء الوضع القائم، ولا يحتاج الأمر إلى جهد بل هو واضح وضوح الشمس، وفق تعبيره.