داخل خيمة صغيرة في ساحة مستشفى ناصر في مدينة خانيونس، يعيش مراسل التلفزيون العربيّ صالح الناطور مع زوجته وأطفاله الثلاثة، بعد نزوحه 6 مرّات منذ بدأت حرب الإبادة الإسرائيليّة على قطاع غزّة.
الناطور كان من أوائل المراسلين الّذين خرجوا في بثّ مباشر يوم السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر، وبعد مرور عام على الحرب، ما زال على رأس عمله يحمل بين يديه "مايكروفون مهترئ"، أمّا في ذاكرته، فيحمل صورًا عدّة لجثّامين أطفال انتشلت من تحت ركام المنازل، أو بكائهم على من رحل من والديهم.
الصحفي صالح الناطور: لا أستطيع أن أتخلّص من رائحة الدماء في أماكن القصف، وفي داخل المستشفيات، كلّ شيء كان يصيبك بصدمات متتالية
يواجه الناطور كغيره ظروفًا معقّدة فرضتها هذه الحرب، فهو من ناحية مضطرّ للعمل من الشارع، ومن ناحية ثانية أب لأسرة بحاجة إلى أبسط مقوّمات الحياة.
وفي هذا الحوار الخاصّ مع "الترا فلسطين" يتحدّث مراسل التلفزيون العربيّ في قطاع غزّة صالح الناطور، عن تغطيته للحرب المستمرّة.
- لو تقدّم لنا في البداية لمحة صغيرة تعرّفنا بها عن نفسك؟
صالح الناطور، أعمل صحفيًّا منذ عام 2006، ومراسلًا للتلفزيون العربيّ منذ خمس سنوات في قطاع غزّة. أعيش في حيّ الرمال بمدينة غزّة مع أسرتي، وثلاثة أطفال أصغرهم كان عمره شهرين في بداية الحرب. ابن لعائلة فلسطينيّة لاجئة في مخيّم خانيونس، وعاشت مغتربة لنحو 40 عامًا، حتّى عدت إلى فلسطين في عام 2002. ودرست تخصّص الصحافة والإعلام، وعملت في مجالات مختلفة بالصحافة حتّى العمل مراسلًا تلفزيونيًّا.
- لو تضعنا في صورة الوضع حيث أنت اليوم من حيث المشاهد والظروف العامّة؟
موجود حاليًّا في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزّة، بعدما تنقّلت 6 مرّات كي استكمل العمل والتغطية. بشكل فعليّ نعمل حاليًّا من الشوارع على مدخل مستشفى ناصر، ومقيم داخل خيمة لا تتجاوز مساحتها 9 أمتار مربّعة.
الأمر متعب جدًّا ومزعج، لم نشعر للحظة باستقرار أو أمان، ضجيج مستمرّ، غبار الركّام والشوارع المجرفة من حولنا، بيئة عمل صعبة جدًّا بدون أيّ خصوصيّة، فعليًّا نعمل من الشارع.
- حدّثنا أكثر عن تغطيتك للحرب على غزّة، من أين بدأت؟
في البداية كنت في مدينة غزّة من مكتبنا في برج الطباع حيث كنت من أوائل المراسلين الّذين خرجوا بالبثّ المباشر يوم 7 تشرين الأوّل/أكتوبر. ثمّ انتقلت إلى التغطية من مستشفى الشفاء، وبعدها إلى مستشفى ناصر في خانيونس، نتيجة تهديد الاحتلال مدينة غزّة.
وبعد عدّة أشهر انتقلنا إلى رفح حيث اضطررت أيضًا للانتقال داخل المدينة نفسها مرّات عديدة مع كلّ تقدّم إسرائيليّ إلى عمق الأحياء، وفي نهاية الأمر اضطررنا للعودة إلى خانيونس بعد اجتياح رفح بشكل كامل.
- ما هي أبرز التحدّيات والصعوبات الّتي تواجهك كصحفيّ في تغطية الحرب على غزّة؟
لا أشعر بالأمان إطلاقًا، ونفتقد للاستقرار، لا تتوفّر أدوات العمل المعتادة، معدّاتنا متهالكة حتّى هواتفنا تعطّلت ولا يسمح بدخول هواتف جديدة، عدا عن انقطاع الاتّصالات والإنترنت، وعدم توفّر الوقود لتنقّلاتنا ومواصلاتنا اليوميّة.
يضاف إلى ذلك، مسؤوليّتنا تجاه عائلتنا حيث نضطرّ للنزوح معًا، وفي كلّ مرّة أحاول إيجاد مكان آمن لهم، واضطررنا في إحدى مرّات النزوح أن نبقى معًا لفترة طويلة في خيمة صغيرة داخل مستشفى.
انه اليوم 400 من الحرب
بقي فريقنا هنا مع بضع عشرات من المراسلين والمصورين، داخل مناطق صغيرة معزولة ومحا.صر.ة الان بالدبابات والطا.ئرات .
نشعر فعليا كأننا ا.سر.ى حر.ب، يتم تعذ.يبنا جسديا ونفسيا بحرماننا من الطعام والماء والدواء
نحن فعليا في الجحيم ونحاول النجاة pic.twitter.com/md11X9uUXH— Saleh Alnatoor | Journalist (@salehalnatoor) November 9, 2024
- هذا الأمر يدفعني للسؤال حول كيف تستطيع الموازنة بين عملك الصحفيّ وبين كونك ربّ أسرة تتعرّض كغيرها للحرب وظروفها؟
كان صعبًا جدًّا، كان لدينا رضيع بحاجة إلى رعاية وحاجيّات مختلفة وطفلين أيضًا. غيابي عنهم لفترات مختلفة تسبّب بخوف متبادل، أنا قلق عليهم وهم كذلك، ومن ثمّ اتّخذنا قرارًا بأن نبقى معًا في خيمة المستشفى، أي في مكان عملي، وما إن تنتهي فترة تغطيتي حتّى أذهب لتلبية حاجيّاتهم من طعام وماء.
تخيّل أنّنا كنّا نضطرّ للاستحمام في دورات مياه المشفى، وأطفالي يسمعون ويشاهدون في أوقات كثيرة جنازات الشهداء والجرحى والدماء وصوت الإسعافات.
- ما هي أبرز المواقف الشخصيّة بالنسبة لك خلال تغطية الحرب؟
سؤال الناس الدائم لنا، متى ستنتهي الحرب؟ ونحن لا نملك إجابة، كنّا نسمع هذا السؤال مرّات عديدة في اليوم الواحد، يتعلّق الناس بالأمل وهو ما تبقّى لهم. وسؤال أهالي الشهداء في تشييعهم، "ليش بتصوّرونا؟ هو في حدّ سامعنا؟ هو في حدّ مهتمّ فينا؟ كلّه عالفاضيّ!".
"أصعب المشاهد أنك تشوف الخوف في عيون الأطفال".. مراسل التلفزيون العربي صالح الناطور يروى اللحظات المؤلمة التي عاشها خلال التغطية في مستشفيات قطاع غزة
من وثائقي #صحفيو_غزة في مواجهة العدوان
الحلقة كاملة على يوتيوب العربي - أخبار#وثائقيات_العربي@salehalnatoor pic.twitter.com/cesIQaesFo— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) September 16, 2024
- ما هي القصص الإنسانيّة الّتي غطّيتها وكنت شاهدًا عليها، ولا تفارق الذاكرة؟
مشاهد إخراج الأطفال من تحت الركام، ووجوههم وأجسادهم الّتي ترتجف، بكائهم على جثّامين أمّهاتهم وآبائهم، لطالما رأيت هكذا مشاهد، وكنت لا أتمالك نفسي وأبكي.
لا أستطيع أن أتخلّص من رائحة الدماء في أماكن القصف، وفي داخل المستشفيات، كلّ شيء كان يصيبك بصدمات متتالية، نشعر مع مرور الوقت أنّنا نفقد مشاعرنا تجاه من حولنا.
هذا ما نشره زميلنا ومراسلنا في غزة صالح الناطور
"تنتهي الحروب ويحتفظ المحاربون عادة بأوسمتهم كذكرى
وهذا الشعار الذي مزقته و انهكته الحرب كما اجسادنا، فهو الوسام الذي سنعتز به ما بقي من العمر ان شاء الله .
يروي حكاية فريق من المراسلين والمصورين الذين صمدوا وقاتلوا بطريقتهم ومعهم… pic.twitter.com/wW1Mj5lUUj— Farah Fawaz | فرح فواز (@FarahFawaz90) September 10, 2024
- عشرات الشهداء من الطواقم الصحفية، نتيجة الاستهداف الإسرائيليّ، كيف تنظر إلى طبيعة العمل في ظلّ الحرب؟
نحن نعمل في بيئة معادية، كلّ شيء أصبح مستهدفًا، الدروع وإشارات الصحافة لا تعطيني أيّ خصوصيّة أو حماية، قتلوا زملاءنا في أثناء ارتدائهم لها.
طالما أنّ الاحتلال لا يحاسب على هذه الجرائم، فإنّه سيستمرّ بالقتل والاستهداف للصحفيّين، وهذا الأمر قيّد حركتنا، وعملنا في التنقّل والوصول إلى مناطق الاستهداف والضحايا.
- ما هي رسالتك كصحفيّ وأنت جزء من مجتمع يتعرّض لحرب إبادة؟
الناس هنا تموت من الجوع والمرض والقهر والفقد كما القصف اليوميّ، الناس متعبة ولا تقوى على التفكير، ومن نزوح إلى آخر، وهي مستنزفة نفسيًّا وماليًّا. يجب وقف هذا السيل من الدماء والمجازر، وإنقاذ ما تبقّى من البشر.