19-أغسطس-2018

كرة القدم حالةُ حبٍ من طرف واحد، الطرف المتيّم هو الجماهير، أمّا اللاعبون فلا يقول المنطق ولا قوانين الحب أنه من الممكن أن يبادلوا جماهيرهم ذات الحب و يدركوا تفاصيلهم كما يفعل المشجّعون اتجاه اللاعبين.

غير أن قوانين الحب هذه لا تنطبق على نادي الوحدات، هكذا يرى الفلسطينيون ناديهم، فاللاعبون يبلغون من القرب مبلغًا يصبحون فيه من أهل البيت، ومن أجل هذا حوّل الفلسطينيون النادي إلى أغنية وموقف سياسي وضمنوا لاسمه حضورًا في الأعراس وحفلات التخريج، النادي بالنسبة لهم مشاعر كثيرة ليس من السهل تسميتها.

  مباراة فريق الوحدات، حدث تبلغ فيه مستويات "تقليب المواجع" حدًّا مبهرًا تتحول فيه إلى مصدر لاستمداد القوة والأمل بأشخاص لم يرهقهم اللجوء  

في كل مرة يلعب نادي الوحدات تفوز فلسطين، النتيجة ليست مهمة والأرقام لا تعني شيئًا، لأن الحدث ذاته هو المقدّس، ففي عالم مليء بالخسارة بالنسبة للفلسطينيين تعني كرة تتدحرج بأقدام أبناء المخيمات في ملعب أخضر منذ عام 1956 ربحًا لا يتوقّف، وانتصارًا سياسيًا وحدثًا وطنيًا يستحق البكاء والغناء، فهو حدث تبلغ فيه مستويات "تقليب المواجع" حدًّا مبهرًا تتحول فيه هذه المواجع إلى مصدر لاستمداد القوة والأمل بأشخاص لم يرهقهم اللجوء، بل صنع منهم نموذج عمل مجتهد استحقّ من الفلسطينيين أن يقدّموا له حُبًّا غير مشروط بالربح أو الخسارة.

المدن الكبرى تسحق كل الأشياء التي لا تشبهها ولكنّها لم تتمكن من النادي الذي بدأ في مخيم الوحدات شرق العاصمة الأردنية عمان، هذه معجزة!

البيوت بأسقف "الزينكو" الذي لا يصبح المطر حدثًا رومانسيًا بوجودها، البيوت المتراصّة بترتيب أوجدته الحاجة أولًا ثم تحوّل إلى رغبة وسمة في شخصيات أهلها، أسلاك الكهرباء المتشابكة التي لا تجلب الكهرباء إلا لتقطعها بعد برهة، الزقاق الضيّقة التي لا تناسب أغلب السيارات، الأطفال الذين ستتمنى كل مرة لو أنهم يلعبون داخل حياة غير حياتهم، الخفة المدهشة التي تمر بها الحياة من مكان قاسٍ كهذا.. هذا المكان القاسي لا يستحق المديح وإنما قدرة أهله على جرّ الحياة من عنقها إليه هي ما يستحقه، والنادي هو شكل من أشكال هذا الجرّ وشكل من أشكال الحياة أيضًا.

يبدو كل شيء عاطفيًا بالنسبة لنا نحن الفلسطينيون، هذا ليس مخجلًا، فالقلب هو الذكاء النقي، كما يقول حسين البرغوثي. يمكننا الاستناد إلى قلوبنا والتفكير بها والاعتماد عليها دون أن نعير اهتمامًا لمن يحاولون التبخيس بقراراتنا بوصفها عاطفية، ولا بأس أن تجيب من يسألك لماذا تشجّع الوحدات أن تشرح له أن الخفة التي يركض بها لاعبوه لا يُجيدها إلا أبناء المخيم، وأنك ترى في تراص خطوط الدفاع بيوتًا بنوافذ ضيّقة مطلة على زقاق ضيّقة يقف فيها أطفالٌ منتظرين مرور سيارة الأجرة ليرموا كرتهم، وليكملوا لعبهم.. عليك أن تؤمن أن مشهدًا كهذا يستحق أن يحدد فريقك المفضّل، فريقك الذي يبادلك الحب لأن أحد لاعبيه أيضًا يرى ذات المشهد الذي تراه بينما يركض هو باتجاه الكرة.


اقرأ/ي أيضًا:

أغنية "نادي الوحدات".. عناد المخيم ورفضه

المخيم ككلمة مُحرِجة!

مكالمة فائتة من البلاد!