28-أبريل-2024
الحراك الداعم لفلسطين في الجامعات الأميركية لم يبدأ حديثًا

لم تبدأ القضية الفلسطينية في السابع من أكتوبر، ولم يكن الحراك الطلابيّ من أجل فلسطين قد بدأ في السابع عشر من نيسان/ أبريل في جامعة كولومبيا. بداية الحراك الطلابيّ من أجل فلسطين في الولايات المتحدة كانت من خلال "الاتحاد العام لطلبة فلسطين" في 60 جامعة، وقد تلاشت جميع فروعه بعد اتفاقية أوسلو ليحل محله "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" في أغلب الجامعات الأميركية، باستثناء جامعة ولاية سان فرانسيسكو التي حافظت على آخر فرع من الاتحاد العام لطلبة فلسطين، والتي عرفت أيضًا بالحراك الطلابيّ فيما يتعلق بقضايا أخرى. كان النشاط الطلابيّ من أجل العدالة في فلسطين يشمل أنشطة ثقافية وسياسية داخل باحات الجامعة، بالإضافة لالتحامه بحركة المقاطعة التي تشمل "مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها".

أثرُ الأنشطة الطلابية المتضامنة مع فلسطين كان واضحًا على الحركة الصهيونية، التي أبدت استياءها مما اعتبرته "معاداة للسامية" في الجامعات، واستهدفت بشكل واضح ووقح المشاركين في الحراك

من هناك، بدأ الطلاب بتصعيد جهودهم ضد الوجود الصهيوني في جامعات بالولايات المتحدة. وفي عام 2010، قاطع 11 طالبًا في جامعة كالفورنيا في إيرفاين، السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة أثناء خطابه 11 مرّة. تأثر الطلاب بتداعيات ذلك لسنوات قادمة في حياتهم العملية والعلمية، حيث تم وضع سجل إجرامي لديهم، رغم استخدامهم لوسيلة احتجاج مقبولة قانونيًا، والتي استُخدمت مرارًا في سياق العصيان المدني في الولايات المتحدة.

بعد ذلك بعامين، أقرّ مجلس الطلبة في نفس الجامعة قرارًا بسحب استثمارات الجامعة من الكيان، وهو قرار فريد من نوعه في السياق الفلسطيني في الولايات المتحدة، وبدأت الجامعات في كاليفورنيا وفي ولايات أخرى باتخاذ قرارات مماثلة.

وعلى الرغم من تجاهل صنّاع القرار في الجامعات لتلك القرارت التي وافق عليها الطلاب، إلا أن أثرها كان واضحًا على الحركة الصهيونية، التي أبدت استياءها مما اعتبرته "معاداة للسامية" في الجامعات، وقامت باستهداف واضح ووقح للطلاب المشاركين في الحراك الفلسطيني، ما أفضى لوضع أسمائهم وصورهم ومحتوى نشاطهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وجمعها إلى جانب مئات الطلاب والأكاديميين غير الفلسطينيين على موقع إلكتروني يسمى "مهمة الكناري - Canary Mission"، والذي يهدف إلى التأثيرعلى المستقبل المهني للطلاب الذين يعملون في السياق الفلسطيني، ومنعهم من الحصول على تأشيرات لدخول دولة الكيان أو الضفة الغربية.

فيروس التخييم، الذي بدأ بالتفشي في أعظم جامعات الولايات المتحدة، هو بالضبط ما فعله الطلاب خلال دعمهم لتحرير السود في 1946 عام وحرب فيتنام في 1968. من خلال هذه الجهود، تمكن الطلاب من فرض سيطرتهم على السياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة.

المخيمات التي تصفها الجامعات الأميركية بأنها مظاهرات "معادية للسامية "ومهددة لأمن الطلاب اليهود، وبأنها مخيمات مناصِرة لحركة حماس، هي في الحقيقة تضم طلابًا عربًا ومسلمين وسود ويهود وسكان أصليين وبيض ومن آسيا، ومثليين وذوي احتياجات خاصة من الجيل الجديد الذي بدأ ينتزع نفسه من قيم الاستعمار والإمبريالية.

قد يكون تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على جيل "زي" قد ساهم في انغماسهم في مشاهد المجازر التي وثقها الغزيين لحظة بلحظة. وهذا يختلف كثيرًا عن جيل الطفرة الإنجابية السابق، الذي لا يعتمد بشكل كبير على محتوى التلفاز الغربي، ويؤمن بأن احتلال العراق كان ضروريًا للقضاء على الأسلحة البيضاء لدى صدام حسين التي لم توجد أصلًا، أو محاربة الإرهاب في أفغانستان والذي كان للولايات المتحدة دور أساسي في خلقه.

انتشار الفاشية والتمييز العنصري بشكل علني في عهد دونالد ترمب، ضدّ السود والمثليين والمهاجرين من الدول اللاتينية، بالإضافة إلى الإسلاموفوبيا وتقييد حقوق النساء من خلال تقليص الخدمات الصحية، بما في ذلك تنظيم الأسرة والإجهاض (حتى في حالات الخطر على الحياة)، خلّف أثرًا على تلك المجتمعات على الصعيد الإنساني والصحي والاجتماعي. يعي الشباب الأمريكي هذا جيّدًا، إذ يدركون أن تاريخهم وحاضرهم يستندان إلى تفوّق العرق الذكوري الأبيض، ويدركون التبعات الكارثية لهذه القيم على مجتمعات الأقليات. بالإضافة إلى ذلك، فهم يفهمون أكثر من أي وقت مضى أن "إسرائيل" ما هي إلا امتداد لذلك.

وبالتالي، أصبح النقاش حول "حق إسرائيل بالوجود والدفاع عن نفسها" محطةً لانتقادات وتحليلات علمية وثقافية، مقارنةً بما قبل الحرب الأخيرة على غزة.

على الرغم من الاختلافات بين طلبة الجامعات الأميركية، إلا أنهم يتفقون على الشعارات المطالبة بوقف الحرب على غزة، والاستثمارات في "إسرائيل" ومقاطعتها

المصير مقلق لصانعي القرار في الولايات المتحدة وفي دولة الاحتلال، حيث الجامعات التي يتظاهر فيها الطلاب، تحصل على تمويل من اللوبي الصهيوني والنخب الثرية في الولايات المتحدة.

التمييز بين ما يحدث في مختلف الجامعات الأميركية يعكس بعضًا من الطبقية، فعلى سبيل المثال، جامعات مثل كولومبيا ونيويورك وإموري وجنوب كاليفورنيا وغيرها من الجامعات الخاصة، أقساطها خيالية، وبين طلابها المتظاهرين نسبة لا بأس بها من أبناء وأقارب طبقة اللوبي الصهيوني وأثرياء الدولة، والذين يكون حراكهم في كثير من الأحيان بدون علم عائلاتهم.

وفي المقابل، في الجامعات العامة مثل جامعة مدينة نيويورك وتكساس-أوستن والمعهد التقني في كاليفورنيا-همبولت، يكون غالبية الطلاب ممن يطلق عليهم لقب أصحاب البشرة الداكنة، بمن فيهم المهاجرين وأبناء المهاجرين العرب واللاتينيين والأفارقة، وغيرهم من الطلاب الذين لا يمتلكون بالضرورة نفس الحظّ الوفير من المال والسلطة.

وعلى الرغم من هذه الاختلافات، يتحد الطلاب تحت شعارات مثل "من الميّة للميّة فلسطين عربية" و "علّي علّي علّي علم الثورة عليّ". يقومون بعدها باستخدام شعارات باللغة الإنجليزية، مرددين إحدى أكثر الشعارات استفزازًا للصهاينة مثل "من البحر إلى النهر، فلسطين حرة".