29-سبتمبر-2015

مئات اللاجئين على حدود هنغاريا - النمسا (Getty)

أثار موقف المجر الأخير من عبور اللاجئين أراضيها باتجاه النمسا وألمانيا حالة من الاستغراب والاستهجان، فاللاجئون لم يطلبوا البقاء في هنغاريا، والقسوة التي عوملوا بها من خلال إعاقة متابعة طريقهم غربًا تبدو غير مفهومة.

 رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان يكره اللاجئين، ويريد أن يزاود على أوروبا الأكثر تحضرًا، بقيم صارت مهجورة

وقد وصلت الإجراءات المجرية إلى حدها الأقصى بدخول قانون يعاقب الهجرة غير الشرعية بالسجن ثلاث سنوات حيز التنفيذ، ولا تكفي التبريرات القانونية هنا، لأن المجر غير متضررة من اللجوء، والقول إنه تطبيق للقانون كغاية بذاته، لا معنى له في قضية ذات أبعاد إنسانية وسياسية، إلا إذا كان رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان يريد لعب دور "حارس البوابة الشرقية" لأوروبا. وقد جاءت حادثة عرقلة المصورة المجرية "البيضاء" بيترا لازلو للاجئ سوري يحمل طفله هارب من شرطة بلادها، لتكمل "العرض" المجري.

لم يخف أوربان مشاعره عندما تحدث عن تهديد الهجرة لـ "الجذور المسيحية لأوروبا"، فالرجل ذو الخلفية القومية المحافظة، والقريب من العنصريين، وذو السجل القمعي للحريات مع انتسابه قانونيًا للاتحاد الأوروبي، يكره اللاجئين ويريد أن يزاود على أوروبا الأكثر تحضرًا، بقيم صارت مهجورة.

نتذكر هنا إصرار بولندا ودول من أوروبا الشرقية على الإشارة إلى القيم والأصول المسيحية لأوروبا في الدستور الأوروبي عام 2007، وهو الأمر الذي لم يقر بسبب معارضة دول غربية على رأسها فرنسا. هذه الدول هي التي سماها دونالد رامسفيلد وزير دفاع بوش "أوروبا الجديدة"، إثر تأييدها لغزو العراق، في مواجهة أوروبا القديمة التي عارضت الحرب. 

اقرأ/ي أيضا للكاتب: حصلنا على أوروبا، فماذا نفعل بها؟

إنها دول أوروبا الشرقية التي ألحقت بالاتحاد الأوروبي بعد سنوات من سقوط الحكم الشيوعي، الذي خرجت منه بحالة من الخواء القيمي، والفساد السياسي والفشل الاقتصادي، والتي تلقت مساعدات طائلة من أوروبا الغربية وخاصة ألمانيا، للوقوف على قدميها، فنجحت نجاحًا نسبيًا ومتفاوتًا بتجاوز مستوى العالم الثالث، لناحية النمو وحقوق الإنسان والشفافية. 

وإذا كانت الأضواء قد سلطت على المجر بقوة، فإن السجون في دول أخرى في أوروبا الجديدة تعج باللاجئين، منها من هي عضو في الاتحاد الأوروبي كسلوفاكيا وبولندا ومنها من ينتظر، ومثال معتقل "غازي باشا" الرهيب في مقدونيا غير العضو في الاتحاد يحضر هنا، كما معاملة اللاجئين على الحدود المقدونية اليونانية والتي أثارت عاصفة من الانتقادات قبل الأزمة مع المجر. 

للنظام السوري أصدقاؤه في أوروبا الشرقية من خلال البعثات الأمنية زمن المعسكر الاشتراكي، والسفارات التي لا تزال تعمل

المفارقة أن أعداداً كبيرة من مواطني هذه الدول تهاجر إلى أوروبا الغربية، حتى مواطني دول أعضاء في الاتحاد، وقد عرفت هذه الشعوب تاريخيًا موجات من الهجرة خاصة إلى أمريكا، لذلك لا تخلو نظرتهم إلى اللاجئ أحيانًا من ضرب من الشعور بالمنافسة.

يشار إلى أن هذه البلدان تشهد تغلغلًا صهيونيًا كبيرًا اليوم، بعد أن ولد فيها العداء للسامية في الماضي، فصدرت الصهيونيين الأوائل إلى فلسطين، وتذكر مجلة "نيوزويك" في ملف لها العام الفائت عن العداء للسامية في أوروبا الغربية، أن المجر أصبح مركزًا جديدًا للازدهار اليهودي خارج إسرائيل، وهذه التركيبة الهجينة من اتجاهات نازية وصهيونية في آن، تكتمل مع الانحياز الأعمى للسياسات الأمريكية والأطلسية كتصويت التشيك ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة، وتثبيت الدرع الصاروخية في بولندا وقبلها السجون السرية للسي آي إيه في هذا البلد، ومن ناحية أخرى النفوذ الروسي والموقف المتساهل من الدكتاتوريات، مع مسحة من العداء للإسلام الأقرب جغرافيًا، خاصة مع ذاكرة الصراع التاريخي مع تركيا العثمانية، وبالمجمل تشق سياسات هذه الدول خاصة الأعضاء منها في الاتحاد الأوروبي صفوف الاتحاد وإجماعاته السياسية حتى تكاد تكون خاصرته الرخوة.

كما تتخذ معظم هذه الدول موقفًا مهادنًا من النظام السوري، الأصل في مشكلة اللجوء، الذي هو سوري بالمجمل، وللنظام السوري أصدقاؤه في أوروبا الشرقية في البرلمانات والإعلام، عبر شبكة علاقات متعددة الأوجه من تجارية وسياسية، عبر المقيمين فيها من بقايا الدارسين في جامعاتها، من خلال البعثات الأمنية الطائفية زمن المعسكر الاشتراكي والسفارات التي لا تزال تعمل.

اقرأ/ي أيضا للكاتب: "القاعدة" التي ما زالت تبيع بشكل جيد