لا يكتفي فيروس كورونا بحرمان المصابين به في بعض الأحيان -خاصة كبار السن- من فرصة النجاة ومواصلة حياتهم، بل ويسلبهم أيضًا مراسم تشييع ودفن توافق تقاليد بلدانهم وشعوبهم.
هذه الإجراءات أثارت مخاوف من تشييع مخالف للتقاليد الدينية والاجتماعية، خاصة بعد تشييع سيّدة ستينية في بلدة بدُّو شمال غرب القدس، فارقت الحياة إثر إصابتها بالفيروس، حيث تم دفنها وفق الأصول التي يقضي أولها بأن موتى الأمراض الوبائية والمُعدية لا يتم تغسيلهم.
تشييع المتوفاة بوباء كورونا في بدُّو تم بحضور 18 شخصًا فقط
يؤكد رئيس بلدية بلدة بدو سالم أبو عيد لـ الترا فلسطين، أنه جرى دفن السيدة المتوفية بفيروس كورونا في البلدة وفق إجراءات تمت من خلال وزارة الصحة، وبحضور 18 شخصًا فقط، منوهًا أن جميع أقارب السيدة المتوفية قيد الحجر الصحي.
عندما علمت التسعينية زُهدية قطوسة من قرية دير قديس غرب رام الله بوفاة السيدة في بدو، قالت: "مسكينة هذه المرأة لم يُفتح لها بيت عزاء".
منذ ذلك الحين، وزهدية تراودها هواجس الموت في زمن كورونا، يقول حفيدها حسن: "منذ انتشار فيروس كورونا وجدتي تتخوف من الموت في هذا الوقت، وتخشى من أن يجلب موتها ودفنها (الغلبة) -حسب اعتقادها- أو إرهاقًا لنا كعائلتها، ويُلغي بيت العزاء لها بحكم أنه مكانٌ للتجمعات، ما يحزنها كثيرًا".
أما التسعيني محمود طالب النمورة من دورا جنوب الخليل، فيرى أن الأهم من الاعتناء بتفاصيل الموت هو الانصراف إلى تجنب المؤدي إليه، مضيفًا، "نحن في ظرف طارئ له حساب آخر يجب أن نستغني عن التفكير بهذه الأمور، إنها مجرد قشور، الأهم من تقاليد الدفن والموت، تجنيب الآخرين الإصابة بالفيروس".
من جانبه، يقول مدير دائرة الطب الوقائي في وزارة الصحة علي عبد ربه، إن فريقًا مُدربًا في وزارة الصحة للتعامل مع دفن موتى الأمراض الوبائية والمُعدية، بآلية مُحددة، إذ يلبسون كل معدات الوقاية، ويضعون المتوفى في كيس مخصص لهذا الغرض، ويتم غلق الكيس بإحكام، ثم يقوم الفريق برش الكيس بمعقمات ومطهرات.
فريق مُدرب في وزارة الصحة للتعامل مع دفن موتى الأمراض الوبائية والمُعدية
ويشرح عبد ربه لـ الترا فلسطين آلية الدفن مبينًا، "بعد ذلك يضعون المتوفى في القبر، ويُغلق القبر، ثم يشرع الفريق الطبي المختص بتعقيم منطقة القبر جيدًا، بحضور عدد محدود من الأشخاص، ثم يتم تعقيم الجميع بما فيهم الفريق الطبي، وأخيرًا يتم التخلص من الملابس والمعدات الواقية في أكياس بلاستيكية خاصة، يتم التخلص منها أيضًا وفق الأصول، وهكذا تم في حالة المرأة المتوفية في بلدة بدو".
وتستند وزارة الصحة في هذه الإجراءات إلى فتوى تلقّتها من دائرة الإفتاء الفلسطينية، وفق ما أفادنا به مفتي فلسطين والديار المقدسة محمد حسين، مؤكدًا أن "الضرورات تُبيح المحظورات".
وأوضح حسين، أن موتى الأمراض المعدية والوبائية لا يتم تغسيلهم، ولا يُكفنوا، ولا يُلمسوا، ثم يُدفنوا، مع ضرورة تعميق القبر، خشية انتقال الفيروس، مضيفًا، "حرصًا على سلامة الأحياء وللضرورة نضطر للذهاب إلى أقل ما يمكن فعله في حالة موتى الوبائيات أو فيروس كورونا".
يُذكر أن عمليات تشريح على 29 جثة أجرتها مجموعات بحثية صينية كشفت استمرار وجود فيروس كورونا في رئتي المرضى حتى بعد الوفاة، وفق ما أفاد به باحث صيني في مؤتمر صحافي نقلت وقائعه وكالة الأنباء الصينية "شينخوا".