مرّت قضية "حرية تعبير" في فرنسا بدون أي ضجيج يذكر، حيث لم تأخذ المسألة الأبعاد المعتادة لو كانت ضد العرب والمسلمين، بل لعل سبب مرورها مرور الكرام على مستوى الإعلام والتفاعل العام هو أنها قضية في صالح العرب والمسلمين.
بالنسبة للصهاينة، ليس الفلسطيني إلاّ موضوعًا للنسيان لا للذاكرة
بدأت المسألة عندما أرسلت سفارة إسرائيل في باريس طلبًا بسحب رسمٍ من مزاد علني تنظمه مؤسسة "أرتكوريال"، ويعود ريعه لصالح "مراسلون بلا حدود". كان مقررًا أن يعرض في المزاد 36 غلافًا لجريدة الليبراسيون تم تعديلها فنيًا بواسطة مجموعة من الفنانين المعاصرين. أما الرسم -الغلاف المطلوب للرقابة الإسرائيلية بحجة أنه "مشروع إرهابي"، فهو للرسام الفرنسي إرنست بينيو، إرنست الذي أضاف صورة مروان البرغوثي إلى غلاف عدد الليبراسيون الصادر عشية استشهاد ياسر عرفات. بينيو أضاف جملةً بخط اليد تقول: "عندما رسمت نيلسون منديلا عام 1980 قالوا لي إنك ترسم إرهابيًا".
جاءت ردة فعل الجهة المنظمة منصاعة تمامًا لإرادة السفارة، ما شكّل صفعة قوية لجريدة الليبراسيون ولـ "مراسلون بلا حدود" على السواء، اللتين رفضتا سحب أي رسم من المعرض، واتفقتا على تحديد مكان وزمان مختلفين لإقامة المعرض-المزاد، الأمر الذي لم يحصل لغاية الآن!
الغريب في كل هذه القضية، ليست ازدواجية المعايير أو نفوذ الدولة العبرية في فرنسا بقدر ما هو انزعاج المؤسسة الإسرائيلية من حضور رسم لمروان البرغوثي في معرض باريسي. البرغوثي الذي اعتقلته قوات الاحتلال منذ 2002، وحكمت عليه بخمسة مؤبدات، ما الذي يريدونه منه أكثر؟ ما الذي يظنون أنه يمكن إنزاله به من عقاب أكثر مما لديه؟ والغريب أيضًا أن معظم العرب قد نسيه في زحمة أحداث العسف الحالي، فلماذا لم ينسه الصهاينة؟
تحيلنا هذه الأسئلة على بساطتها إلى جوهر القضية، ليبدو رد فعل السفارة فعل استعادة لصياح الجندية في شعر محمود درويش: "أهو أنت ثانية؟ ألم أقتلك؟". المسألة إذن ليست رسمًا لمروان البرغوثي مكللًا بكوفية أبي عمار بقدر ما هي حضور للرمز الفلسطيني في إحدى أهم صالات العرض الباريسية، وهذا ما أزعج الإسرائيليين، فالفلسطيني بالنسبة لهم هو موضوع للنسيان وليس للذاكرة. في الخلاصة، يبدو أن قدر الغزاة الخوف من الذكريات، وقدرنا أن نرفع عاليًا صورة الفلسطيني الذي فينا.
اقرأ/ي أيضًا: