كان اللجوء إلى الشمس خيارًا أمثل بالنسبة للمهندسة الفلسطينية إيناس الغول بحثًا عن حلول لأزمتي شح غاز الطهي والمياه العذبة للشرب، في ظل حصار خانق تفرضه دولة الاحتلال الإسرائيلي، مترافقًا مع حرب ضارية تشنها على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
المقطر الشمسي هو جهاز يستخدم الطاقة الشمسية لتقطير المياه، لإنتاج ماء نقي من مياه ملوثة أو مالحة من خلال تسخين المياه باستخدام الطاقة الشمسية، ما يؤدي إلى تبخر المياه، ثم تكثف البخار ليعود إلى الحالة السائلة في شكل ماء نقي
وبمزيج من العلم والتجربة، وبإلهام من حاجة مجتمعها كان "مقطر المياه" و"الطبّاخ الشمسي" ثمرة تفكير وجهد المهندسة الخمسينية المتخصصة في علوم الزراعة والبيئة، وقد نجحت في توظيف الشمس لاختراق جدار الحصار الإسرائيلي.
عايشت المهندسة إيناس الغول مآسي الحرب الإسرائيلية التي أتمت شهرها العاشر على التوالي، واضطرت للنزوح مع ابنتها ووالدتها السبعينية من منزلها في منطقة "قيزان النجار" جنوب شرقي مدينة خانيونس جنوب القطاع، وذاقت ويلات الحصار الخانق ومنع الاحتلال كل سبل الحياة عن 2.2 مليون نسمة في القطاع الساحلي الصغير.
مقطر شمسي للمياه
ونجحت إيناس، المولودة في دولة الكويت، ودرست الهندسة الزراعية في جامعة بغداد العراقية، بابتكار جهاز "مقطر شمسي" عبر نظام تحلية يحوّل المياه المالحة إلى مياه عذبة صالحة للشرب، وتقول لـ "الترا فلسطين"، إن هذا النظام مهم جدًا لمنطقة مثل قطاع غزة تعاني بشدة من ندرة المياه، وقد ازدادت أزمة المياه حدة في ظل الحرب والحصار.
وقبل اندلاع الحرب قدرت هيئات متخصصة محلية ودولية أن 97% من المياه في قطاع غزة غير صالحة للاستخدام الآدمي بسبب ملوحتها الشديدة، وقد عمقت إسرائيل من الأزمة باستهدافها الممنهج لشبكة وخزانات وآبار المياه، فضلًا عن قرارها بقطع إمدادات المياه الواردة من شركة "مكروت" الإسرائيلية.
وهذا المقطر الشمسي، بحسب وصف إيناس، هو عبارة عن صندوق خشبي مغلق بالزجاج والجلد، وفيه فتحات تسمح بدخول المياه وخروجها، حيث تمر المياه قبل خروجها عبر طبقة من الفحم النشط لتنقيتها.
وتقول إيناس: "المقطر الشمسي هو جهاز يستخدم الطاقة الشمسية لتقطير المياه، لإنتاج ماء نقي من مياه ملوثة أو مالحة من خلال تسخين المياه باستخدام الطاقة الشمسية، ما يؤدي إلى تبخر المياه ثم تكثف البخار ليعود إلى الحالة السائلة في شكل ماء نقي".
إعادة تدوير
وتمكنت المهندسة إيناس، الحاصلة على شهادتي البكالوريوس في الزراعة والماجستير في علوم البيئة، من صناعة المقطر الشمسي بإعادة تدوير مواد بسيطة مثل خشب ’المشاطيح’ (المستخدم كقواعد للبضائع) والزجاج والجلد، ونجحت في تحويل مياه البحر المالحة إلى مياه صالحة للشرب.
"نعاني في غزة من شح في المياه العذبة، ونحن على مقربة من الشاطئ، ويمكن الاعتماد على مياه البحر من أجل تنقيتها من الشوائب والملوحة عبر نظام التقطير وتحويلها إلى مياه صالحة للشرب"، وتضيف إيناس: "لا توجد وسائل أخرى يمكن الاعتماد عليها، ونظام التقطير قد يفي بالغرض في ظل أزمة المياه التي يعاني أهل غزة".
وفي ظل تعمد الاحتلال قصف محطات تحلية المياه خلال الحرب، فإن إيناس تعدُّ جهاز "المقطر الشمسي" الذي صنعته وسيلة متاحة وغير مكلفة للحصول على مياه عذبة، إضافة إلى كونه سهل الاستخدام وخفيف يمكن نقله إلى أي مكان.
وتزداد أهمية هذا المقطر في ظل شح المياه العذبة في القطاع، وارتفاع ثمن المتوفر منها إلى نحو 4 أضعاف ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب. ووفقًا للمهندسة إيناس الغول، فإن كثيرًا من الناس لا يمكنهم شراء مياه الشرب بهذه الأسعار المرتفعة، حيث تسببت الحرب في ارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
وبسبب ذلك يضطر الغزيون، ونحو 90% منهم نازحون عصفت بهم الحرب، وشردتهم عن منازلهم ومناطق سكنهم، إلى قطع مسافات طويلة من أجل الحصول على المياه، ويضطرون إلى تقنين استهلاكهم للمياه.
وتؤكد إيناس أن "المقطر الشمسي" يمكنه علاج مشكلة شح المياه في القطاع بشكل جذري "لو توفر التمويل اللازم والبيئة المناسبة للعمل، لصناعة أعداد منه وبمقاسات أكبر لخدمة شرائح واسعة من المجتمع". وتُبين أنها صنعت ثلاث أجهزة لها، ولجيرانها، ولمركز إيواء للنازحين في منطقتها.
الطبّاخ الشمسي
وإضافة إلى "المقطر"، كان "الطبّاخ الشمسي" نتاج تفكير إيناس الغول وتأملها في الشمس كمصدر طبيعي للطاقة يمكنه اختراق جدار الحصار. وتقول إيناس إن اعتماد سكان غزة خاصة في المناطق الريفية مثل "قيزان النجار" على النار والوسائل البديلة عن غاز الطهي زاد في أثناء الحرب الضارية والحصار الخانق.
وبرأيها، فإن هذه الطرق البدائية تضر بالبيئة، بما تنتجه من غازات ودخان ملوث، فضلًا عن ضررها الكبير على صحة الإنسان، وتضيف: "رغم ذلك ومع طول فترة الحرب لم يعد الاعتماد على نار الحطب وسيلة يسيرة وسهلة، بل مكلفة للغاية مع الارتفاع الكبير على أسعار الحطب والأخشاب المستخدمة في إشعال النار".
كان هذا الواقع ملهمًا لإيناس لصناعة "الطبّاخ الشمسي"، وهو جهاز تصفه بأنه "موفر ماديًا ومفيد صحيًا وصديق للبيئة"، وتواصل بشرح مفصل حول هذا الطبّاخ ومكوناته، مبينة أنها اعتمدت في صناعته على إعادة تدوير مواد مستخدمة وبالية مثل "خشب المشاطيح" وقطع صغيرة من حطام الزجاج والمرايا.
وكانت التجربة الأولى للطبّاخ "مبهرة ومذاق الطعام لذيذ" بحسب وصف إيناس، وتضيف: "يعمل الطبّاخ على إنضاج الطعام بطريقة حرارية عن طريق الطاقة الشمسية، وليس كما في المواقد البدائية التي تنتج أدخنة وغازات ضارة".
يعمل الطبّاخ على إنضاج الطعام بطريقة حرارية عن طريق الطاقة الشمسية، فالطبخة توضع كلها مع بعضها في وعاء واحد وينضج سويًا، ولا يحتاج إلى وقت أطول من الطبخ بالطرق التقليدية المعروفة
ومن حيث الوقت وطريقة الطبخ، توضح إيناس الغول أن "الطبخة توضع كلها مع بعضها في وعاء واحد وينضج سويًا، ولا يحتاج إلى وقت أطول من الطبخ بالطرق التقليدية المعروفة، لكن الفارق أنه ينضج بصورة صحية ومفيدة".
وبعد نجاح تجربتها الشخصية مع الطبّاخ الشمسي فوق سطح منزلها، كان الأمر لافتا بالنسبة لجيرانها، فأنجزت نماذج أخرى للجيران، ولمركز إيواء خاص بالأيتام المحرومين من كلا الوالدين، وقد كان "الانطباع جيدًا للغاية" حسب وصف إيناس الغول.