خدمة للقضية الفلسطينية، وحماية للمشروع الوطني الفلسطيني المتمثل بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس؛ قامت أجهزة الأمن الفلسطينية بإحباط 200 عملية قادها فلسطينيون ضد أهداف إسرائيلية، كما نجحت بإلقاء القبض على 100 فلسطيني بعد مشاركتهم بفعاليات "انتفاضة القدس".
كيف تخدم السلطة "القضية الفلسطينية" وهي تحبط العمليات الموجهة ضد إسرائيل؟
هذا ما ورد على لسان رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، في مقابلة له مع صحيفة أمريكية. قد يبدو الخبر طريفًا للوهلة الأولى، وقد يدفع قارئه إلى الضحك نظرًا لحجم التناقض الغريب الذي يحمله، فكيف تخدم السلطة "القضية الفلسطينية" وهي تحبط العمليات الموجهة ضد إسرائيل؟ وكيف تحمي "المشروع الوطني الفلسطيني" وهي تعتقل الفلسطينيين المشاركين بفعاليات الانتفاضة؟ ربما تأخذ السلطة كل ذلك من منظورها هي من دون أن تأبه بالفلسطينيين، وقد تكون الدولة التي تريدها هي دولة مختلفة عن الدولة التي يريدها هؤلاء، وأن القدس التي تريدها عاصمة لدولتها المستقبلية تختلف عن القدس التي ينتفضون من أجلها، ويتضح من ذلك أن هناك اختلافًا عميقًا في الرؤية والأهداف بين السلطة الفلسطينية وشعبها، وربما قد يكون الأمر أكبر من مجرد اختلاف، وهذا أمر خطير حقًا.
هذه هي الحقيقة الجاثمة على صدور الفلسطينيين، يقولها الرجل وسلطته بجرأة ووضوح، فهم لا يفعلون غير الواجب المفروض عليهم أن يؤدوه بأمانة كما أمروا في "أوسلو"، الذي هو أصلًا ثمن بقاء السلطة على قيد الحياة، فترى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس دائمًا ما يشدد ويؤكد على خيار الحل السلمي للقضية، عبر المفاوضات ونبذ العنف والتنسيق الأمني الذي يراه "مقدسًا، ولكن الرجل لم يغلق باب المقاومة في وجه شعبه، بل يحثهم عليها ويرى أنها لا بد أن تكون بزراعة الليمون والتفاح، فثورته سلمية تقتضي عدم رفع السلاح.
يرى البعض أن تصريحات فرج تأتي في مرحلة التسابق على خلافة الرئيس الثمانيني، لكسب الرضا والثقة الإسرائيلية، وطمأنتهم بأن "حقبة عرفات" لن تتكرر مرة أخرى، ويرى البعض الآخر أنها فضيحة سياسية وطعنة في خاصرة الانتفاضة، التي ترى السلطة فيها خطرًا يهدد وجودها، تمامًا كما تنظر إسرائيل لها.
لكن حركة "فتح" لها رأي آخر، وردة فعلها متوقعة تمامًا حيث أصدرت بيانًا شديد اللهجة تقول فيه إنها ستحاسب بيد من حديد كل المتطاولين على الحركة وقادتها، كما أنها حمّلت المخابرات الإسرائيلية وبعض أجهزة المخابرات الغربية مسؤولية وقوفها خلف هذه الحملة المشبوهة كما جاء في البيان، وأشارت إلى أن بعض الجهات الفلسطينية تتساوق معها للنيل من شخص اللواء ماجد فرج، فهل تعني "فتح" أن الرجل لم يصرح بهذه الأقوال أصلًا؟ وهل هي حقًا مؤامرة تسعى إسرائيل من خلالها لهز صورته ومكانته؟ وبماذا تصف "فتح" التنسيق الأمني إذًا؟ أم هي محاولة تقوم بها الحركة لإنقاذ صورتها أمام الفلسطينيين؟ وإذا كان ما قالته الحركة في بيانها صحيحًا، فلماذا لا يخرج فرج بنفسه كي ينفي ما قد قيل على لسانه؟
في السياق نفسه، يقول أفلاطون "إن الثمن الذي يدفعه الطيبون لقاء لا مبالاتهم بالشؤون العامة هو أن يحكمهم الأشرار"، وهذا تمامًا ما يحدث بكل أسف.
اقرأ/ي أيضًا: