حوّل رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو، محور صلاح الدين/فيلادلفيا، إلى عقبة أساسيّة في مفاوضات صفقة التبادل ووقف إطلاق النار مع حركة حماس، ووصف المحور الحدوديّ بين قطاع غزّة ومصر بـ"الأصل الاستراتيجيّ". ويرفض نتنياهو الانسحاب من محور صلاح الدين/فيلادلفيا، ويصرّ على وجود إسرائيليّ فيه، ولو على شكل قوّات بأعداد محدودة.
وبينما يشكل محور صلاح الدين/فيلادلفيا عقدة في المفاوضات، قال المسؤولون الإسرائيليون لـ"أكسيوس"، إنه بناء على أوامر نتنياهو، قدم الجانب الإسرائيلي خريطة تظهر أن إسرائيل قلصت بعض قواتها، لكنها ما زالت تنشرها على طول الممر. وتشكل خريطة للمكان الذي سيبقى فيه الجيش الإسرائيلي في غزة جزءًا من المفاوضات بشأن الصفقة.
محور فيلادلفيا (بالعبرية: فيلادلفي) ويعرف عربيًا باسم محور صلاح الدين، هو الشريط العازل بين غزة ومصر
وقال مسؤولون إسرائيليّون وأمريكيّون إنّ المصريّين رفضوا تلك الخطّة، وأبلغت الولايات المتّحدة إسرائيل بأنّ الخريطة غير قابلة للتنفيذ. وقال مسؤول أميركيّ للصحافيّين إنّ "تصريحات نتنياهو المتطرّفة" ليست بنّاءة للتوصّل إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار، وتهدّد القدرة على المضيّ قدمًا نحو التوصّل إلى اتّفاق.
بدوره، قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، إن "إسرائيل تُصر، على تحقيق كل أهدافها في حرب غزة، ومنها تأمين الحدود الجنوبية"، مضيفًا: "ننفي تقريرًا للتلفزيون الإسرائيلي أفاد بأن نتنياهو وافق على سحب القوات من محور فيلادلفيا".
وحصل موقع وصحيفة "العربي الجديد" على معلومات تفيد بأن وفد الاحتلال الإسرائيلي كشف في جولة المفاوضات الأخيرة التي جرت في القاهرة 19 آب/أغسطس، عن رغبة تل أبيب بإسقاط اتفاق 2005 المعروف باتفاق فيلادلفيا بين مصر وإسرائيل، وإدخال تعديلات على الملاحق الأمنية لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة في آذار/مارس 1979، المعروفة بمعاهدة كامب ديفيد، متعلقة بالمنطقة (د) والتي تضم المنطقة الحدودية على طول الشريط الحدودي بين مصر والنقب المحتلة وقطاع غزة، والتي كانت تخضع للسيطرة الإسرائيلية عند توقيع معاهدة السلام قبل خطة فك الارتباط وانسحاب إسرائيل من غزة عام 2005.
وقالت المصادر إنّ وفد الاحتلال الإسرائيلي، قدّم طلبًا رسميًا خلال الاجتماعات بإعادة النظر في معاهدة كامب ديفيد، وإدخال نصوص عبر اتفاق مكتوب يشرعن سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على محور فيلادلفيا. وتنصّ التعديلات أو الاتفاق المكتوب الذي ترغب فيه تل أبيب على "إشرافها على الوضع الأمني في المنطقة الحدودية من الجانب الفلسطيني"، بما يضمن لها اليد العليا في التصرف حال وجود ممارسات ترى أنها تمثل تهديدًا لأمنها، وبما يضمن لها التدخل المباشر في أي وقت لمواجهة أية تحديات من دون الحصول على إذن مسبق من أي طرف.
مسؤولون مطلعون على المفاوضات يصفون وزير الخارجية الأميركي بـ"الساذج" و"عديم الفهم" ويعتبرون أن تصريحاته قتلت المفاوضات@AhDarawsha pic.twitter.com/4ameNRx1c0
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) August 21, 2024
ما هو محور صلاح الدين/ فيلادلفيا؟
محور فيلادلفيا (بالعبرية: فيلادلفي) ويعرف باسم محور صلاح الدين، هو الشريط العازل بين غزة ومصر. وأُنْشِئ المحور والسياج على طوله عام 1982 بعد نقل أراضي سيناء إلى مصر ضمن اتفاقية التطبيع مع إسرائيل.
إن اختيار اسم فيلادلفيا أو كما يُلفظ بالعبرية "فيلادلفي" عشوائي، واستخدم كاسم رمزي عسكري من قبل الجيش الإسرائيلي للمنطقة المنزوعة من السلاح بين مصر وغزة والتي أنشئت بموجب معاهدة عام 1979، والتي كانت نتاجًا لاتفاقيات كامب ديفيد.
واستمرت أعمال بناء السياج في محور صلاح الدين/فيلادلفيا حتى نيسان/أبريل 1983، وتم خلالها إخلاء وتدمير 330 منزلًا، وإنشاء شريط بعرض 40 مترًا، وإنشاء سياج بالنظام الإلكتروني، وإنشاء معبر رفح محاطًا بـ 4 أسوار، كما هُجِّر أهالي القطاع الذين يعيشون في المنطقة إلى حي تل السلطان، من مخيم كندا.
خلال الانتفاضة الأولى، قام الفلسطينيون لأول مرة بحفر أنفاق تمر من تحت محور صلاح الدين/فيلادلفيا، وكانت تستخدم لتهريب الأشخاص والبضائع.
كجزء من اتفاقيات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، انسحب الجيش الإسرائيلي من المدن الفلسطينية، بما في ذلك رفح، بحيث يوجَد في المستوطنات الإسرائيلية التي كانت تقسم القطاع، وفي محور فيلادلفيا.
خلال الانتفاضة الثانية، عمل الجيش الإسرائيلي على الكشف عن الأنفاق في المنطقة، لكن النجاح كان محدودًا، وتحول محور فيلادلفيا، إلى نقطة لعمليات الفصائل الفلسطينية.
وفي إحدى العمليات البارزة، فُجِّرَت دبابة، كانت تقوم بدورية على المحور، ضمن عمليات البحث عن الأنفاق، مما أدى إلى مقتل خمسة جنود من جيش الاحتلال. وفي أعقابها، نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي، عملية "قوس قزح"، التي كانت تهدف إلى البحث عن الأنفاق، وخلالها دمر 56 منزلًا، وحدد موقع ثلاثة أنفاق، واستشهد أكثر من 50 فلسطينيًا.
وقبل عملية "قوس قزح"، التي جاءت على خلفية تفجير الدبابة تحديدًا، وانتشار صور لجنود جيش الاحتلال يجثون على الأرض، وهم يبحثون عن أشلاء جنود الجيش الإسرائيلي. قال رئيس الأركان الإسرائيلي الأسبق موشيه يعالون (بوغي)، حينها وقبل 20 عامًا، إن "الجيش الإسرائيلي سيهدم العديد من المنازل في رفح من أجل توسيع محور فيلادلفيا. وذلك لمنع إطلاق النار على مركبات الجيش الإسرائيلي التي تتحرك فيها، ووضع العوائق ومنع حفر الأنفاق لنقل الذخائر من مصر".
"من يسيطر على محور فيلادلفيا؟".. مقترح أميركي بنشر قوات دولية وسط تعنت إسرائيلي@AhDarawsha pic.twitter.com/3Lf7IgzDP8
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) August 23, 2024
وأضاف في الجلسة: "إذا زادت المسافة بين السياج الحدودي والمنازل الأولى في رفح إلى 500 متر، فسيواجه الفلسطينيون صعوبة في حفر أنفاق بالطول المطلوب، وسيضطرون إلى حفر فتحات تهوية تسهل اكتشاف الأنفاق. هدم المنازل، بحسب الجيش الإسرائيلي، ضروري لأن خط الحدود الدولية لا يمكن تحريكها"، وفق قوله.
وفي الجلسة ذاتها، كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أريئيل شارون، عن محادثات مع مصر، من أجل تعديل الملحق الأمني من اتفاقية التطبيع، للسماح بوصول قوات إسرائيلية بشكلٍ أكبر، ومن وحدات متعددة إلى المنطقة.
وفي الاجتماع ذاته، طرحت فكرة حفر قناة مائية عميقة وواسعة على طول محور فيلادلفيا و"الغرض من القناة هو قطع رفح الفلسطينية عن رفح المصرية والحيلولة دون إمكانية حفر الأنفاق بينهما بشكل كامل".
#لافندر وغيرها من أدوات القتل.. ماذا نعرف عن استخدام #جيش الاحتـ.ـ.ـلال تطبيقات #الذكاء_الاصطناعي في العدوان على غزة؟
هذه سلسلة من المقالات نُشرت سابقًا في@UltraSawt وفي@palestineultra تتناول عدة جوانب من هذه القضية pic.twitter.com/BElA9E8Xcf— Ultra Palestine - الترا فلسطين (@palestineultra) August 21, 2024
أمّا أبرز عمليات المقاومة الفلسطينية، التي وقعت على محور فيلادلفيا، فقد كانت مساء 12 كانون الأول/ديسمبر 2004، وذلك بعدما نفذت كتائب الشهيد عز الدين القسّام وصقور فتح، عملية مركبة، شملت تفجير عبوة ناسفة وإطلاق نار، وتفجير عبوة أخرى، أدت إلى تدمير الموقع العسكري "جي. في. تي" بالكامل، في عملية اعتمدت على الأنفاق بشكلٍ كامل.
وعرفت العملية فلسطينيًا باسم "براكين الغضب"، ونفذت بعبوة ناسفة وضعت داخل نفق بطول 600 متر فُجِّر بالكامل، ومن ثم دخل عنصر من القسّام وآخر من صقور فتح، إلى المعسكر من نفق آخر، واستغرق الإعداد لهذا الهجوم حوالي أربعة أشهر.
ما بعد تلك العملية، استمرت قوات الاحتلال بالعمل على محور فيلادلفيا، ضد الأنفاق، وأعلنت عن اكتشاف عدة أنفاق تهريب، بعضها يصل إلى عمق 20 مترًا.
وفي أيلول/سبتمبر 2005، انسحب الجيش الإسرائيلي من محور فيلادلفيا كجزء من "خطة فك الارتباط" عن غزة.
وقبل وأثناء فك الارتباط دارت نقاشات في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وفي حكومة الاحتلال حول ما إذا كان سيُنْقَل محور فيلادلفيا إلى مصر وتكليفها بمسؤولية منع إقامة الأنفاق. وقتها، عارض أعضاء الشاباك والكنيست، الانسحاب من المحور، وكذا رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق أريئيل شارون، الذي كان صاحب خطة فك الارتباط، ولكن المستويات القانونية، أكدت أن استمرارية الوجود الإسرائيلي على محور فيلادلفيا، تعني عدم حدوث انسحاب من قطاع غزة بالمعنى القانوني.
بعد الانسحاب من غزة، وفي 28 آب/أغسطس 2005، وافقت الحكومة الإسرائيلية على اتفاقية لنشر 750 جنديًا مصريًا من حرس الحدود، مجهزين بأسلحة ثقيلة (بما في ذلك قاذفات آر بي جي-7)، و31 مركبة مدرعة، و4 سفن، وثلاث طائرات مروحية، من أجل التمركز على محور فيلادلفيا وحتى كرم أبو سالم. وأصبح المحور، تحت السيطرة المصرية والفلسطينية.
واقع محور صلاح الدين/ فيلادلفيا
منذ نهاية العام الماضي، وبداية العام الحالي، حول نتنياهو العدوان على مدينة رفح والسيطرة على محور فيلادلفيا، إلى هدف أساسي في الحرب.
وقبل احتلال رفح، قال نتنياهو في تصريحاته: "محور فيلادلفيا أو القوس الجنوبي يجب أن يكون في أيدينا ويجب إغلاقه. أي ترتيب آخر، لن يضمن نزع السلاح الذي نريده ويجب أن نضمنه".
أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرارًا وتكرارًا أن إسرائيل "لا تستطيع القضاء على حماس دون ممارسة السلطة على المنطقة الحدودية الجنوبية لغزة، بما في ذلك معبر رفح المصري"، الذي كان بمثابة نقطة عبور حيوية للأشخاص والمساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر.
وترى التقديرات الإسرائيلية بأن "السيطرة على محور فيلادلفيا، ستكون أمرًا حاسمًا من أجل إقامة وضع استراتيجي جديد في غزة"، بحسب ما قال عضو شعبة الاستخبارات في جيش الاحتلال سابقًا والأستاذ في جامعة رايخمان مايكل ميلشتاين لـ"الواشنطن بوست".
وأضاف ميلشتاين: "عليكم السيطرة على هذا الممر، بما في ذلك معبر رفح الحدودي، وإلا فهذا يعني أنه إذا كان هناك وقف لإطلاق النار أو حتى تسوية أوسع في غزة، وستظل الحدود بأكملها مفتوحة، فإن حماس ستحصل بسرعة كبيرة على كل ما تحتاجه، من وجهة النظر العسكرية لإعادة ترميم نفسها".
وفي وقت سابق، قالت صحيفة "معاريف"، إن جيش الاحتلال أقام منشأة عسكرية على الجانب الغربي من طريق فيلادلفيا، بالتزامن مع أعمال توسعة في الطريق، استعدادًا للاحتفاظ بوجوده في محور فيلادلفيا قرب الحدود مع مصر.
695 جندي قتلوا منذ 7 أكتوبر.. الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك جنوبي قطاع #غزة pic.twitter.com/vZGGA1CKrh
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) August 22, 2024
وأوضحت الصحيفة، أن المنشأة التي أقامها الجيش هي مرفق للقوات العاملة في الجزء الغربي من رفح. وتابعت: "هذا مجمع مؤقت، ولم يتبين ما إذا كان سيصبح موقعًا دائمًا".
وتحدثت مصادر إسرائيلية، عن إقامة الاحتلال لـ"ممر ديفيد"، في منطقة محور فيلادلفيا، وهو طريق أمني، لا ينفصل عن خطط الاحتلال للسيطرة على المكان، وإقامة منطقة عازلة فيها.
وأقيم "ممر ديفيد"، على بعد 200 متر من محور فيلادلفيا، وينطلق مساره من معبر كرم أبو سالم وصولًا إلى النقطة الأخيرة من الحدود، على البحر الأبيض المتوسط.
وفي نهاية حزيران/يونيو الماضي، قالت القناة الـ12 الإسرائيلية، إن جيش الاحتلال يعتزم إعادة بناء معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة ومصر في موقع جديد قرب معبر كرم أبو سالم. ودمر الاحتلال الإسرائيلي معبر رفح، وأحرق كافة المنشآت داخله.
كما أشارت القناة، حينها، إلى أن الجيش الإسرائيلي يعتزم توسيع المنطقة العازلة على طول 14 كيلومترًا من محور فيلادلفيا لتدمير الأنفاق والحفاظ على ما وصفتها بـ"إنجازاته" في رفح جنوبي القطاع.