28-أغسطس-2018

سألني أحد الصحفيين إن كان من حقّ عطوفة النائب العام أن يُصدر تعميمًا يحظر فيه نشر صور للأطفال ومعلومات تتعلق بهم في جريمة القتل التي وقعت في مدينة جنين، وكان السؤال من وجهة نظري في منتهى الأهميّة لنقاش هذا الموضوع الحيوي.

أعتقد من وجهة نظري، وهذا لا يتعدى كونه رأيه قابلًا للخطأ أو الصواب، أنّ التعميم الذي صدر عن عطوفة النائب العام قد ركّز على قضية الأطفال، وأن النائب العام قد أمر بحظر النشر، وكأنّ الحظر مستند إلى أمر النائب العام، وفي الحقيقة أنّ حظر النشر في هذه القضية مستمدٌ من القانون وعلى وجه الخصوص المادة 9 البند الثاني من قرار بقانون رقم (4) لسنة 2016 بشأن حماية الأحداث، والتي نصّت:

"يحظر نشر اسم وصورة الحدث أو أي معلومات تدل على شخصيته أو نشر وقائع التحقيق والمحاكمة أو ملخصها في أي وسيلة من وسائل النشر، ويجوز للمحكمة السماح بنشر الحكم النهائي، على ألا يذكر فيه سوى الأحرف الأولى من اسم الحدث أو كنيته أو لقبه".

وكانت المادة ذاتها في البند الأول قد أشارت:

"تعتبر الملفات الخاصة بالأحداث ملفات سرية، يحظر نشرها أو السماح لغير محامي الحدث أو متولي أمره أو مرشد حماية الطفولة الاطلاع عليها دون إذن خاص من المحكمة، أو نيابة الأحداث إذا كان الملف قيد التحقيق".

وعليه فإن نشر المعلومات والصور المتعلقة بالأحداث هي محظورة أصلًا، ولا تملك أيّ جهة مسؤولية سماح نشرها إلا إذا سمحت المحكمة بنشره وفقًا للشروط الواردة أعلاه، ولا يحق حتى الاطّلاع على الملفات الخاصة بهم، إلّا بإذن المحكمة أو نيابة الأسرة. وأعتقد أنّ حظر نشر المعلومات المتعلّقة بالأطفال هو القاعدة الأصل بموجب القانون، ولا يوجد بذلك استثناء، والفهم الذي تبادر إلى الأذهان بأنّ المنع بموجب أمر من النائب العام هو الاستثناء، والسماح بالنشر في هذه الحالات هو القاعدة أمر ليس صحيحًا، والمنع في هذه الحالة يستند إلى القانون وليس إلى قرار إداريّ، بل يقع ضمن اختصاص النائب العام مسؤولية ملاحقة من ينشر صور ومعلومات تتعلق بالأحداث في ملفات تحقيقية أو أثناء الإجراءات القضائية المتعلقة بهم دون الحاجة إلى إصدار أمر بذلك.

ومن يخالف في ذلك، ويحيل النائب العام ملفه الى المحكمة تنطبق عليه أحكام المادة مادة (59) من قانون حماية الحداث التي تنص على:

 "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تتجاوز ألف دينار أردني أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من نال أو حاول النيل من الحياة الخاصة للحدث، سواء كان ذلك بنشر أو ترويج ملخص الجلسات والقرارات الصادرة عن الهيئات القضائية أو أخبار تتعلق بما يدور بالجلسات التي تعالج فيها قضايا الأحداث، وذلك بواسطة الكتب أو الصحافة أو الإذاعة أو التلفزة أو السينما أو بأي وسيلة أخرى، أو بنشر أو ترويج صور من شأنها أن تطلع العامة على هوية الطفل متهمًا كان أو متضررًا، مع مصادرة المطبوعات أو المصنفات الفنية المخالفة".

رب قائل يقول: هل الأطفال الذين تقصدهم أمر النائب العام هم أحداث؟

الإجابة تكون بالعودة إلى تعريف الحدث كما وردت في القانون: "الحدث: الطفل الذي لم يتجاوز سنّه (18) سنة ميلادية كاملة وقت ارتكابه فعلًا مجرمًا، أو عند وجوده في إحدى حالات التعرّض للانحراف، ويحدد سن الحدث بوثيقة رسمية، فإذا ثبت عدم وجودها يُقدر سنّه بواسطة خبير تعيّنه المحكمة أو نيابة الأحداث حسب مقتضى الحال".

وعليه فإن التعريف اتّسع ليشمل الأطفال الضحايا العرضة لخطر الانحراف بما قد يشمل هذه الحالة التي جاءت في إطار جريمة قتل تعرّض الأطفال للخطر، بل وجاء القانون مكملًا لقانون الطفل الفلسطيني لسنة 2004، الذي نصّ على وجوب مراعاة مصلحة الطفل الفضلى في جميع الإجراءات التي تتخذ بشأنه سواء قامت بها الهيئات التشريعية أو المحاكم أو السلطات الإدارية أو مؤسسات الرعاية الاجتماعية العامة أو الخاصة.

وبالتالي فإن أي إجراء ينسجم وحماية الأطفال يندرج في إطار مبادئ حقوق الإنسان.

إن البيان الذي صدر عن النيابة العامة، قد جاء من باب توعية الجمهور بحظر القانون للنشر في هذه القضايا والحوادث المحظور نشرها أصلًا، أكثر من كونه أمرًا إداريًا قد حظر النشر، والتوعية في هذا المقام أمر محمود بهدف تعزيز ثقافة الالتزام بالقانون.