مقال رأي |
أظهر الكشف الأولي للقوائم الانتخابية الخاص بالمرحلة الأولى من انتخابات الهيئات المحلية، الذي نشرته لجنة الانتخابات المركزية يوم الأحد (7/11/2021)، أن 211 هيئة محلية فلسطينية من أصل 376 هيئة، أي بنسبة (56%) أصبحت منذ اليوم محرومة من المشاركة في العرس الديمقراطي بتاريخ 11 كانون الأول 2021، والهيئات المحرومة موزعة ما بين 162 هيئة محلية اعتمدت فيها قائمة واحدة وهي فائزة بالتزكية، و47 هيئة محلية لم تترشح أو تعتمد فيها أي قائمة. وفقط 165 هيئة هي التي ستجري فيها الانتخابات يوم (11/12/2021) حيث ترشحت في كل منها أكثر من قائمة انتخابية.
لجأ المتنفذون ووجهاء العائلات في الهيئات المحلية التي ستجري فيها الدورة الأولى من الانتخابات المحلية، لعدة ماكنات ضغط
كمرشح وممثل لقائمة انتخابية، أعي تمامًا تلك الآلية التي وصلت فيها الأغلبية العظمى من قوائم التزكية إلى الانفراد في التسجيل، وذلك من حيث التضييق على من يشكلون القوائم في الهيئة المحلية الواحدة من قبل بعض المتنفذين ووجهاء العائلات المهيمنين على البلدات والقرى ولا يريدون لبلداتهم وقراهم أن تخرج عن سيطرتهم، خاصة أن هذه المرحلة من الانتخابات المحلية هي فقط للمجالس القروية والبلديات المصنفة (ج)، أي أنها انتخابات للقرى والبلدات الصغيرة التي تبرز فيها العائلية بشكل واضح، فلجأ المتنفذون فيها ووجهاء العائلات لعدة ماكنات ضغط، أولاها: وضع عيون لهم داخل الهيئات المحلية لتزويدهم أولًا بأول بمن يستخرج براءة ذمة ممن ليس من طرفهم، فيذهبون إليه ولعائلته ويحاولون استقطابه لقائمتهم للتعطيل على تشكيل القوائم الأخرى، وثانيتها: اللجوء إلى وجهاء العائلات للضغط على مرشحي القوائم الأخرى كي ينسحبوا، وتغرير هؤلاء الوجهاء بأن هناك إجماعًا تامًّا على القائمة التي يشكلها الوجهاء وأن أي مواطن آخر يترشح في أي قائمة أخرى فهو سيخلق فتنة في البلدة أو القرية وبين العائلات وستكون عواقبها وخيمة، أما ثالثة ماكنات الضغط فهي إخافة المواطنين وتهديدهم بالأجهزة الأمنية وإشاعة الأخبار الكاذبة بأن الترشُّح ضمن قائمة مستقلة غير قوائم حركة فتح سيعرّض المرشحين للملاحقة وربما الحرمان من التوظيف أو وقف الترقيات أو حتى الفصل.
النظرة المعمقة تشير إلى أن قانون الانتخابات المحلية هو "أبو المشاكل"، فنظام القوائم (النسبي) لا يناسب انتخابات الهيئات المحلية، والأنسب هو نظام الدوائر (الترشح الفردي)، لأن كل مجتمع محلي يعرف الكفاءات من أبنائه
ولعل نظرة معمقة لكل ما تقدم تشير إلى أن قانون الانتخابات المحلية هو "أبو المشاكل" في هذا الموضوع، فنظام القوائم (النسبي) لا يناسب انتخابات الهيئات المحلية، والأنسب هو نظام الدوائر (الترشح الفردي)، لأن كل مجتمع محلي يعرف الكفاءات من أبنائه، ويعرف من هو الأقدر على خدمة بلده، لكن نظام القوائم سيجبر المواطن على انتخاب قائمة واحدة ربما لا يكون مقتنعًا بعدد كبير من مرشحيها، والأهم من ذلك هو أن ماكنة الضغط على المترشحين بشكل فردي للانسحاب ستكون عاجزة أمام العدد الكبير من المرشحين في النظام الفردي مقارنة مع العدد المحدود للقوائم في النظام النسبي، إضافة إلى أن الترشح في قوائم له إجراءاته المعقدة التي تكون محكومة أحيانًا لبيانات مرشّح واحد من القائمة ليحدد اعتمادها أو رفضها، أمّا الترشح الفردي فلا علاقة لأحد ببيانات غيره.
وبالعودة إلى نظام الترشُّح الفردي الذي كان معمولًا به سابقًا وبخاصة في المرحلتين الأولى والثانية في انتخابات الهيئات المحلية بين عامي 2004 و2005، اللتين كانتا وفق نظام الأغلبية في الدوائر (الترشح الفردي)، وفاز فيهما كل مرشح بكفاءته معتمدًا على اختيار المجتمع المحلي له شخصيًا، فقد كانت المرحلة الأولى نهاية 2004 وبداية 2005 لـ36 هيئة محلية والمرحلة الثانية في 5/5/2005 لـ 82 هيئة محلية، بمجموع 118 هيئة، ولم يفز في هاتين المرحلتين بالتزكية إلا مرشحو هيئة محلية واحدة فقط، أي أن نسبة الفائزين بالتزكية وفق القانون القديم بنظام الأغلبية كانت أقل من 1%، وبالضبط 0,85%، والأهم أن نسبة الفائزين المستقلين كانت هي النتيجة العامة لتلك الانتخابات.
بعد ذلك سارع المجلس التشريعي السابق إلى القيام بتعديل قانوني بتاريخ 13/8/2005 وأقر قانون انتخاب مجالس الهيئات المحلية رقم (10) لسنة 2005، وأصدره الرئيس محمود عباس بتاريخ 15/8/2005، وألغى القانون رقم (5) لسنة 1996 بشأن انتخاب مجالس الهيئات المحلية الفلسطينية، والقانون رقم (5) لسنة 2004 بتعديل بعض أحكام القانون المذكور، وغير النظام الانتخابي من نظام الأغلبية (الدوائر) إلى النظام النسبي (القوائم).
بدأ المجتمع المحلي في كل هيئة محلية بالانقلاب على القانون الجديد الذي جعلهم مجبرين على انتخاب العديد من المرشحين غير الأكفاء
ومثلما غيّر "التشريعيون" قانون الأغلبية وأقروا قانون القوائم، بدأ المجتمع المحلي في كل هيئة محلية بالانقلاب على القانون الجديد الذي جعلهم مجبرين على انتخاب العديد من المرشحين غير الأكفاء ضمن قائمة ربما لا تحوي- إن حوت- إلا مرشحًا واحدًا أو عددًا قليلًا ذا كفاءة، ودخل المجتمع المحلي بطريقته الخاصة المرحلتين الانتخابيتين الثالثة والرابعة اللتين أجريتا بين 29/9 و15/12/2005، واللتين شملتا 144 هيئة محلية، غير أن الفوز بالتزكية كان في 22 هيئة محلية فقط، من الـ144 هيئة في هاتين المرحلتين. أي أننا وجدنا المجتمع المحلي يختار بالتزكية 15% من مجموع هيئاته المحلية في تينك المرحلتين.
أما في انتخابات (2012) التي ظلت وفق نظام القوائم، فقد كانت هناك 181 هيئة محلية فائزة بالتزكية من أصل 290 هيئة شملتها انتخابات 20/10/2012، لنجد نسبة التزكية قد وصلت في تلك الانتخابات إلى 62%، وهذا كان مؤشرًا واضحًا وخطيرًا على سلب القانون حق المجتمع المحلي وحريته في اختيار ممثليه للهيئات المحلية وزعزعة ثقافة الاحتكام لصندوق الاقتراع.
وليس هذا وحسب، ففي ظل قانون القوائم، وجد 63 مجتمعًا محليًا أنفسهم في انتخابات 2012 غير قادرين على تشكيل قوائم، ومنهم من شكل قوائم لكنها لم تكن صحيحة، فكانت النتيجة حرمان تلك الـ63 مجتمعًا محليًا من اختيار ممثليهم في تلك المرحلة التي كان يُفترض فيها أن تشمل جميع الهيئات المحلية في الضفة، ولجأ مجلس الوزراء في حينه إلى إقرار انتخابات تكميلية، ثم انتخابات تكميلية ثانية.
ولم يختلف الأمر كثيرًا في الانتخابات المحلية التالية التي صدر قرار مجلس الوزراء بإجرائها في 13/5/2017 وشملت 391 هيئة محلية، حيث لم تُجرَ الانتخابات إلا في 145 هيئة محلية ترشحت في كل منها أكثر من قائمة، أي بنسبة 37% فقط، فيما فازت بالتزكية قوائم منفردة في 181 هيئة محلية، ووجدت 65 هيئة محلية نفسها غير قادرة على تشكيل ولو قائمة واحدة صحيحة، أي أن نسبة الهيئات المحلية التي حُرمت من التوجّه للصندوق بلغت 63% في تلك الانتخابات، وهذه نسبة كبيرة جدًا في حينه بصرف النظر عن الانتخابات التكميلية التي يلجأ إليها مجلس الوزراء كل مرة كإجراءات ترقيعية لسلبيات الانتخابات المحلية وفق نظام القوائم.
يبرز سؤال جوهري يحتاج لإجابة حقيقية ومسؤولة من صُنّاع القرار، وهو: لماذا اختفت التزكية تقريبًا في انتخابات نظام الترشح الفردي، وظهرت بشكل لافت في نظام القوائم؟
من كل ما سبق يبرز سؤال جوهري يحتاج لإجابة حقيقية ومسؤولة من صُنّاع القرار سواء في الرئاسة أم مجلس الوزراء أم وزارة الحكم المحلي أم هيئات حقوق الإنسان، وهو: لماذا اختفت التزكية تقريبًا في المرحلتين الأولى والثانية من انتخابات 2004 و2005 وفق النظام القديم (الترشح الفردي)، حيث كانت (1%)، وظهرت بشكل لافت في المرحلتين التاليتين وفق نظام القوائم فوصلت (15%)، ثم أصبحت في ظل نظام القوائم هي النتيجة العامة لانتخابات 2012 حيث وصلت (62%)، لتصل التزكية مع عدم القدرة على تشكيل قوائم في انتخابات 2017 إلى (63%)، ووصلت في انتخابات 2021 في مرحلتها الأولى حتى الآن إلى نسبة (56%)؟
سؤال تحتاج إجابته لإعادة النظر في القانون الحالي وإعادة العمل بالقانون القديم أو تعديل القانون واعتماد نظام القوائم المفتوحة في انتخابات الهيئات المحلية ليأخذ بالاعتبار مصلحة المجتمع والمواطن والخدمات المحلية قبل مصلحة الأحزاب السياسية.
اقرأ/ي أيضًا: