في ذلك اليوم لم أكن لأجد مخرجًا من غضب أمي على علامتي المتدنية في مادة الرياضيات. كنت متأكدة أنني سأحظى بيوم عصيب. غير أن وجود جارتنا في بيتنا يومها كان مخرجًا مفاجئًا يريح القلب.
بدأتُ أكبر وصديقتي المؤامرة بدأت تكبر معي، ولم تعد تساعدني وحسب، بل صارت تسيطر علي
أمسكت أمي ورقة امتحاني بيد وظلت محتفظة بفنجان القهوة في اليد الثانية. نظرت إلى علاماتي واستاءت. "هذه المعلمة لا تكفُ عن مضايقة ابنتي وتترصد أخطاءها بشكل غريب. لا أعلم لماذا لا تحبها!". حرارتي انخفضت ونبضات قلبي هدأت. وكلما استغرقت أمي وجارتنا بالحديث عن المؤامرة التي يتعرض لها أولادهن في المدارس والتمييز بين الطلاب والذي بسببه نفشل نحن بالرياضيات وغيرها من المواد، كان قلبي يرتاح أكثر.
اقرأ/ي أيضًا: عمر النايف باحثًا عن "قاعدة آمنة"
كانا كتفاي ثقيلين بعلامتي المتدنية، ثقيلين بجدول ضرب كله أخطاء. مسائل جمع وطرح بنتائج غير معقولة. أسئلة ظلت بدون إجابات ومساحات بيضاء شاسعة في ورقة الامتحان كلها كانت تنزل عن كتفيّ كلما استمرت أمي بالحديث عن المؤامرة التي أتعرض لها من معلمة الرياضيات. وعندما طلبت أمي مني غسل يدي وتبديل ملابسي لتناول طعام الغداء، كان هذا إعلانًا رسميًا بخلو مسؤوليتي عن كل ما ورد في ورقة الامتحان.
مع الوقت أصبحت علاماتي المتدنية لا تضايقني، بل وبالتدريج بدأت أشارك أمي تفاصيل تؤكد كره معلمة الرياضيات لي، وتعمدها أن لا أفهم المادة ورغبتها بأن أفشل بشكل يضايق أمي. ونسيت ضعفي في الرياضيات ونسيت كيف أنجح، وبدأت أراقب نظرات المعلمة لجميع الطلاب وأقارنها بنظراتها لي، لأكتشف أنها لا تحبني ولهذا أنا سيئة في جدول الضرب! بدأت أركز على المعلمة أكثر مما أركز على الدرس. لماذا لا تحبّني معلمتي؟ ولماذا تتآمر عليّ؟ ومع من تتآمر؟
اقرأ/ي أيضًا: لا تسامحينا يا فلسطين!
كان شيطانُ ما يصفعني باستمرار طوال الدرس ويأمرني أن أكون أكثر شرًا في مراقبة معلمتي لفهم المؤامرة التي تحيكها ضدي. نسيت أن أقول لكم: حتى هذا الشيطان كان جزءًا من مؤامرة أخرى تجرّني إلى الكره جرًّا وتجبرني عليه.
مع الوقت أصبحت المؤامرة فردًا من أفراد العائلة، موجودة بكل أحاديثي، بل حقًا وبصدق كانت المؤامرة صديقتي المفضلة التي تساعدني في فهم غير المفهوم من الأمور وتبرير الفشل والكسل، بل وكنت أستعين بها للتعليق على نجاح الآخرين، والتقليل من قيمته بما يريحني أنا ويخفف من وجع الفشل الذي أعيشه.
كنت طفلة وبدأتُ أكبر وصديقتي المؤامرة بدأت تكبر معي، بل إنها أصبحت أكبر مني وأصبحت لا تساعدني فحسب، بل وتسيطر علي وتتحكم بي. لقد تحول كل شيء! لقد أصبحت تسبقني بالحديث وتمنعني من التفكير وتكرر ذات الكلام على لساني، بحيث أصبحت مضحكة جدًا وكلامي غير مأخوذ على محمل الجد. كان يجب أن أضع حدًا لهذا، ولكن كيف؟
كان فهرس كتاب التاريخ الذي أدرسه عبارة عن الحقب الاستعمارية للوطن العربي، مع اختلاف أسماء المستعمرين
مرة في درس التاريخ، وكنت قد كبرت بما يكفي ليكون فهرس كتاب التاريخ الذي أدرسه كله عبارة عن الحقب الاستعمارية للوطن العربي، مع اختلاف أسماء المستعمرين، التي كانت أحيانًا تأتينا في الامتحانات على شكل قائمتين، قائمة بأسماء المستَعمرين وقائمة بأسماء المستعمِرين، وكان علينا أن نوصل بينهما بشكل صحيح حتى تكون العلامة كاملة وننجح. يبدو هذا مضحكًا الآن! المهم أنه وبينما كانت المعلمة تخبرنا عن تاريخ الاستعمار لبلادنا، سألتها: لماذا نحن دائمًا؟ قالت: "بلادنا محتلة دائمًا لأنها جميلة جدًا، ومطمع للغزاة لأن خيراتها كثيرة وموقعها استراتيجيي، وهناك الكثير من الحروب لأننا مستهدفون دومًا".
أعتقد أنني منذ ذلك الدرس لم تعد المؤامرة صديقتي المفضلة. قلت للمعلمة: وربما نحن يا معلمتي لم نؤد واجبنا تجاه البلاد ولم نفعل ما يجب فعله من أجل الحفاظ عليها، ولذلك كنّا هدفًا سهلًا لأي احتلال وللكثير من الاحتلال. وقتها انتهت علاقتي بصديقتي القديمة تمامًا وأصبحت حرة منها. لقد كانت تجعلني أبدو غبية!
عندما كنت طفلة كنت أظن أنني ضحيةٌ لمجموعة من المؤامرات. وكم هو مريح أن تكون ضحية! جرب أن تتابع نشرة الأخبار أنت والمؤامرة، ستجد كل شيء خارج سيطرتك، ستجد نفسك بريء وعاجز وستستمتع بذلك. ولكن لسانك سيظل رخوًا للأبد لا يعرف كيف يقول: أنا مسؤولٌ عن هذا!
اقرأ/ي أيضًا: