18-سبتمبر-2016

أمام النصب التذكاري لضحايا صبرا وشاتيلا (الأناضول)

لا أسوأ من التذكر بدون استحقاقات هذا التذكر: لعْن التسويات السياسية وتمجيد صناعها، التحسر على المجازر وكأنها كارثة طبيعية من دون مرتكبين، أو الأنكى من ذلك، التحسر على المجزرة وتذكرها والوقوف مع القائمين عليها في نفس الوقت.

أكثر ما يذكرنا به مشهد المشيعين لذكرى تل الزعتر أو صبرا وشاتيلا، من أبناء النظام السوري ومناصريه، هو السياسات الأمريكية الجديدة تجاه السكان الأصلانيين، باعتبارهم ضحايا الدولة. إذ لا معنى لكل تذكير بمجازر التاريخ الأمريكي تجاه ملايين البشر الذين تمت إبادتهم، ما دامت الدولة التي قامت على مصائرهم تقدم كأنها دولة طبيعية، لا يؤثر عليها التذكر ولا تدفع استحقاقاته. هذه ذاكرة تتعامل مع الجريمة كحدث طبيعي يجب تأبين ضحاياه، كزلزال أو بركان أباد قبائل تعيش في مناطق نائية، وفي زمن خارج هذا الزمن.

لا معنى لكل تذكير بمجازر التاريخ الأمريكي تجاه ملايين البشر الذين تمت إبادتهم، ما دامت الدولة التي قامت على مصائرهم تقدم كأنها دولة طبيعية، لا يؤثر عليها التذكر ولا تدفع استحقاقاته

المنطق نفسه في اعتراف الدولة في إسرائيل وإن بشكل غير رسمي بمجازر العصابات الصهيونية عام 1948، أو ما تعارف عليه الفلسطينيون بالنكبة (المعنى الذي يحيل للأسف أيضًا إلى كون الحدث كارثة طبيعية فقط). إذ تعترف إسرائيل بأخطائها وإن كان من خلال حركات نقدية أو من خلال يسار هش، لا يختلف عن اليمين في مناطق كثيرة من الخطاب الصهيوني. لكن هذا الاعتراف أيضًا لا يؤثر على طبيعية الدولة بالنسبة لهؤلاء. إنه اعتراف ظاهري بالأخطاء، لا يحيلها إلى طبيعتها البنيوية.

اقرأ/ي أيضًا: نبض المجزرة.. من شاتيلا إلى غزة

لا يفهم المرء كيف يستطيع أبناء الاستبداد ومناصروه في سوريا، الاحتفاء بضحايا مجازر، ارتكبها أو شارك في ارتكابها النظام الذي يقفون معه. واللبس في حالة النظام السوري مضاعف، ويستدعي استغرابا أكثر من أي موضع آخر. حيث لا يكتفي النظام السوري ومناصروه من يساريي الزمن الجديد، بتذكر المجازر والجرائم من دون الإشارة إلى مرتكبيها، وإلى دورهم فيها. ولكنهم يستخدمون الضحايا أنفسهم في تعزيز خطاباتهم.

فيستخدم النظام السوري الفلسطينيين الذين ساهم بالتنكيل بهم وبطردهم من لبنان، من السبعينيات إلى المجازر التي تحدث في مخيمات سوريا هذه السنوات. وأبعد من ذلك، فإن الضحايا الذين يفترض أن يكون تذكرهم تهديدًا لوجود النظام المستبد، يستخدمون في تعريف النظام لنفسه ولشرعيته. ففلسطين واجهة لشرعية النظام بالنسبة لهؤلاء، لكنها ليست فلسطين التي نعرفها، والتي ساهم أبناء البعث في إبادة جزء من أبنائها من أجل تصفية حسابات سياسية.

في تل الزعتر وفي صبرا وشاتيلا، لا يكتفي النظام وشبيحته من اليسار وغيرهم، بالهرب من تهمة الإجرام، ولكنهم ذهبوا إلى التباهي بمناصرتهم للضحايا، في واحدة من عجائبيات خطابات وشعارات الشبيحة الفارغة.

من يرفع لواء فلسطين اليوم، ويبرر الاستبداد تحت هذا اللواء، يتحالف مع قيادات أبادت المخيمات الفلسطينية في لبنان، وكانت ممن أشعلوا الحرب اللبنانية بجثث اللاجئين الفلسطينيين.

وهذا مسار قديم جديد ينتهجه راديكاليو اليسار الأكثر تقلبًا من أي أحزاب أخرى. فهم أنفسهم الذين يتغنون بحزب الله في الوقت نفسه الذي يستحضرون فيه ذكرى اغتيال مهدي عامل. والأنكى من ذلك، فإنهم أنفسهم الذين يستخدمون أدبيات مهدي عامل في تدعيم آرائهم في المعركة التي يخوضونها سويًا مع حزب الله في سوريا! لا إمكانية لفهم تذكر المجازر بهذه الطريقة إذن، إلا أنه تذكر لضحايا من أجل نسيان المجرم. احتفاء تم تفريغه من معناه الوحيد.

عندما راهن الفلسطينيون في زمن الالتزام، على عدم نسيان شهدائهم وأرضهم المسلوبة، كان القصد أن نسيان المستعمر القاتل غير ممكن، وأن مطاردته حتمية لا نقاش حولها. أما تذكر الضحايا من دون تذكر القاتل، فلا يعني سوى تحويلهم إلى أكوام من الشعارات، وتحويل جثثهم إلى قطع متحفية، وإحالة الجرائم إلى قصص قديمة، من زمن لا يعنينا.

اقرأ/ي أيضًا:
شاتيلا من أيامها
صبرا وشاتيلا.. "يا عالم فيك القَتّال له جايزة"
صبرا وشاتيلا.. المسؤولون عن المجزرة