تناولت صحيفة "الواشنطن بوست" الأميركية، شبكة أنفاق حركة حماس، التي تساهم في استمرار "صمود" الحركة، بعد عام من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، واعتمدت في تقريرها، على مقابلات مع 20 شخصًا، من بينهم قيادات في حركة حماس، ومصادر أمنية إسرائيلية وأميركية.
وافتتحت الصحيفة، تقريرها في موقف لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس حاليًا، قائلةً: "قبل ستة أشهر من عملية السابع من تشرين الأول/أكتوبر، كان قائد حركة حماس في قطاع غزة يجتمع مع رجال أعمال فلسطينيين زائرين في القطاع عندما كشف لهم عن خطة "صادمة". فقد قال يحيى السنوار لضيوفه إن حماس تخطط لشيء كبير. وأضاف السنوار: "ستكون هناك مفاجأة". في اللقاء لم يقدم أي تفاصيل، وألمح إلى أن الاستعدادات جارية منذ فترة طويلة في غزة نفسها، داخل شبكة حماس من الحصون تحت الأرض. وتضيف "الواشنطن بوست": "من بين الحلفاء والشركاء الذين يساعدون في الجهود، ذكر واحدًا فقط. ’الله سيساعدنا’ قال السنوار".
وأضافت "الواشنطن بوست": "طبيعة استعدادات السنوار، أي كيف بالضبط سلحت المجموعة نفسها للهجوم، بينما كانت في الوقت نفسه تعمل على هندسة دفاع متطور ومتعدد الطبقات ضد الهجوم العسكري الإسرائيلي، لم تتضح إلا تدريجيًا، في الأسابيع والأشهر من القتال العنيف الذي أعقب ذلك".
يحيى السنوار، وخلال اجتماع قبل نحو 6 أشهر من عملية 7 تشرين الأول/أكتوبر، تحدث عن خطة لحدث كبير قادم
وأشارت الصحيفة الأميركية، إلى أن "الروايات التي حصلت عليها تتحدث عن كيف أصبحت حماس، تحت قيادة السنوار، تركز بلا هوادة على تحقيق الاكتفاء الذاتي، بما في ذلك القدرة على إنتاج الأسلحة والمتفجرات الخاصة بها، وتنفيذ عمليات معقدة تشمل الآلاف من المشاركين، مع الحفاظ على السرية التامة". مضيفةً: "تعتبر أنفاق حماس أعظم إنجازاتها الهندسية، وهي بالنسبة لسنوار مفتاح بقائها".
وقال غازي حمد عضو المكتب السياسي لحركة حماس في غزة في مقابلة مع صحيفة "الواشنطن بوست": "لقد نجحنا في تحويل الأنفاق إلى مصانع تحت الأرض، لأننا كنا نعلم أنه في يوم من الأيام سوف تُغْلَق القنوات جميعها".
واستمرت الصحيفة في القول: "كان العديد من المحللين يعتقدون أن حماس تعتمد بشكل كبير على إيران، وأنها هربت شحنات كبيرة من الصواريخ والقذائف الإيرانية الصنع، بينما كانت تصنع صواريخ جديدة في مصانع ضخمة تحت الأرض. ولكن بعد مرور عام، اكتشف محققو الجيش الإسرائيلي في غزة عددًا قليلًا من الأسلحة الإيرانية الصنع، ولم يجدوا مصانع ضخمة لتجميع الصواريخ والقذائف على نطاق واسع. وبدلًا من ذلك، وجدوا في الغالب ورش عمل صغيرة حيث يقوم عمال المعادن باستخدام مخارط بسيطة بتحويل الأنابيب والمواد الكيميائية الزراعية إلى مكونات للقذائف المتفجرة التي تُطْلَق".
بعد غزو جيش الاحتلال الإسرائيلي لمدينة رفح الواقعة في أقصى جنوب غزة في شهر أيار/مايو، أفاد قائد إسرائيلي بأنه لم يعثر على أي أنفاق تهريب جديدة تؤدي إلى مصر، كما كان يُعتقد.
ولكن المفاجأة الأكبر، كما يقول المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون، كانت الأنفاق داخل غزة. وكان مخططو الحرب الإسرائيليون يدركون جيدًا التحدي الذي يواجهه جنود الجيش الإسرائيلي في محاولتهم مواجهة قوة قادرة على نقل المقاتلين والإمدادات بحرية عبر ممرات تحت الأرض. ولكن حجم ومدى وتعقيد "مترو" غزة، كما أصبح يطلق عليه، تجاوز التقديرات الإسرائيلية إلى حد كبير.
ووصف مسؤولون في الجيش الإسرائيلي في مقابلات معهم مدى دهشتهم بعد شق طريقهم عبر مخابئ على عمق 30 قدمًا تحت شوارع غزة، ليجدوا أنفاقًا تؤدي إلى أنفاق أعمق مدفونة على عمق 120 قدمًا تحت الأرض.
وقال مسؤول سابق في مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة زار الأنفاق التي حفرتها حماس كضيف على الجيش الإسرائيلي: "كانت عيونهم منتفخة. لم يكن لديهم أي فكرة عن المتاهة. هل يمكنك أن تتخيل 150 كيلومترًا من الأنفاق؟ كان الواقع أكبر بعدة مرات".
وقال غازي حمد عضو المكتب السياسي للحركة "في غزة كنا نعمل ليل نهار، نهارًا وليلًا، 24 ساعة في اليوم. كنا نستعد كثيرًا، وليس لسنة أو سنتين".
وتطرقت الصحيفة إلى الغزو البري الإسرائيلي لقطاع غزة، الذي شارك فيه 100 ألف جندي إسرائيلي، مشيرةً إلى أنه "في غضون أيام، كان الجنود الإسرائيليون يغامرون بدخول أنفاق حماس، غالبًا بمساعدة طائرات بدون طيار للمراقبة تحت الأرض أو كلاب بوليسية".
وبعد دخول الأنفاق، خلص مسؤولو الجيش الإسرائيلي إلى أن ما يصل إلى 80 في المائة من أسلحة حماس تم تصنيعها في غزة، من قبل الحركة نفسها.
وأوضحت الصحيفة الأميركية: "حجم وتعقيد أنفاق المجموعة داخل غزة نفسها فاجأ الجميع، بما في ذلك أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ونظيراتها في الولايات المتحدة".
وقالت دانا سترول، نائبة مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط خلال السنوات الثلاث الأولى من إدارة بايدن: "لم يفهم أحد مدى اتساع الأنفاق، أو أن هناك العديد من أنواع الأنفاق المختلفة".
وفي إشارة إلى التقييم المشترك بين المسؤولين العسكريين الأميركيين والإسرائيليين، قالت سترول إن الفشل في فهم الأبعاد العديدة للأصول الاستراتيجية الأكثر أهمية لدى حماس كان "جزءًا من الفشل الاستخباراتي" الذي حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وهو الفشل الذي لم يُتَعَامَل معه بالكامل بعد. وأضافت أن محاربة مجموعة قادرة على التحرك أفقيًا ورأسيًا، عبر ساحة معركة تقع في منطقة حضرية مكتظة، يشكل تحديًا عسكريًا هائلًا.
وبحسب محللين إسرائيليين وأميركيين وعرب، فإن الأنفاق كانت تُستخدم لإخفاء إنتاج الأسلحة، ولكنها كانت تُستخدم أيضًا كشبكة اتصالات ومستودع إمدادات ونظام طرق سريعة وخط أنابيب لوجستي وملجأ للقنابل ومستشفى ميداني، بحسب مسؤولين. كما استُخدمت فتحات الأنفاق المخفية كنقطة انطلاق للكمائن.
امتدت شبكة الأنفاق بحلول السابع من تشرين الأول/أكتوبر إلى أكثر من 300 ميل، أي أطول من مترو أنفاق مدينة نيويورك، أو ما يقرب من المسافة من تل أبيب إلى جنوب تركيا. ويعترف الجيش الإسرائيلي بأنه لا توجد وسيلة عملية لتدمير النظام بأكمله.
وعن أنفاق غزة، قال القائد في جيش الاحتلال دان جولدفوس للصحيفة "يسرائيل هيوم": "لقد وصلنا إلى مجمعات كبار المسؤولين، ودرسنا هذه البنية التحتية... لقد انكشف لنا الأمر ببطء أمام أعيننا. وعندما فهمت ذلك، ماذا يمكنني أن أقول، أرفع قبعتي".
وبحلول يوم العملية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، بلغ تعداد الجناح العسكري المدرب تدريبًا جيدًا في حماس نحو 35 ألف مقاتل، بما في ذلك طليعة من ستة آلاف من قوات النخبة. وقال حمد، عضو المكتب السياسي، إن الفكرة كانت هز إسرائيل حتى النخاع وإجبار قادتها على إنهاء الحصار المفروض على غزة، ووقف التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، والحد من اقتحامات المسجد الأقصى.
وختمت "الواشنطن بوست"، بالقول: "يبدو أن حماس، التي لا تزال في وضع البقاء، تتحول بالفعل إلى مرحلة جديدة من الصراع يمكنها أن تستغل بسهولة أكبر طاقة لتجنيد أعضائها الجدد. فقد بدأت منشورات وسائل التواصل الاجتماعي التي ينشرها الجناح العسكري لحماس، كتائب القسام، في الترويج لتكتيكات التمرد، مثل التفجيرات باستخدام العبوات الناسفة. ويظهر في أحد الرسوم التوضيحية، بعنوان ’الصيد’، ثلاثة جنود إسرائيليين يقتربون من لغمين. ويظهر في مقدمة الصورة أحد عناصر حماس، وهو يمد يده ليلمس الزناد الذي يُتَحَكَّم فيه عن بعد. وكتب عليه: ما خفي أعظم".