10-يوليو-2017

تصوير: مجدي فتحي - Getty

"أيام البطيخ ارفع الطبيخ"، "بطيخ يكسر بعضه"، "كُل بطيخ وطلّۤع على زنودك، وكُل شمام وطلّۤع على خدودك". ليست هذه إلا جزءًا من قائمة تطول لحضور البطيخ في الموروث الشعبي الفلسطيني، فهو فاكهة أساسية في فصل الصيف، ولا يغيب ذكره أيضًا في جوانب أخرى كثيرة بالنسبة للفلسطينيين، كما لا يغيب عن موائدهم مادام موسمه قائمًا.

تشير دراسات إلى أن البطيخ زُرع في المنطقة العربية قبل أربعة آلاف سنة. وتظهر الوثائق المصرية أن الفراعنة عرفوا زراعته؛ ومنهم انتقل إلى فلسطين، ثم بقية حوض البحر الأبيض المتوسط. ولعل من جميل طباع الفلسطينيين في أكله تقديمه مع خبز الطابون الساخن والجُبنة البيضاء البلدية، وهذه تعتبر وجبة كاملة.

انتقل البطيخ من الفراعنة إلى فلسطين، وهو بالنسبة للفلسطينيين فاكهة أساسية صيفًا، وقد يكون مع الجبنة والخبز وجبة كاملة

وكلمة بطيخ من أقدم أسماء هذه الفاكهة، ومثلها في السريانية "بَطيحو" و"بطيخو". ومن أسمائه عند العرب أيضاً: الحَبْحَب، والدُّلاع، والبطيخ الشامي، والرّقي نسبة للبطيخ الذي كان يُزرع في مدينة الرّقة. كما يُسمى القاقون وإليه نُسبت قرية قاقون في فلسطين، كما يُقال.

اقرأ/ي أيضًا: كيف اجتمعت مصر وإسرائيل ضد بطيخ جنين؟

وفاكهة الشُمام تُعتبر من أنواع البطيخ؛ وتُسمى "البطيخ الأصفر" أو الجَبَس. وللبطيخ أنواع كثيرة كانت معروفة في عموم فلسطين وبلاد الشام، قبل أن يغزو البطيخ الإسرائيلي الأسواق وتختفي الأنواع البلدية.

في عام 1944 - 1945 أنتج مزارعو فلسطين نحو 143000 طن من البطيخ

وأطيب ما يُؤكل البطيخ باردًا، وقديمًا كان يُعمَدُ إلى تبريد البطيخ بعمل شُق في البطيخة؛ ووضعها في الهواء تحت الشمس مباشرة كي تبرد، إذ يتبخر ماء البطيخة آخذًا معه الحرارة، فيعملُ قشر البطيخ، بمبدأ عمل جرة الفخار، وهو التبريد عن طريق ارتشاح الماء عبر مسامات الفخار.

ويعتبر ألذ ما في البطيخة "السير"، أو "الشّقحة" الأولى منها، ولذا يتسارع الجميع ليكون أول من يأكل هذا "السَّير". وهناك اعتقاد شعبي قديم بأنه ينبغي أن تبقى السكين مغروسة في البطيخة لحين أن تبرد، لاعتقادهم أن وجود السكين يمنع الحشرات أو الثعابين من الاقتراب من شُق البطيخة، وَبَخّ السّم فيها.

بائع بطيخ في سوق بئر السبع عام 1927

وورد البطيخ كثيرًا في الأمثال الشعبية، وفي كل مرة كان لذكره معنى خاص يختلف عنه في الأمثال الأخرى، ومن ذلك نذكر:

- كله عند العرب بطيخ: ويضرب هذا المثل لوصف الأشياء المتشابهة، والتي لها نفس الشكل أو الحجم ونحوه. ومثله قولهم "كُله عند العرب صابون".

- طَلّ البطيخ بَطَّلوا الطبيخ: ومثله "أيام البطيخ ارفع الطبيخ"، الذي أوردناه سابقًا. ويشير المثل إلى أنّ الناس بمجرد ما يتوفر ثمر البطيخ، يُكثرون من الاعتماد عليه كغذاء أساسي، فيقل "الطبيخ" و"النفيخ" كما يقولون.

- لا البطيخ بكسر سيخ ولا الملفوف بلوي سيف: أي لا شيء يقهر الشيء إلا مثيله، والحديد لا يفله إلا الحديد. فالبطيخ بطبعه لا يكسر سيخ الحديد، كما الملفوف لا يلوي السيف.

- دود البطيخ من لُبُّه: وهو أن الدود الصغير الذي يكون داخل البطيخ لا يضر لأنه من ذات البطيخة، ومثله: "دودوه من عوده".

- حَظي أسود في كل شيء، إلا في البطيخ أبيض: ويقال لصاحب الحظ العاثر، فبياض البطيخ من الداخل يكون لعدم نضجها وبالتالي سوء طعمها.

- يا ما كسر هالجمل بطيخ: ويقال المثل للشخص الذي تتوالى خسارته ولم يعد يهتم بذلك.

- السّلام بجر كلام والكلام بجر بطيخ: ويقال لتجنب أي فعل سيجر على صاحبه خسارة. وأصله أن أحدهم كان يطرح السلام على تاجر بطيخ، ثم يبدأ بالحديث معه لينتهي بأكله البطيخ مجانًا. فامتنع التاجر عن رد السلام عليه مُعللاً ذلك بقوله: "السلام بجر الكلام والكلام بجر البطيخ".

- راسه كَد البطيخة: يُقال للرجل ذو الرأس الكبير، وهي مثلبة أو مسبة عند العامة.

- ما بشبع بطنه بطيخة صيفي: تُقال للرجل الذي يأكل كثيرًا، ومن شرهه في الأكل لا يشبعه بطيخة كبيره.

- المَره (المرأة) مثل البطيخة: ويقصد به أنها مجهولة الطباع لا يُنبئ خارجها عن داخلها، ذلك أن الرجل كان يتزوج من غير معرفة مُسبقة بالعروس. 

- بطيختين بالإيد ما بينحملوا: ويقصد عدم التعامل مع أمرين كبيرين في ذات الوقت. 

- بلا حكي فاضي بلا بطيخ: يقال للكلام الذي لا يُستساغ أو الذي لا معنى له. ومثله المثل: "بلا كذا بلا بطيخ مبسمر". والبطيخ المبسمۤر، هو نوع من البطيخ البلدي يكون في بعض أجزائه نتوء مُتحجر.

- بطّيخ يكسر بعضه: ومثله "فخّار يكسر بعضه"، ويقال عندما يكون الأمر الذي يجري الخلاف عليه لا يعني القائل، أو لا مصلحة له في التدخل فيه. 

- كُل بطيخ وطلّۤع على زنودك، وكُل شمام وطلّۤع على خدودك: ويقصدون به أن البطيخ مصدر للقوة وعضلات اليد (الزنود)، فيما الشمام يكون لنظارة الخدود وجمالها. ومنه قولهم (وجهه مبطخ).

يقال إن هذا البطيخ "مال جنين"، لأن جنين تُعرف بزراعة البطيخ البلدي، غير أن أكثر بطيخ فلسطين جودة قبل النكبة بطيخ يافا

والبطيخ لا يُشترى مُشايلة، "بيش ما قالوا شالوا"، لأنها مجهولة الداخل، ولذا يَعمد المُشتري للطرق على البطيخة لفحصها مُعتمدًا على خبرته في ذلك، ويحرص الباعة على جذب المُشترين من خلال نداءاتهم وتسويقهم لبضاعتهم، ومن ذلك قولهم:

- ع السكين يا بطيخ: أي اشتر البطيخة بعد أن تفحصها بعمل شُق بالسكين، لتتأكد بأنها حمراء من الداخل وقد اكتمل نضجها.

- أحمر يا بطيخ: بائع البطيخ حين يكون متأكدًا من جودة بضاعته، فإنه يصرخ بأنها حمراء ناضجة من الداخل.

- مال جنين يا بطيخ: ذلك أن مدنية جنين تشتهر فلسطينيًا بزراعة البطيخ البلدي، وكان أشهر بطيخ بلادنا قبل النكبة "البطيخ اليافاوي" نسبة لمدينة يافا.

- عسل يا بطيخ: كناية عن حلاوته وطيب طعمه ومثله قولهم: "سُكّر يا بطيخ"، "حلاوة يا بطيخ".

- لا قشور ولا بذور يا بطيخ: قلة البذور في البطيخ من جودته، وذلك لسهولة أكله.

أهمية البطيخ، تظهر أيضًا في كثرة الحزازير عنها، وهذه كانت تقال للتسلية، ومن ذلك:

-  شابطة في شباطها، ولحيتك في شطاطها شو هي؟  (البطيخة)

- بِيحَلِّي ويسلي وبعشِّي الحمار شو هو؟  (البطيخ)

- مدينة حمرا وأسوارها خضرا، سكانها عبيد، مفاتيحها حديد شو هي؟.  (البطيخة)

- إن وقعته عن جبل ما بينكسر، وإن حطيته بين جبلين انكسر. شو هو؟  (بذر البطيخ - البزر)

- اشي قد البطيخة شو هو؟  (السكينة).  (قَدْ) هُنا بمعنى شق البطيخة، لكن المُستمع يظنها بمعنى: ما يماثل حجم البطيخة.

تجمع لبائعي البطيخ في سوق يافا عام 1880

وبلا شك أن للبطيخ حضور كبير في التراثيات الفلسطينية، وهناك عشرات القصص الطريفة واللطائف التي تحكى عن البطيخ ولا سبيل لسردها هنا. ومن جميل ما نسمعه في الأعراس الفلسطينية مُهاهاة النسوة وقولهن عن البطيخ:

ايويها وشقحنا بطيخه .. اويها وطلعت حمرا ومليحه

واللي قال (فلان) ما بتجوز .. ما ينوله غير الفضيحة

بائع بطيخ في القدس العتيقة عام 1942
موسم البطيخ في يافا قبل النكبة

اقرأ/ي أيضًا:

لحم الفقراء في تراث فلسطين

شقاق النعمان.. أسطورة الدم والحب

الزبيب الفلسطيني.. ما تبقى لكم من حلوى