30-نوفمبر-2022
صورة عامة لقرية شوفة | مواقع التواصل

صورة عامة لقرية شوفة | مواقع التواصل

تحظى الأراضي المصنفة (ب، ج) في طولكرم بإقبال ملحوظ على شرائها في السنوات الأخيرة، لفلسطينيين من الضفة الغربية، وبشكل أكبر لفلسطينيين من داخل الخط الأخضر، ما أدى لارتفاع أسعار هذه الأراضي بشكل كبير، رغم أن المناطق المصنفة (ج) تخضع -أمنيًا ومدنيًا- للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، ومن الصعب جدًا إصدار رخص من الاحتلال للبناء فيها، بينما البناء بدون ترخيص معرضٌ للهدم.

تزايد البيع أدى لارتفاع أسعار هذه الأراضي بشكل كبير، رغم أن المناطق المصنفة (ج) تخضع -أمنيًا ومدنيًا- للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، ومن الصعب جدًا إصدار رخص من الاحتلال للبناء فيها، بينما البناء بدون ترخيص معرضٌ للهدم

هذا الإقبال على شراء هذه الأراضي شكل مصدر قلق لبعض السكان في طولكرم، أولاً لعدم معرفة أهداف بعض المشترين في مثل هذه المناطق، والمخاوف من أن تكون هذه العمليات غطاءً لتسريب الأراضي إلى الاحتلال، وهي مخاوف لم يثبت عليها دليلٌ ولا تتجاوز حدود أحاديث على ألسنة الناس.

في المقابل، يرى آخرون أن هذا الإقبال على شراء الأراضي هو نتيجة طبيعية لارتفاع أسعار الأراضي في الداخل، وقيود الاحتلال على الفلسطينيين هناك، ما يدفعهم لاقتناء أراض في الضفة الغربية بأسعار أقل. كما يجدون في عمليات البيع هذه فائدة لأصحاب الأراضي الذين باعوها بأثمان أكبر مما كانت تساوي قبل سنوات.

لكن إلى جانب هذا الجدل، فإن عملية البيع هذه يرافقها شبهات مخالفات صريحة للقانون الفلسطيني، الذي يحظر تسجيل الأراضي في الضفة الغربية لأشخاص لا يحملون الهوية الفلسطينية.  

تلغرام الترا فلسطين

في قرية شوفة جنوب شرق طولكرم، بدأت عمليات الشراء قبل سنوات قليلة بطريقةٍ محدودة جدًا كما يصفها الناشط الاجتماعي مراد الدروبي، وتم شراء أراضٍ في وسط القرية تقريبًا، وشراء بيت وأرض في منطقة مصنفة (ب) لكنها قريبة من مستوطنة "أفني حيفتس" المقامة على أراضي القرية وخربة الحفاصي.

يرى الدروبي، أن الدافع وراء الشراء لعدد كبير من فلسطينيي الداخل في قرية شوفة هو تضييق الاحتلال عليهم ومنعهم من التوسع في البناء في أماكن تواجدهم، منوهًا أن منهم من تعرض في قرية شوفة لذات الإجراءات الاحتلالية الواقعة على المواطنين في الضفة، والمتعلقة بقرارات الهدم والمصادرة.

وأوضح مراد الدروبي، أن إقبال فلسطينيين من الداخل على شراء الأراضي في شوفة أدى لارتفاع أسعار الأراضي سواءً تلك الواقعة في مناطق (ج) أو (ب)، فسعر الدونم في منطقة (ب) يصل إلى 70 و80 ألف دينار أردني، أما في مناطق (ج) فقد تم بيع دونم قبل نحو عام بـ40 ألف دينار أردني. ولتوضيح الفرق في الأسعار –أي قبل وجود المشترين من داخل الخط الأخضر- فقد كانت قطعة الأرض الواقعة في (ج) لا يصل سعرها كحد أقصى إلى 10 آلاف دينار أردني، وتم بيعها في حالات بـ3 أو 5 آلاف دينار.

في مناطق (ج) فقد تم بيع دونم قبل نحو عام بـ40 ألف دينار أردني، بعدما كانت قطعة الأرض الواقعة في (ج) لا يصل سعرها كحد أقصى إلى 10 آلاف دينار أردني، وتم بيعها في حالات بـ3 أو 5 آلاف دينار.

عمليات شراء الأراضي لا حدود لها وفق مراد الدروبي، الذي طرح سابقًا منع بيع أي قطعة أرض لمواطن من الداخل إلا بعد موافقة المجلس القروي على الأقل كنوعٍ من الحماية، لكن الأمر في نهاية المطاف يعود إلى صاحب الأرض ونيته في البيع، خاصةً في ظل ارتفاع أسعار الأراضي على اختلاف تصنيفاتها.

مسألة ارتفاع الأسعار هذه ستشاهدها أيضًا في قرية جبارة جنوب طولكرم، رغم أن جميع أراضيها مصنفة (ج)، وقد أخرجت مع جزءٍ من أراضي قرية الراس المجاورة في العام 2013 من حدود جدار الفصل العنصري، ووضع جدارٌ جديدٌ بينها وبين قرية الطيبة الواقعة في منطقة المثلث داخل الخط الأخضر. وظهرت عمليات شراء الأراضي من القرية في 2016 تقريبًا، وفق رئيس المجلس القروي رائد محمود، وقد طرأ ارتفاع في أسعار الأراضي يصل إلى 10 أضعاف في بعض الأحيان.

على سبيل المثال، يقول رائد محمود، إن ثمن دونم الأرض على الشارع الرئيس في جبارة كان حوالي 5 آلاف دينار قبل سنوات، لكنه اليوم يصل لـ40 و50 ألف دينار. أما الأراضي الواقعة في حدود الراس فكان تقريبًا ثمن الدونم في مناطق (ب) منها يصل إلى 10 آلاف دينار، لكنه وصل اليوم في مناطق بذات التصنيف لـ100 ألف دينار.

يوضح رائد محمود، أن عدد الأشخاص من الداخل المحتل، الذين اشتروا من قرية جبارة يزيد عن 100 شخص غالبيتهم من مدينة الطيبة، ولم يتم طرح مشاريع استثمارية من قبل المشترين، فالذي تم شراؤه مساحات صغيرة لغرض زراعتها أو التصييف فيها، منوهًا أنه في الوقت الحالي ليس من السهل شراء أرض في القرية سواءً لأشخاص من الضفة أو من الداخل المحتل، علمًا أن عمليات الشراء كانت لفلسطينيين من الضفة أيضًا وليس فقط من الداخل.

زاهر يونس، وهو تاجر أراض من نزلة عيسى في طولكرم، قال إن سلطات الاحتلال سهلت عملية بيع الأراضي في المناطق المصنفة (ج) في طولكرم، من خلال إدخال كاتب العدل الإسرائيلي إلى عملية البيع، إذ يتم بيع أرض مع تسجيلها باسم مواطن من الضفة الغربية يكون على معرفة بالمشتري من الداخل المحتل، وهذه العملية لا تشكل مخالفة من الناحية القانونية، لكن ما هو مخالف قيام كاتب العدل الإسرائيلي فيما بعد بإجراء بيع ثانٍ ونقل الأرض من الشخص الحامل للهوية الفلسطينية (المسجل باسمه الأرض) للمشتري في الداخل المحتل.

سلطات الاحتلال سهلت عملية بيع الأراضي في المناطق المصنفة (ج) في طولكرم، من خلال إدخال كاتب العدل الإسرائيلي إلى عملية البيع، وعملية البيع هذه حصلت في حوالي 90% من الأراضي الواقعة خلف جدار الفصل العنصري

وأكد زاهر يونس أن هذه العملية حصلت في حوالي 90% من الأراضي الواقعة خلف جدار الفصل العنصري (جزء من أراضي الـ67 مصنفة كأراضي مصادرة أو وضع الاحتلال يده عليها لغاياتٍ أمنية) من قرية فرعون إلى قرية قفين منذ عام 2012، حيث يصل سعر الدونم في المناطق الواقعة خلف الجدار كحد أقصى إلى 50 ألف شيكل، وهو سعر منخفض مقارنةً بالأرض الواقعة في الداخل المحتل، والتي قد يصل ثمن الدونم فيها إلى أكثر من 2 مليون شيكل.

وبالنسبة لعملية الشراء في المناطق المصنفة (ب) في طولكرم، يقول زاهر إن الأمر يتم عبر عقد بيع أو اتفاقية من خلال محامٍ فلسطيني، ويقوم الشخص الذي سجلت الأرض باسمه من الضفة بعمل إقرار عدلي في المحكمة الفلسطينية بقيمة المبلغ الذي دفعه المواطن من الداخل (كثمن للأرض) لضمان حقه كمشترٍ.

من جانبه، المحامي عباس شديد من طولكرم، أوضح أن سجلات الأراضي في طولكرم مقسمة، فالأراضي المصنفة "أ" و"ب" تقع ضمن دائرة طابو طولكرم، بينما الأراضي المصنفة "ج" سجلاتها موجودة لدى دائرة تسجيل أراضي كفر قدوم.

وبين عباس شديد، أنه وفق القوانين المعمول بها في فلسطين يُمنع تسجيل أراضٍ لغير الحاملين للهوية الفلسطينية بمن فيهم الفلسطينيون من الداخل، وإنما تسجل باسم شخص من الضفة.

وأوضح شديد، أن إقبال فلسطينيي الداخل على شراء الأراضي في الضفة يعود للزيادة السكانية وتضييق الاحتلال عليهم في البناء وغلاء أسعار الأراضي، مبينًا أن ارتفاع أسعار الأراضي في الضفة بسبب إقبال المشترين من الداخل أثر إيجابيًا على الوضع الاقتصادي، بالرغم من أنه قد يحمل في جوانبه ثقلاً على كاهل المواطن في الضفة الذي يريد أن يشتري أرضًا.

إدخال كاتب العدل الإسرائيلي لعملية البيع يتيح له المجال للاتفاق مع فلسطينيين مقيمين بالخارج وتسجيل الأراضي المصنفة ج باسم شخص من فلسطينيي الداخل أو حتى إسرائيلي

وأكد عباس شديد ما قاله زاهر يونس بأن سلطات الاحتلال سهلت عمليات البيع في مناطق "ج" عبر محامين من الداخل تحت مسمى كاتب عدل إسرائيلي، حيث يقابل المحامي (كاتب العدل) فلسطينيين مقيمين في الخارج وفي الضفة أيضًا، ويقوم بتنظيم وكالات دورية منهم لفلسطينيين موجودين في الضفة لتسجيل الأراضي بأسمائهم، منوهًا أن أي ورقة متعلقة ببيع أراضٍ في مناطق "ج" لفلسطينيين في الخارج صادرة عن إحدى السفارات الفلسطينية لا يعترف بها الاحتلال، ولا يعترف إلا بما هو صادر عن كتاب العدل الإسرائيليين.

وأضاف، أن بإمكان كتاب العدل الفلسطينيين تنظيم وكالات دورية في المناطق المصنفة "ج" من بائعين فلسطينيين بالضفة الغربية معترف بها إسرائيليًا.

يصف المحامي شديد، بيع الأراضي المصنفة ج للمواطنين المقيمين بالخارج عبر كتاب العدل الإسرائيليين، بأنها سلاح ذو حدين، فهي مفيدة من جهة، إذ أصبح بالإمكان بيع أراضٍ مصنفة ج لمواطنين بالخارج وتسجيلها باسم مواطن فلسطيني موجود بالضفة الغربية، وسلبية من جهة أخرى، إذ تتيح المجال لقيام كاتب العدل الإسرائيلي بالاتفاق مع فلسطينيين مقيمين بالخارج وتسجيل الأراضي المصنفة ج باسم شخص من فلسطينيي الداخل أو حتى إسرائيلي. واستدرك أنه لا يستطيع أن يقول إن هذا الأمر قد حصل لكن إمكانية حدوثه قائمة. ولا يتوقع شديد أن يكون الأمر سهل على الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية بسبب المحاسبة، حيث تصل عقوبتها إلى ما يقارب 10 سنوات.

في هذا الشأن، أوضح المحامي علاء محاجنة من الناصرة أن المناطق المصنفة (ج) في الضفة الغربية تابعة للاحتلال الإسرائيلي من ناحية التنظيم والتسجيل، وما يجري في الضفة الغربية هو بيع وشراء أراضٍ في المناطق المسماة (ج) بالرغم من أن "إسرائيل" هي المسؤولة عن التسجيل القانوني فيها.

تأشيرة كاتب العدل الإسرائيلي على أي ورقة، بما فيها الوكالة الدورية أو التنازل على الأرض أو بيعها وشرائها، حكمه مثل حكم قرار محكمة صلح، ما يعني أن إبطال وكالته الدورية لا يتم إلا بالذهاب إلى المحكمة المركزية

وبين محاجنة، أنه وفق القانون المعمول به في "إسرائيل"، فإن كل عملية بيع وشراء في الأرض لكي تصبح قانونية يجب أن ينتهي تسجيلها في دائرة الأراضي (الطابو)، وهذا القانون هو الموجود في المناطق المصنفة (ج) بالضفة الغربية، موضحًا أن أي عملية بيع وشراء للأراضي بناءً على وكالة دورية من كاتب عدل إسرائيلي في المناطق (ج) إذا لم ينتهِ التسجيل فيها في الطابو تكون تعهدًا، أي قابلة للتبطيل، لأنها لم تسجل.

وأضاف: "إذا الأرض الموجودة في منطقة (ج) مسجلة على اسم البائع في الطابو والمشتري من الداخل، يستطيع الأخير أن يسجلها في الطابو على اسمه، لأن دائرة الأراضي تابعة لإسرائيل والمشتري من إسرائيل".

وعن دور كاتب العدل الإسرائيلي في المناطق المصنفة (ج) بالضفة الغربية، أوضح أن تأشيرته على أي ورقة، بما فيها الوكالة الدورية أو التنازل على الأرض أو بيعها وشرائها، حكمه مثل حكم قرار محكمة صلح، ما يعني أن إبطال وكالته الدورية لا يتم إلا بالذهاب إلى المحكمة المركزية.

دلالات: