06-مايو-2018

من الصعب للمُطّلع على رواية مايا أبو الحيات قبل الأخيرة "لا أحد يعرف زمرة دمه" (دار الآداب، 2014) ألّا يشعر بالصدمة، عندما يقرأ روايتها الأخيرة الصادرة عن دار المتوسط قبل أيام. فقد يبدو للقارئ أنّ التطور الخطي الذي بدأته الروائية الفلسطينية منذ روايتها الأولى "حبات السكر" (أوغاريت، 2004) انكسر بطريقة فجّة. تكرر الأسلوب، وكانت اللغة أقلّ خفة ونضجًا، مع أخطاء بيّنة في التحرير وربما استعجال، أما التماسك الذي كان يميّز عملها السابق فقد اختفى.

  تقوم قصة رواية "جليتر" على لقاء مجموعة من طلبة جامعة بيرزيت، بأستاذ الدراسات الثقافية المثير للجدل والعبثي، الذي يغير حياتهم بطريقة أو بأخرى! 

تقوم قصة رواية "جليتر" على لقاء مجموعة من طلبة جامعة بيرزيت في عام 1994، بأستاذ الدراسات الثقافية المثير للجدل والعبثي، الذي يغير حياتهم بطريقة أو بأخرى، ويستمر تأثيره على معظمهم حتى بعد طرده من الجامعة بسبب تصرفاته الغريبة وبعد موته بالسرطان. تتبع الرواية بفوضى وقصور منهجي مشاهد من حياة هذه الشخصيات، من دون أن تعبر عن فكرة واضحة، باستثناء التغيرات في حياتهم وانتكاساتهم التي قد ترتبط بالمشهد الفلسطيني العام.

تجتمع الشخصيات كلها من خلال علاقتها مع لمى داود، الطالبة التي كانت عشيقة أستاذ الدراسات الثقافية، ولو كان هناك تمعن أكثر، لكانت هذه ربما فكرة العمل الأهم. يقول الراوي إن "علاقة الأستاذ بلمى داود شكّلت صدمة لبقية الطلاب الذين شعروا بالخيانة، ولم تكن خيانة لمى لهم، بل خيانة الأستاذ" (ص 11). تتزوج لمى من مصطفى، الذي يشعر أنّ الزواج بها كان إرثًا ثقيلًا حمله مضطرًا عن أستاذه، فقد "كانت أمور مصطفى تمشي بخطى واثقة بعد تخرجه، ولولا هوسه في الأستاذ الذي دفعه للبحث عن لمى داود في كل مكان، لكان ربما تزوج من بنت لطيفة تصغره بعشر سنوات" (ص58-59). أما فراس، فهو الطبيب النفسي الذي تطرق لمى باب عيادته النائية في القدس في أول الرواية، ثم يختفي نهائيًا، و"الدباح" هو صاحب الملحمة التي تشتري منها في مدينة الرام، قبل أن تنتقل مع زوجها إلى القدس، ثم تصير هي مرشدته النفسية في السجن بعد أن يقتل أحد جيرانه. هناك أيضا مازن، الذي لا توضح الرواية كثيرًا علاقته بلمى سوى أنهما يلتقيان في مشهد مقطوع من السياق في حفلة في مدريد. يحلم مازن بالسفر حول العالم مع حقيبته من ماركة ناشونال جيوغرافيك، وتنتهي به الأمور إلى أن يصير مهربًا للعمال الفلسطينيين في إسرائيل.

تلتقي كل هذه الشخصيات بعد سلسلة من الصدف الغريبة وغير المقنعة بطبيعة الحال، فكل الشخصيات التي التقت في الجامعة، تلتقي فجأة في أوقات وبلدان مختلفة، مازن ولمى يلتقيان في دورة تدريبية في عاصمة أوروبية، ولمى والدباح يلتقيان في ملحمته بعد أن تسكن في نفس المنطقة، ثم في السجن بعد أن يحبس الدباح وتزوره هي كمندوبة عن مؤسسة غير حكومية، أما فراس فسيلتقي معها في عيادته في القدس عندما تقرر زيارة طبيب نفسي. وربما يتعذر على القارئ أن يجد ناظمًا مشتركًا في القصة، فالعلاقة مع لمى بقيت ملتبسة وغير مفهومة، أما العلاقة بين الشخصيات والأستاذ فلم يكن هناك تركيز كاف على تأثيرها عليهم.

مشكلة العمل أنّه يورد تفاصيل غير لازمة، ويعتمد على قصص معروفة للفلسطينيين، مثل قصة حياة "حسين البرغوثي" (الذي لم تكشف اسمه)، معتمدة في حبكتها على ذلك، وكأن أبو الحيات استندت مسبقًا، إلى إيراد قصة مثيرة يعرفها الفلسطينيون بهدف صياغة سيناريو متماسك. يتساءل القارئ عن ما سيحدث لمضمون الرواية، بالنسبة لمطلع غير عارف بهذه القصص والتفاصيل.

فنيًا، يعتمد العمل على راوٍ واحد، ولا تتحدث الشخصيات عن نفسها إلا في الاعترافات الموجزة التي تقدمها لمى للطبيب، رغم أن العمل والقصص المتشعبة فيه، بدت بحاجة أكثر إلى رواة عديدين. ورغم أن الرواية لم تزد عن 90 صفحة من القطع المتوسط، إلا أنها احتوت كثيرًا من الحشو، الذي لا موقع له من المسار العام للعمل.

تحدّثت الشخصيات الفرعية عن حياتها الشخصية من دون أي حاجة، ووردت قصص فقط لتعزيز بعض المفارقات البلاغية في الرواية. ومن رواية بهذا الحجم الصغير، فإن العمل يفرد لشخصية هامشية جدا مثل "أم" الدباح، التي لا دور واضحًا لها في القصة، 6 صفحات كاملة (ص 26-31)، وربما لن يعرف القارئ لماذا كانت الرواية مهتمة بإخباره عن حياة "أم الدباح" الشخصية والجنسية وزواجها، وأحلامها، وعلاقتها مع جيرانها وعدد الدجاجات التي ربتها في الانتفاضة الأولى، إلخ. وكذلك، فإن سليم العامل في إسرائيل الذي يلتقيه مازن في إحدى مغامراته، والمعلومات الشخصية عن عمله وعائلاته، التي لا نعرف ما هي صلتها بالقصة، مثال على هذا الحشو. "لم يفكر سليم من قبل باحتمالات كهذه. هو لم يدخل السجن من قبل، لكن أخاه قضى فيه 24 سنة، دخله طفلًا في السادسة عشرة، وخرج منه في الرابعة والثلاثين" (ص66). ولعل الخطأ الحسابيَ الطريف في هذه العبارة، الذي مر على الكاتبة ودار النشر، يكمِل مشهد الاستسهال.

في المقابل، فإن هناك مواضع كثيرة قد يبدو للقارئ أنها بحاجة إلى تدعيم وتفصيل إضافي. مثلًا ما هي طبيعة العلاقة بين الطلبة الخمسة، خاصة أنّهم ظهروا في بعض المشاهد وكأنهم مقرّبون، وفي أماكن أخرى من العمل باعتبارهم مجرّد طلاب دفعة جامعية واحدة، يعرفون أشكال بعضهم البعض فقط.

تنتهي الرواية بمشهد جميل جدًا وكاشف، وقد اكتسبت عنوانها منه. حيث تدخل لمى إلى بيتها، وتجد أنّه جميعه، الأرض والأثاث ورؤوس الأبناء والزوج، مغطىً بلمعان مادة الجليتر الفضية، نتيجة لشغب أبنائها. كان هذا اللمعان الذي غطّى المشهد جميعه، رغم كل تناقضاته، يقول شيئًا عن العمل نفسه كذلك. إنّه نص مليء باللمعان الزائف أيضًا.


اقرأ/ي أيضًا:

رواية فلسطينية خارج سوق الدموع

حرب الكلب الثانية: رواية خيال علمي تفتقر للخيال

"علي: قصة رجل مستقيم"... نوستالجيا شيوعية نمطية