25-أكتوبر-2015

مواجهات مع الاحتلال في الضفة الغربية (Getty)

أتت الهبة الجماهيرية الفلسطينية المتقدة، على كامل الخارطة الفلسطينية، قبل قرار الأمم المتحدة بتقسيمها عام 1948، محملة برياح الجدل حول مشروعية استهداف من يوصفون بالمدنيين عند طرف، وبين من يوصفون بالمحتلين المستوطنين عند طرف آخر.

فلا يزال أصدقاء إسرائيل يرمون كل فعل لا يعجبهم بأنه إرهاب! فالصاروخ إرهاب، والبندقية إرهاب، والسكين إرهاب

فهذا يدعي أن قتل مدني أعزل عمل إرهابي، حتى ولو كان هذا المدني محتلًا للأرض، مستوطنًا يعطي صوته لليمين المتطرفة، ويدفع ضرائبه للجيش الذي يقتل المدنيين العزل أيضًا، أصحاب الحق الأصيل في هذه البلاد، وذاك يصرح بأن هذا المستوطن تنتفي عنه صفة المدنية، لحقيقة كونه كذلك، وأن قتله عمل وطني بطولي، وحق مشروع لشعب مقاوم يسعى لنيل حريته واستقلاله. وأخشى ما أخشاه أن أتورط في هكذا نقاش هذه الأثناء، فأتجنبه قدر الإمكان، وأقول أنه ليس مستهجنًا عندي أن يقتحم الناس جدلًا ما يكون موضوعه حق من حقوق الإنسان، أو خلق من أخلاق الصراع، حتى وإن كان هذا الجدال معيبًا في تزامنه مع الأحداث، غير نزيه في انتقائيته، لكن موضوعه يبقى أولًا وأخيرًا هو الإنسان.

إن ما أستهجنه وأستقبحه هو ظاهرة التبرع بالمصطلحات، وتوزيعها على المقيم والمار، حتى إذا كان المصطلح غير واضح عند صاحبه، أو عند الذي وزعه نيابة عنه! فلا نزال نرى أصدقاء إسرائيل الجدد "جنود الإنسانية" يرمون كل فعل لا يعجبهم بأنه إرهاب! فالصاروخ إرهاب، والبندقية إرهاب، والسكين إرهاب.. حتى غدا الشعب الفلسطيني كله إما إرهابيًا، أو داعمًا للإرهاب! بينما إسرائيل مسكوت عنها تمامًا، وإن ذكرت فإنها بالطبع الدولة الديموقراطية الليبرالية الوحيدة في هذه المنطقة!

مرة أخرى، لست بصدد الجدال حول مشروعية التسلح بالسكين (لمن لم يملك غيره) وإنما أنا بصدد التورط والاشتباك مع أولئك الحمقى الذين لا يكلون التبرع بإشاعة مصطلح الإرهاب والزج به في كل ما يخص الصراع الفلسطيني الصهيوني غشًا وتدليسًا على الناس، وموافقةً وتصديقًا للعدو الصهيوني المحتل.

فرغم أنه من المعلوم بالضرورة أن هذا المصطلح المشبوه ليس مصطلحًا قانونيًا، وليس له تعريف محكم -أو غير محكم- متفق عليه، وأن الساسة القوادين هم أكثر الناس استهلاكًا له، وأنه لطالما كان بوابتهم الواسعة للتحلل من كل قيد دستوري أو قانوني أو أخلاقي، مع الاحتفاظ بالتأييد الجماهيري لكل انتهاك أو تجاوز يعقب المرور من هذه البوابة، وما كانت حروب العراق وأفغانستان ومالي وسورية والانقلاب في مصر إلا أمثلة على ذلك، فإنهم لا ينتابهم حرجٌ أن يمنحوا هؤلاء الساسة ما يجاهدون في سبيله، دون مقابل، وباسم السلام وحقوق الإنسان!

هذا بالتحديد ما تجاهد إسرائيل في سبيله جهادًا.. أن تستدرج الرأي العالم العالمي إلى تأييدها في انتهاك كل حق للفلسطيني في الحياة أو الحرية أو الوطن بدعوى أنها في حرب على الإرهاب الذي لا يميز بين يهودي ومسيحي، أو إسرائيلي وأوروبي، وقد كان أولئك الحمقى من حيث يدرون، أو لا، خير معين لها في هذا الجهاد، فهل لنا أن نسأل ما هو الإرهاب؟ إن الإرهاب كما يتبادر إلى الأذهان هو مفهوم لنوع خاص من الجريمة مقيدة بشروط ما، ليست متعلقة بجنس الجريمة نفسها، فليس القتل على إطلاقه إرهابًا، أو الاختطاف، أو الدهس.. إلخ.

تسعى إسرائيل إلى أن تستدرج الرأي العالم العالمي إلى تأييدها في انتهاك كل حق للفلسطيني بدعوى أنها في حرب على الإرهاب

وليست متعلقة بالدوافع الأيدولوجية لأصحابها على سبيل الحصر، فعلى سبيل المثال: تحتل منظمة "بابار خالسا" مكانة مرموقة في قوائم الإرهاب لدى كل من الهند وكندا وإنجلترا والاتحاد الأوروبي، وهي منظمة دينية تتخذ من الأيدولوجية السيخية منطلقًا لأعمالها، في حين أن حزب العمال الكردستاني، وهو تنظيم علماني قومي، يحتل مكانته كذلك في قوائم كل من تركيا وأستراليا وكندا وإنجلترا وأمريكا والاتحاد الأوروبي.

وليست حصرًا على العنف المنظم، وإنما تشمل كذلك العنف العشوائي، وليست حصرًا على كونها الأعمال العابرة للحدود دون غيرها، فحركة المقاومة الإسلامية– حماس، لم تشترك في أي عمل عنيف خارج الحدود الفلسطينية، ولم تشتبك مع أي عدو إلا جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومع ذلك فهي مصنفة كحركة إرهابية عند كل من كندا وأمريكا والاتحاد الأوروبي، ورغم أن محكمة العدل الأوروبية كانت قد أصدرت حكمًا باستثناءها من هذا التصنيف عند الاتحاد إلا أن الوضع بقي على ما هو عليه.

وليست متعلقة بنوع الضحية أو نوع الجاني من حيث كونهما مدنيين أم عسكريين، فكل الجيوش في هذا العالم، لا تنفك تقتل المدنيين، سواء كان قتلهم ذلك استقلالًا أم تبعًا، فلم يعتبر أحد ما جيشًا نظاميًا ما بأنه إرهابي، وإلا لكانت الجيوش العربية التي قلت الناس المدنيين العزل في حماة وحمص، ورابعة والنهضة، وعدن وصعدة، على رأس قائمة التنظيمات الإرهابية في العالم، لكن هذا العالم لا يجد حرجًا في تسليح هذه الجيوش، وإغداقها بالمنح، وإشراكها في مناوراته العسكرية للتصدي للإرهاب! وعلى النقيض، تنظيمات مسلحة لا تستهدف إلا العسكريين، وتتصدر قوائم العالم للمنظمات الإرهابية!

المفهوم إذن يعرب عن خليط من هذه الأعمال، أو جزء منها، ووحده يمتلك السياسي حق تقديره، وحجر الزاوية لهذا المفهوم وشرطه الأساس ألا يعني فعلًا من أفعال دولة ما، أو جيش ما، مهما كانت وقاحة هذا الفعل أو الجريمة، وأيًا كان جنس الضحية، وأن يكون صاحب الفعل/الجريمة مقرر سلفًا أنه إرهابي، كما قرر الرئيس السيسي محاربة الإرهاب المحتمل، وتصنيف أكبر تيار سياسي مصري على أنه تيار إرهابي، قبل أن يصدر منه أي عمل عنيف.

فإيران التي تقتل في سورية ليست إرهابيةً، ومصر التي تذبح في الشوارع ليست إرهابية، وأمريكا التي لا تطأ أقدامها بلد إلا وخربته، حتى صارت القتلى في كل من العراق وأفغانستان من جراء غزوها لهما عصية على الحصر حتى تقدر بالملايين ليست إرهابية، وإسرائيل التي مزقت الطفل الفلسطيني، وشوهت ذاكرته، وسحقت نفسه، ليست إرهابية! وهكذا إسرائيل "الدولة" تفعل ما تفعل، ولا يمكن نعتها بالإرهاب، بل على النقيض، ستتلقى إسرائيل الدعم من كل حدب وصوب لتقتل وتهجر وتدمر بدعوى الحرب على الإرهاب كما يفعل السيسي تمامًا الآن، وكما فعل بوش من قبل. أشعر بالغباء إذ أكتب في هكذا بديهة! 

تمتهن حقوق الإنسان عند تسخيرها لإبطال حق الشعب الفلسطيني في الاستقلال والتحرر

تمامًا كبديهة أن الحق الأصلي نقرة، والصواب أو الخطأ فيما سواه من فروع نقرة أخرى.. وأن امتهان حقوق الإنسان، وتجزئتها، وتسخيرها لإبطال حق الشعب الفلسطيني في الاستقلال والتحرر، وغض الطرف عن جرائم الاحتلال في حق الإنسانية، جريمة رأي، وتدليس على الناس. فإذا كانت المقاومة الفلسطينية -كلها أو بعضها- تصدر عنها أفعال تخالف حقوق الإنسان، أو أخلاقيات الحرب -إن كان للحرب أخلاق أصلًا–وإذا كنتم منصفين حقيقةً تكترثون لهذه الحقوق التي منها الحرية في تقرير المصير، والدفاع عن النفس والوطن- فكونوا هنا لتنتقدوا المقاومة، وتأخذوا على أيديها، وتحملوها على أن تنتهج نهجًا مقاومًا، يتفق وهذه الأخلاقيات والحقوق، لا على ترك المقاومة وترك فلسطين المصير والوطن!

تمامًا ككون المقاومة الفلسطينية غير معنية أصلًا بالاعتراف بهذا العالم، وما يتبع ذلك من تشريعات ومعاهدات ومواثيق.. طالما أن هذا العالم لا يعترف بها! العالم الذي يعترف بإسرائيل، ويمول إسرائيل، ويسلح إسرائيل ثم لا يعترف بالشعب الفلسطيني ودولته، وحقه في تقرير مصيره، واختيار ممثليه، لا يصلح لأن يكون حكمًا أو مرجعًا بينها وبين خصمها.

أيها الحمقى.. فليسلح العالم فلسطين، ويمولها، ويعترف بها، أو يكف عن تسليح إسرائيل وتدعيمها، ثم حدثونا عن انتهاكات فصائل المقاومة للقانون الدولي، أو الشرعية الدولية، أو ميثاق حقوق الإنسان، وإلى أن يحدث فإن إسرائيل هي الدولة، وهي الجيش، وهي من يتحمل المسؤولية. ولا دُمتم.

اقرأ/ي أيضًا:

صور الانتفاضة.. استعرض البهحة والحرية

رواية فلسطينية خارج سوق الدموع