في مدينة غزة الصغيرة، وتحديدًا في شارع عمر المختار أطول شارع فيها، يشد انتباهك مشهد سبق وأن شاهده كثير منا في المسلسلات والأفلام المصرية. لكنه غريب على شوارع القطاع المحاصر، حيث ترى عربة جميلة مزينة بالورود والأضواء الملونة، تخرج منها أصوات الموسيقى الشعبية. عربة يجرّها حصان. هكذا يتسارع الصغار والكبار على ركوب "الحنتور" المصري الذي غزا منطقة الجندي المجهول. وثمن جولة تأخذها في العربة الجميلة ولمدة لا تتجاوز خمس دقائق هو بالطبع زهيد، نصف دولار أمريكي للراكب. نسمّي هذا اختراعًا للفرح، محاولة فرح.
متوارثة هي محاولات الفرح في قطاع غزة المحاصر
رمضان عبد العال صاحب إحدى العربات، يؤكد أن العائلات الغزية "تقصد هذه الفسحة من جميع أنحاء غزة خاصةً وأننا في الإجازة الصيفية، طلبًا لركوب الحنتور وأخذ جولة برفقة أطفالهم ليعيشوا بعض الأجواء غير الاعتيادية". ويحدث هذا في ظل إغلاق المعابر ومنع أهل غزة من السفر خارج القطاع. ربما لذلك "نشهد إقبالًا يوميًا على ركوب الحنتور، حيث تبدأ جولات عربات الحنتور بالتحرك في غزة بعد عصر كل يوم حتى منتصف الليل، إلا أن الإقبال بصورة أكبر يرافق المناسبات وأيام الأعياد والإجازات"، يقول مزهوًا.
وأكد عبد العال أن نقل فكرة الحنتور المصري إلى غزة جاءت من والده. فمحاولات الفرح متوارثة في القطاع محاصر، "والدي شاهد الحنتور المصري على التلفزيون وأراد أن يطبقها هنا في غزة لأننا نريد بابًا للرزق ومصدرًا لدخل للأسرة". مهلًا، لم يكن الفرح في باله، "كنا نعمل سابقاً في الحدادة ولكن بسبب الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر الذي شدد على دخول مواد الخام اللازمة والتي نستعملها كحدادين، قررنا أن نتجه لشيء آخر يوفر لنا قوت يومنا، قام أبي بإحضار صور للحنتور المصري وقمت أنا وأخوتي الثلاثة بتطبيق هذه الفكرة في قطاع غزة قبل ثماني سنوات".
أما عن شكل الحنتور فيصفه عبد العال "يتكون الحنتور من الحصان الذي نقوم بتزينه بألوان مختلفة لجذب الأنظار وأربع عجلات وفيبر جلاس وحديد مجلفن وجلد ووحدات إنارة وزينة مختلفة الألوان وكراسي مريحة يغطيها الجلد". الأمر أشبه بحرفة، مشيرًا إلى أن هناك فروق بين الحنتور الفلسطيني والمصري، حيث أن الحنتور الفلسطيني أكبر حجمًا من المصري. يتسع لثمانية ركاب أما الحنتور المصري فيتسع فقط لأربع ركاب، إضافة إلى وجود فرق في العجلات المستخدمة.. "نحن نقوم بتصنيع نوعين من العجلات منها ما هو مشابه لعجلات الحنتور المصري المصنوع من الخشب والنوع الآخر مثل عجلات السيارة".
رغم المعاناة والحصار، يبدو عبد العال راضيًا بمهنته، مستعينًا بعبارات دينية لشرح ذلك "الحمد لله أنا سعيد في عملي طالما العمل مخلص لوجه الله تعالى وخالي من الحرام فإنه يزيد من الراحة النفسية أنا أكسب قوت يوم عائلتي بيدي وعرق جبيني".